د. مراد الريفى مدير معهد المخطوطات العربية
د. مراد الريفى مدير معهد المخطوطات العربية


د. مراد الريفى مدير معهد المخطوطات العربية: نستعد للمنتدى العربـى الأول حول «ذاكرة المخطوط»

عبدالهادي عباس

السبت، 26 أغسطس 2023 - 07:23 م

حركة دائبة وجهد كبير يقوم به معهد المخطوطات العربية بالقاهرة: معدات جديدة للرقمنة والميكروفيلم، إعادة تأهيل المكتبة، دورات تدريبية فى علوم المخطوط، الإعداد لدبلومات متخصصة تحمل أسماء كبار المحققين، وغيرها من الأنشطة التى تُسابق الزمن لإخراج أكبر قدر من تراثنا المخطوط إلى الجمهور العربى..

فى هذا الحوار مع د. مراد الريفى، مدير معهد المخطوطات العربية، نكشف عن الكثير من المشروعات الجديدة التى يقوم بها المعهد فى تحقيق المخطوطات وصيانتها، تحت راية مؤسسة الألكسو باعتبار الثقافة العربية هى القوة الدافعة لاستمرار تدفق الأفكار القومية فى شرايين الجامعة العربية، وسط تحديات عالمية وجودية لا سبيل إلى مواجهتها إلا بالتضامن العربى؛ وإلى تفاصيل الحوار:   

فى البداية يا دكتور كيف نجعل من الثقافة العربية قاطرة للتعاون العربى فى شتى المجالات؟

على مستوى الثقافة العربية والتعاون المشترك تقوم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - ألكسو، بعمل دؤوب لتفعيل العمل العربى المشترك فى هذا الميدان، ويشدد دائمًا المدير العام للمنظمة د. محمد ولد أعمر على أهمية العمل المشترك بين الدول العربية، ويسعى إلى وضع كل الإمكانات فى سبيل توحيد الخطوات العربية لرفع الوعى العام بأهمية التعاون العلمى والثقافى والبحثى، وهذا التعاون هو المثال الأفضل للعمل العربى المشترك حيث تلتقى الجهود العربية لتلبى حاجة طلاب العلم على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم.

نتاج العقل العربى

بصراحة، هل ترى أن تحقيق المخطوطات وحده كافٍ لتشكيل مستقبل الثقافة العربية؟

لا يمكن فصل التراث المخطوط بأى حال من الأحوال عن الثقافة العربية، فالمخطوط بوصفه وعاء حاملاً للمعرفة لا يقتصر على علم دون علم ولا على فن دون آخر، المخطوط العربى هو نتاج العقل العربى على مر العصور، وهو الصورة الحقيقية لما كانت عليه المجتمعات العربية فى العصور السابقة، وبذلك لا يمكن النهوض بمستقبل الثقافة العربية دون الالتفات إلى المخطوطات أو ما ورد فيها من علوم قد لا يكون إلى الآن وصل جزء كبير منها إلينا، بمعنى أن الكثير من المخطوطات التى لم تحقق إلى الآن قد تكون فيها معلومات مغايرة أو غير منتشرة أو فريدة من نوعها، لذا فإن المخطوطات بما تكتنزه من علوم فهى ولَّادة وكل يوم يصل أحد الباحثين إلى معلومات جديدة لم تكن فى مخيلة البعض أنها نتاج عقل عربى فى زمن من الأزمة الماضية؛ فالتراث المخطوط جزء أصيل من ثقافتنا العربية ولا ينفك مستقبل الثقافة عن المخطوط العربى بحال من الأحوال.

ما أبرز المشروعات العلمية التى يقوم عليها معهد المخطوطات الآن؟

المعهد يقوم بأنشطة علمية متعددة الجوانب من حيث النشر ومن حيث المشاركة فى المحافل الدولية ومن حيث التعليم والتدريب. ولدى المعهد مجلة محكمة منذ عام 1955م، والمجلة علمية نصف سنوية مُحَكَّمة، تُعْنَى بالتعريف بالمخطوطات العربية، وفهرستها، ونشر النصوص المحقَّقة، والدراسات. وإلى جانب المجلة يصدر المعهد كل عام عددًا من العنوانات الجديدة، ونحن الآن نعدّ مجموعة من الكتب لإصدارها قبيل انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته المقبلة. كما أننا خلال العام الجارى سننشر بعض الكتب المترجمة من لغات غير عربية متخصصة فى حقل التراث المخطوط.

ذاكرة المخطوط

وماذا عن مشاركة المعهد فى المحافل الدولية؟

المعهد حاضر فى أغلب المؤتمرات والمنتديات المهتمة بالتراث المخطوط أو ما يخدم هذا الحقل المعرفى، وقريبًا سنستضيف المنتدى العربى الأول حول ذاكرة المخطوط، كما سنشارك فى المؤتمر الدولى الثالث للمخطوطات فى باماكو، ولا ننسى أن المعهد يعقد منتديات تراثية فى مقره كل شهرين. كما فتحنا باب التسجيل للالتحاق بدرجتى الدبلوم والماجستير للعام الأكاديمى 2023-2024م، ولدينا نشاط دائم فى الدورات التدريبية على مدار العام بمعدل دورة تدريبية كل شهر تقريبًا. وقد أعلنا عن الدورة التدريبية الجديدة حول فهرسة المخطوطات. والمعهد بوصفه جهازًا قوميًّا عربيًّا لا يتأخر البتة عن الحضور فى أى محفل دولى لنشر الوعى بأهمية التراث المخطوط.

كيف يتعامل المعهد مع بعض المخطوطات التى تضيع أو تُحرق فى بعض الدول العربية؟

للمعهد تاريخ طويل من التتبع والتقصى لأحوال المخطوطات فى الدول العربية وفى دول العالم كله، ونحن دائمًا نقدم تقريرات استباقية للمعنيين بشأن المخاطر التى تُحيط بالأماكن التى تحتوى على مخطوطات، ولرفع الوعى بوجود هذه المخاطر اخترنا فى إحدى دورات الاحتفاء بيوم المخطوط العربى وتحديدًا الدورة السابعة عنوان: (المخطوطات المهجّرة) ولم نقل المهاجرة؛ لأننا كنا نعنى بالمهجرة التى هُجِّرت عنوة عبر التهريب والسرقة والبيع غير المشروع. والوضع فى عدد من الدول العربية يؤثر بشكل كبير على الأرصدة المحفوظة من المخطوطات، ودورنا فى هذا الجانب توعوى نقوم به على أكمل وجه ونقدم الاستشارات للجهات المعنية حال الطلب، ونفعل من خلال منبر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) آلية المتابعة الدولية أو التحذير من خطورة الموقف تبعًا لكل حالة من الحالات.

رقمنة التراث

هل يتم الاعتماد على وسائل الرقمنة الحديثة للحفاظ على المخطوطات العربية وصيانتها؟

الرقمنة جزء من استثمار التكنولوجيا الحديثة فى خدمة التراث العربى المخطوط، فالمعهد على اطلاع دائم على آخر التطورات التكنولوجية من خلال لجنة داخلية مشكلة برئاسة مدير المعهد تعمل بشكل دؤوب على فتح آفاق التعاون مع الجهات المختصة فى سبيل الاستثمار الأمثل للتكنولوجيا الحديثة من حيث الحفظ والترميم والصون والحماية والتعرف الذكى على الحَرف المخطوط والتعامل مع الداتا وقواعد البيانات، إضافة إلى الرقمنة، والمعهد منذ سنوات عديدة يقوم برقمنة رصيده من المايكروفيلم، كما لدينا شراكات واسعة فى هذا الجانب مع معهد الدومينيكان ومع المكتبة الوطنية الفرنسية لفهرسة ورقمنة رصيد المعهد فى حقبة الكويت.  

قانون موحَّد

هل نرى قريبًا تعديلًا لقانون المخطوطات بحيث يكون أكثر ضبطية لمواجهة سرقة المخطوطات أو تهريبها؟

قانون المخطوطات مسألة داخلية لكل دولة من الدول العربية، ولا يمكننا التدخل فى الشأن الداخلى للدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية، ولكن للمعهد دورًا استشاريًا وقد قدّمنا من خلال المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) مشروع قانون عربى موحّد لحماية التراث المخطوط، وقد اعتمد القانون (وهو قانون استرشادى) من قبل مؤتمر الوزراء المسئولين عن الشئون الثقافية فى الوطن العربى تحت اسم (القانون العربى الموحّد لحماية التراث المخطوط)، وذلك فى الدورة (23) التى عقدت فى المملكة العربية السعودية. ونحن نقدم دورًا استشاريًّا للدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية من خلال المؤتمرات الوزارية عبر منظمة الألكسو، ولكل دولة من الدول شأنها الداخلى ومسلك تشريعى خاص بها.

ما المنهج المتبع لاختيار المخطوطات التى يتم تحقيقها؟

اختيار المخطوطات مسألة بحثية تحتاج من المحقق وجود أدوات معرفية ودراية وتجربة وملكة علمية، ويتم الاختيار بحسب الحقول المعرفية وبحسب أهم المؤَلِّف أو المؤلَّف، وعلى العموم لا يوجد ما يمنع من تحقيق أى مخطوط لم يحقق سابقًا، أو يوجد مسوغ لإعادة تحقيقه، لكن مسألة الاختيار هى مسألة تعتمد أولاً وآخرًا على رؤية المحقق الذى يعمل على تحقيق مخطوط ما، فما تراه من وجهة نظرك عملا يستحق التحقيق لأهميته وارتباطه بالعمل فى الإعلام والصحافة، قد لا يراه المشتغل فى الطب أو الصيدلة ذا أهمية، والعكس صحيح فما يراه أحد الأطباء فى مخطوط يتكلم عن الطب ويستحق التحقيق قد يراه غيره مضيعة للوقت والجهد والمال. والمعهد منفتح على الحقول المعرفية كلها لأن التراث المخطوط ليس حقلًا واحدًا وإنما هو حصيلة العقل الجمعى العربى على مرّ القرون، وهى نتاج العقل العربى فى التخصصات كلها.

تقصير كبير!

وهل تتم الموازنة بين المخطوطات العلمية والشرعية والأدبية؟

الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى منتدى أو ملتقى وربما ولا أبالغ قد يكون الجواب من خلال مؤتمر دولى لرفع مستوى الاهتمام بالمخطوطات العلمية، المعهد يدرك تمام الإدراك أن التحقيق اتجه كثيرًا إلى النصوص الشرعية والأدبية، وهناك تقصير كبير فى تحقيق النصوص العلمية، ولن أقف عند الأسباب لأنها كثيرة ومتشعبة، ولكن أقول هذا العام وبمناسبة يوم المخطوط العربى اختار المعهد بعد مداولة بين اللجان المشكلة لهذا الأمر كتاب (الشذور الذهبية فى الألفاظ الطبية) لمحمد بن عمر التونسى (ت1274هـ/1857م)، وكتاب العام التراثى، والذى صدر عن مركز تحقيق التراث العربى بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، بتحقيق د. محمود مهدى، نائب رئيس المركز، وإشراف د. أنس الفقى، رئيس المركز، وهذا الاختيار للفت الانتباه إلى أهمية التراث العلمى وأهمية الاتجاه إلى تحقيق النصوص العلمية.

كيف يتم التوفيق بين المعهد والمؤسسات العلمية الأخرى المهتمة بتحقيق المخطوطات حتى لا نُحقق المُحقق؟

نحن نسعى فى أحد المشروعات إلى وضع قاعدة بيانات للكتب المحققة، ولدينا اتصالات مع عدد من الجهات مثل اتحاد الناشرين العرب للوصول إلى آلية مشتركة لضبط عملية التواصل مع المؤسسات والهيئات والمراكز العامة والخاصة ومع الأفراد لنشر بيانات الكتب المحققة منعًا للتكرار. ولا يخفى على أحد الجهود السابقة التى قام بها المعهد حين نشر (المعجم الشامل للتراث العربى المطبوع) وذلك منذ عام 1992م.

هل توجد لقاءات عملية لتسهيل التواصل بين الباحثين والمحققين العرب؟

المعهد بوصفه بيت الخبرة العربى فى حقل التراث المخطوط يعد قِبلة لكل الباحثين العرب وغير العرب للتنسيق والتعاون ومد جسور التواصل، وقد التفت المعهد إلى أهمية هذه الصلة، لذلك عقدنا العام الماضى لقاءً تواصليًا مع المؤسسات والهيئات والمراكز المتخصصة بالتراث المخطوط على مستوى الوطن العربى، وقد حضر اللقاء أكثر من (38) ممثلًا لجهات متعددة من (13) دولة: (الأردن، الإمارات، البحرين، تونس، سلطنة عمان، السعودية، السودان، فلسطين، قطر، لبنان، مصر، المغرب، اليمن).

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة