سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الاخبار

نجم.. القرآن الكريم!

الأخبار

الأحد، 10 سبتمبر 2023 - 07:38 م

سمير الجمل

وكيف لا.. وهو الشاب الذى اجتمعت فيه من الخصال ما لم يبلغه غيره لا قبله ولا بعده.. فهو العالم والمحارب الأب والزوج القائد جمع بين جاد الحديث وبشاشة الوجه والقلب

يمشى فى شوارع المدينة المنورة يفكر فى تلك المهمة التى كلفه بها الصديق أبوبكر.. ويقول فى نفسه: أن نقل الجبال الرواسى.. أهون عندى من أن أتتبع القرآن الكريم وأجمعه.. «ياالله كم تختلط مشاعر الشرف والخوف فى قلب الفتى.. الذى ينتمى إلى قبيلة بنى النجار.. ومنهم أم المصطفى صلى الله عليه وسلم آمنة.. إنه يتذكر جيدا ذلك اللقاء الأول بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاء إلى المدينة مهاجراً.. وكان ابن الحادية عشرة.. وقرأ على الرسول سبع عشرة سورة مما يحفظ ووجد فيه نبوغاً.. وعلماً.. وكان أصغر ما يكتب الوحى الذى ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم..ثم جاءه التكليف النبوى بأن يتعلم العبرانية فإذا به يتقنها فى ١٧ يوما.. وتعلم الأرامية أيضا فى أسبوعين.. ولما أراد المشاركة فى معركة بدر أشفق عليه النبى صلى الله عليه وسلم لصغر سنه.. فلما شهد الخندق سمح له بأن يحمل تراب الحفر فقبل المهمة.. راضيا.. واستمر حفظه وكتابته ودراسته.. حتى أصبح من كبار الصحابة علماً بالفرائض وأهل الفتوى.. وقد جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: «أرحم أمتى بأمتى أبوبكر وأشدهم فى أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبى ابن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ.. إلا أن لكل أمة أمينا وأن أمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح.
رقمه الإسلامى
تقول بطاقته إنه زيد بن ثابت بن لوذان بن عمرو وينتهى نسبه إلى بنى النجار وعندما ثار الجدل بين المهاجرين والأنصار بعد وفاة نبى الله صلى الله عليه وسلم.. كان رأى بن ثابت العاقل الراسخ هو الحاسم:
إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن انصاره وانى أرى أن يكون الإمام من المهاجرين ونحن نكون ايضا انصاره.. ورضى الجميع برأيه وانتهى الخلاف.
وكيف لا.. وهو الشاب الذى اجتمعت فيه من الخصال ما لم يبلغه غيره لا قبله ولا بعده.. فهو العالم والمحارب الأب والزوج القائد جمع بين جاد الحديث وبشاشة الوجه والقلب.. وهو كاتب الوحى وترجمان الرسول ونجم القرآن الكريم.. كتبه من فم الرسول صلى الله عليه وسلم.. ثم كان تكليف الصديق له.. بأن يتتبعه ويجمعه وقد كان مكتوبا على الأحجار والأخشاب والعظام والجلود والأوراق وكانت معجزة حفظه فى الصدر هى الباقية.. وقد نزل إلى أهل البلاغة والشعر.. والغالبية منهم تقوله شفاهة وتحفظه فى براعة ميزت العرب عن غيرهم.. وهم أهل الفصاحة والبيان والكتاب الكريم يقولها صريحة:
> (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) «الإسراء ٨٨» وفى العام الذى توفى فيه رسول الله صلى الله وسلم قرأ زيد على المصطفى مرتين.. وكان أمين الوحى جبريل يراجع القرآن الكريم مع النبى الكريم خاصة فى ليالى القدر.
والكتاب نزل إلى اللوح المحفوظ كاملا فى السماء العليا.. ثم نزل إلى «بيت العزة» فى السماء الأولى فوق البيت المعمور ثم كان النزول الثالث بأمين الوحى جبريل.
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين،َ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) «الشعراء ١٩٣: ١٩٥»
والقصة كما نعرف كان مكانها الأول غار حراء وبدايتها:
−اقرأ..!!
وكان النبى الأمى الذى نزل فى الأميين يرد بقوله:
− ما أنا بقارئ!
ولو كان صلوات الله وسلامه عليه يقرأ لقالوا وقد قالوا إنه مؤلف القرآن.. وتجاهل هؤلاء ان فيه من الأوامر الإلهية الى النذير والرسول وليس عليه البلاغ.. لان الله سبحانه يهدى من يشاء ولوشاء لجعل الناس جميعا أمة واحدة..
(أنت لها يازيد)
(وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا) «الإسراء ١٠٦»
لقد شاءت إرادة المولى القادر الخالق البصير السميع أن ينزل القرآن على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم منجما أومتفرقا حتى يكون شاهداً على الكثير من الأفعال والأحداث.. لتكون معجزته فى سرد ما مضى.. وتناول الحاضر وقت نزوله ثم الدخول فى أخبار المستقبل والغيب.. والحكمة: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) «فصلت ٥٣»
وإذا كان الصديق أبوبكر قد أمر بجمع القرآن.. وكان لعثمان رضى الله عنه شرف نسخه وكتابته كاملا مرتبا كما نزل.. وقال الإمام أبوعبدالله المحاسبى فى كتابه «فهم السنن»: كتابة القرآن ليست بمحدثة فقد كان يأمر بكتابته ورأى بنور الله أن لتحقيق رغبته فى جمع الكتاب إلى واحد من خيرة رجالات الصحابة وهو زيد بن ثابت.. لأنه اجتمعت فيه من المواهب ذات الأثر فى جمع القرآن ما لم يجتمع فى غيره من الرجال اذ كان من الحفاظ وكتاب الوحى وكان معروفا بخصوبة عقله وشدة ورعه وعظم أمانته وكمال خلقه واستقامة دينه.
وجاء تكليف بن ثابت هذا فى حضور الفاروق عمر رضى الله عنه وراح زيد يؤدى مهمته على خير ما يكون الأداء ويلجأ إلى الشهود لكى يبلغ التمام فى المكتوب والمحفوظ حتى إن آخر سورة التوبة لم تكن موجودة الا فيما كتبه أبوخزيمة الأنصارى.. وكان يحفظها ومع هذا أراد المزيد من الثقة وأن يرى الآية مكتوبة وكان خزيمة قد أخذها مباشرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.


تجمعت الصحف عند أبى بكر ثم عند عمر ثم عند حفصة بنت عمر حتى جاء عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه.. واستشهد الكثير من حفظة القرآن.. وكان من الواجب نسخ المصحف كاملا مرتبا وقد نزل كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبعة أحرف والمقصود لهجات.. لقبائل قريش وكنانة وأسد وهزيل وتميم وقيس وثقيف وهوزان وغيرها مثلما تختلف لهجة الشامى عن المغربى عن السودانى عن المصرى والليبى واليمنى لكن السند والمرجع عند الاختلاف لسان قريش كما نزل على خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم.
ورأى عثمان أن يطلب من حفصة بنت عمر ما لديها.. وشكل لجنة النسخ فيها الحافظ وفيها من يجيد النحو والإعراب وجمعت اللجنة زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام وبعد أن تم نسخ المصحف كاملا واغلب الآراء تقول إنها ستة ومع كل نسخة من يشرح ويفسر.. وتولى زيد أمر مصحف المدينة المنورة أى النسخة الكاملة.. وعبدالله بن السائب المصحف الذى سافر إلى مكة والمغيرة بن شهاب أمر مصحف الشام.. وأبوعبدالرحمن السلمى أمر مصحف الكوفة.. وعامر بن عبدالقيس مصحف البصرة.. وبذلك يكون بن ثابت هو الوحيد الذى نال شرف الكتابة والجمع والنسخ للقرآن الكريم فى أربعة عهود مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم جميعا.


أستاذ المواريث
عن بن عباس رضى الله عنه أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب أى فقال له: تنح يابن عم رسول الله فقال بن عباس: هكذا نضع بالعلماء أى يكون تقديرنا لهم.. وبن عباس هو فقيه العصر وإمام التفسير.. وقد قال فيه الشاعر حسان بن ثابت:
فمن للقوافى بعد حسان وابنه
ومن للمثانى بعد زيد بن ثابت
ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أفرض أمتى أى أكثرهم علماً بالمواريث.. ووصفه فى صغره وهو ينقل تراب حفر الخندق: أنه نعم الغلام.
وفى معركة تبوك كان راية بنى مالك بن النجار مع عمارة بن حزم فأدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذها منه ودفعها إلى زيد بن ثابت فقال عمارة: يارسول الله بلغك عنى شىء؟!
قال: لا.. ولكن القرآن يقدم.. وكان زيد أكثر أخذا منك أى أكثر حفظا. واستعمله عمر بن الخطاب على القضاء لكى يتولى أمره. وكان يستخلفه على المدينة المنورة.


وقال الأعمش عن ثابت بن عبيد قال:
كان زيد بن ثابت أفكه الناس فى بيته أى أكثرهم مرحاً وأزمته وأكثرهم جداً اذا خرج إلى الرجال.
وكان شديد الحياء.. ويقول: إنه من لايستحى من الناس لا يستحى من الله.


قال مالك بن أنس: كان إمام الناس عندنا بعد عمر بن الخطاب زيد بن ثابت وكان امام الناس عندنا عبدالله بن عمر.. وهو صديق طفولته وصباه وشبابه.


وقال عمر الشعبي: تنازع «أبى بن كعب» وعمر بن الخطاب فى جدار نخل «قطع ثمرها» فبكى أبى ثم قال: أفى سلطانك ياعمر قال: اجعل بينى وبينك رجلا فقال بن كعب: زيد بن ثابت فانطلقا إليه.
وعن سليمان بن يسار قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد احداً فى الفرائض والفتوى والقرآن والقضاء حتى كان أصغر الصحابة أهل الفتوى الكبار وهم ستة.
وبقى بن ثابت رضى الله عنه إلى الخلافة الأموية ولم تتلطخ يداه بدم مسلم ولم يشارك فى فتنة وإنما يقرئ الناس القرآن ويعلمهم العلم ويفقهم فى الدين إلى أن توفاه الله عز وجل ومن اشهر طلابه ابن عباس الذى قال فيه:
«لقد علم المحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ان زيد بن ثابت من الراسخين فى العلم»
وقد شهد جنازته فلما نزل إلى قبره قال: لقد دفن اليوم علم كثير.. ورغم علمه ومكانته كان حريصا على كلمة ينطقها وكثيرا ما أخبر من يسأله فى شىء: هذا رأيى الذى لم أجده فى كتاب أو سنة.. ولك أن تأخذ به أولا تأخذه. واستفت قلبك ويحكى ابنه خارجة بن زيد عن يوم وفاة ابيه قبل أن تصفر الشمس وكان يرى دفنه قبل الصباح.. لكن الأنصار قالوا:  لايدفن الا نهاراً يجتمع له الناس


فسمع مروان بن الحكم فجاء يشارك فى غسله وجنازته ويقول خارجة: غسلناه ثلاثا الأولى بالماء والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور وكفناه فى ثلاثة أثواب وصلينا عليه بعد طلوع الشمس واطعمنا الناس ورفضت نساء الانصار الكف عن البكاء عليه كما طلب منهن.. وقد مات رحمة الله عليه فى المدينة عن ٥٦ عاما. ألا يحق لنا بعد هذا أن نمنح ترجمان الرسول صلى الله عليه وسلم وكاتب الوحى.. لقب نجم القرآن بلا منازع.

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة