خالد محمود
« باربى ».. رهان على حرية الفن ووعى مستقبليه
الثلاثاء، 22 أغسطس 2023 - 02:45 م
خالد محمود
يأتي الجدل الذي أثير حول فيلم “باربي” - للمخرجة جريتا جيروينج - وعرضه جماهيريا بالدول العربية، ليعكس صورة إيجابية في الجزء الأكبر من المشهد، فلم تستسلم معظم دول المنطقة لتيار منع العرض، ولم تقف كثيرا أمامه، بل فكر المسئولون بها بنضج وتريثوا، ثم أخذوا القرار بعدم حرمان الجمهور من الفيلم الأكثر انتشارا وجماهيرية في العالم بالفترة الحالية، في رهان على حرية الفن ووعي مستقبليه، وهذا نهج سوي، وقطعا جاء التصريح بعد مشاهدة الفيلم، ولم يجدوا تلك المحاذير التي وضعت تحت “الحفاظ على القيم الأخلاقية للمجتمع”، تحول دون عرضه، فالسينما ليست قوانين للوعظ والتربية، ولا حتى باب للإنحراف بالقيم المجتمعية، المهم القيمة الفنية وجمال مفرداتها ودرجة متعة المشاهدة.
وعلى الرغم أن قرار الرقابة على المصنفات الفنية بمصر بالموافقة على عرض “باربي” جاء متأخرا، وبعد دول مثل السعودية والإمارات، إلا أنه قرار صائب، خاصة أنه حمل لافتة “العرض العام” وليس لتصنيف عمري، كما أنه حدد ميعاد مبكر قبل الموعد المطروح، فالجميع كان ينتظر قرار مصر صاحبة التاريخ السينمائي، و”أم السينما في العالم العربي”، خاصة أمام فيلم ينتمي لعالم خيالي، ولبطلة كانت دمية تمثل البهجة وعوالمها، وتخوض تجربة النزول إلى الواقع، وكيف تواجه تحقيق حلمها.
ما حدث يعد متغيرا كبيرا في الفكر تجاه مثل هذه الأزمات، فالأصل في الأشياء الإباحة وليس المنع، وهنا أقف أمام النموذج السعودي، وما ذكره موقع “هوليوود ريبورتر” عقب التصريح بعرض “باربي” بالمملكة، ومنعه ببعض دول الخليج، حيث أشار أنه في مشهد مناقض لما كانت عليه الحال قبل سنوات، أصبح الخليجيون يسافرون إلى السعودية لمشاهدة الأفلام السينمائية في دور العرض.
وقال التقرير الذي نشره الموقع، أنه هناك مؤشر على “الاتجاهات الثقافية التاريخية المعكوسة”، أصبحت السعودية مقصدا للمقيمين في بلدان خليجية، إذا كانوا يريدون تجاوز القيود الصارمة على السينما لديهم، ومشاهدة فيلم “باربي”.
وبعد حظر فيلم “باربي” في الكويت، نشر مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي في الدول الخليجية عناوين لدور السينما القريبة في السعودية، للأشخاص الذين لديهم إستعداد للسفر مسافة ساعتين بالسيارة، وتم نشر تفاصيل عن أقرب 3 دور عرض سينمائي في مدن المنطقة الشرقية بالسعودية، حيث يمكن الوصول لها بالسيارة من الكويت بسهولة، وكان السعوديون هم من يسافرون إلى دول الخليج لمشاهدة الأفلام داخل دور السينما، لا سيما في البحرين التي يربطها جسر مع المملكة، وفي عام 2010 كان حوالي 230 ألف سائح من السعودية قد سافروا إلى الإمارات خلال موسم الصيف “لمجرد مشاهدة الأفلام”.
وبعد أكثر من عقد، وبفضل إلغاء الحظر الذي دام 35 عاما على دور السينما، والذي تم رفعه في أواخر عام 2017، تمتلك السعودية الآن صناعة سينما مزدهرة، وتفتخر بأن لديها شباك تذاكر الأسرع نموا في المنطقة.
نحن نتحدث عن فيلم صنع التاريخ لنفسه بعائدات تخطت المليار و700 ألف دولار في شباك التذاكر العالمي، بعد مرور 3 أسابيع على افتتاحه، وهو إنجاز ونجاح مذهل حققته الكاتبة والمخرجة جريتا جيرويج، وهو ما يجعلها أول مخرجة منفردة بفيلم قيمته مليار دولار.
ولم يتوقع المراقبون النجاح المذهل للبطلة الدمية على هذا النحو، مثلما حدث مع فيلم “أوبنهايمر” الذي حقق إيرادات كبيرة، في ظاهرة تشير إلى مزاج متعدد جديد لجمهور السينما لديه حالة شغف حقيقية، حتى لو كان عبر فيلم عن مخترع القنبلة الذرية، لدرجة أنهم أطلقوا علي الفيلمين ظاهرة “باربينهايمر”.
بول ديجارابديان، كبير محللي وسائل الإعلام في “Comscore”، قال عن تلك الظاهرة: “ظاهرة (باربي) غير مسبوقة بقدر ما كانت غير متوقعة”، ووفقًا لديجارابديان، فإن حوالي 50 فيلمًا فقط في التاريخ وصل إلى مليار دولار.
الحملة التسويقية للفيلم، كانت أول تلميح عن أن “باربي” ستحقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، وقد أطلقت الحملة التسويقية لـ”باربي” سلسلة من الأحداث التي أدت إلى إضافة كلمة “باربينهايمر” إلى المعجم الشائع بحكم تاريخ إصدارها المشترك مع “أوبنهايمر”، وذلك عندما عرفنا جميعًا شيئًا مميزًا جدًا وفريد من نوعه كان سيخلق نتيجة أكبر بكثير من المتوقع للفيلم بعرضه العالمي في دور العرض.
مارجو روبي، بطلة الفيلم، قالت: “أعتقد أنني أخبرتهم أنهم سيكسبون مليار دولار، ربما كنت أقولها بشكل مبالغ فيه، لكن كان لدينا فيلم كبير نصنعه!”.
كان مردود “باربي” جيدًا أيضًا في الصين، ثاني أكبر سوق في العالم، وتعتبر “بلاد التنين” من أكبر أسواق السينما في العالم، حيث ارتفع عدد دور العرض التي تبث فيلم “باربي” من 9673 صالة سينما في 21 يوليو - اليوم الأول لعرض الفيلم - إلى حوالي 36 ألف دار عرض في 27 يوليو، وفقًا لبيانات من منصة التذاكر الصينية “Maoyan”، فقد جمع أكثر 19 مليون دولار في الصين لوحدها حتى الآن.
من جانبها، أوضحت، ليتا هونج فينشر، الأستاذة المساعدة في جامعة “كولومبيا”، أنه ومع التركيز على قضايا النوع الاجتماعي في الصين فإن ذلك ذلك الفيلم “قد تمكن من الهروب من رادار الرقابة (الصينية)”
وغالبًا ما يضطر صانعو أفلام هوليوود الحريصون على عرض أعمالهم داخل الصين إلى التفاوض مع الرقابة، وفي حالة فيلم “باربي”، اتهم بعض النقاد منتجي الفيلم بإسترضاء بكين.
ودمية “باربي” هي رمز عالمي مألوف للمستهلكين الصينيين،
وعكست شعبية “باربي” في الصين أيضًا كيف أصبح جيل الشباب الآن: “أكثر وعيًا بمدى كون المجتمع متحيزًا ضد المرأة”.
من جانبها قالت إخصائية التسويق الدولي، سيجي زوهانج، التي ذهبت لمشاهدة الفيلم مع 7 صديقات، إنها تنصح كل فتاة بمشاهدة ذلك العمل، موضحة: “أنه يجعل المرأة تشعر بالقوة”.
وقال مايكل بيري، مدير مركز الدراسات الصينية بجامعة كاليفورنيا، إن “باربي” لا تزال أيقونة في جميع أنحاء العالم، مما يمنح الفيلم نقطة انطلاق قوية للاشادة الدولية.
وأضاف: “لقد نشأ الأطفال في مئات البلدان.. مع الدمى وصورها.. لكن الفيلم قادر أيضًا على السير على حبل مشدود ببراعة يجذب الحالمين الأبرياء الذين يبلغون من العمر 8 سنوات، والذين يقتربون من الفيلم على مستوى واحد، وكذلك الجماهير البالغة، القادرة على تفسير الفيلم من منظور مختلف تمامًا في المستوى المليء بالسخرية والفكاهة والتلميحات والرمز”.
لقد أصبح فيلم “باربي” كل شيء من اختبار العلاقة بين المرأة وعالم الرجال إلى الاحتفال بالأنوثة، وهو يحافظ أيضا على الأسئلة الوجودية للفيلم حول قيمة اقتحام الواقع والحياة أو الهروب منها.
أخيرا، قال شون روبينز، كبير المحللين في “BoxOffice Pro”: “قيادة هذا الخطاب هو احتضان الفيلم لما تحبه وتكرهه أجيال من النساء، وقد استفاد من المحادثات الثقافية حول أدوار الجنسين وتمكين المرأة غير المقيدة بالحدود”.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة