الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى


خواطر الإمام الشعراوى ..مقابلة نعم الله بالإيمان

الأخبار

الخميس، 14 سبتمبر 2023 - 08:48 م

يقول الشيخ الشعراوى فى خواطره حول الآية «211» من سورة البقرة: « سَلْ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»: فكأن الله لم يحمل على بنى إسرائيل ويريد منهم أن يقروا على أنفسهم بما أكرمهم به الله من خير سابق؛ فساعة تقول: «اسأل فلانًا عما فعلته معه»، كأنك لا تأمر بالسؤال إلا عن ثقة، وأنه لن يجد جوابًا إلا ما يؤيد قولك.

والحق يبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل بنى إسرائيل عن الخير السابق الذى غمرهم به وهو سبحانه عليهم أنهم لن يستطيعوا مع لددهم أن يتكلموا إلا بما يوافق القضية التى يقولها الحق وتصبح حجة عليهم، والحق سبحانه وتعالى يقول: «سَلْ بنى إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم» ساعة تسمع «كَمْ» فى مقام كهذا فافهم أنها كناية عن الإخبار عن الأمر الكثير بخلاف «كَمْ» التى تريد بها الاستفهام. وأنت تقول: «كم فعلت كذا مع فلان» و«كم صنعت معه معروفًا» و«كم تهاونت معه» و«كم أكرمته»، لذلك فعندما تسمع«كَمْ» هذه فاعرف أن معناها الكمية الكثيرة التى يُكنى بها على أن عددا لا يحصى. «سَلْ بنى إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ» إن الحق يريد أن يضرب لنا مثلاً كمثل إنسان يأكل خيرك وينكر معروفك، ويشكوك إلى إنسان، فترد أنت لم ينقل لك الشكوى: سله ماذا قدمت له من جميل، أنا لن أتكلم بل سأجعله هو يتكلم. وأنت لا تقول ذلك إلا وأنت على ثقة من أنه لا يستطيع أن يغير شيئًا. ألم يفلق لهم البحر؟. ألم يجعل عصا موسى حية؟ ألم يظللهم الله بالغمام؟ ألم يعطهم الله المن والسلوى؟ كل ذلك أعطاه الله لهم؛ فلم يشكروا نعمة الله، فحل عليهم غضبه؛ أخذهم بالسنين والجوع وأخذهم بالقمل والضفادع والدم، كل ذلك فعله الله معهم.

وحين يقول الحق لرسوله: « سَلْ بنى إِسْرَائِيلَ» فالقول منسحب على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا جاءك واحد منهم فاسأله: كم آيةٍ أعطاها الله لكم فأنكرتموها، وتلكأتم. وتعنّتُّم. «كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ» إن «كَمْ» تدل على الكمية الكبيرة، و«مِّنْ آيَةٍ»: معناها الأمر العجيب، و«بَيِّنَةٍ» تعنى الأمر الواضح الذى لا يمكن أن يغفل عنه أحد. «سَلْ بنى إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب». وكيف يبدل الإنسان نعمة الله؟. إن نعمة الله حين تصيب خلقًا فالواجب عليهم أن يستقبلوها بالشكران، ومعنى الشكران هو نسبتها إلى واهبها والاستحياء أن يعصوا من أنعم عليهم بها. فإذا استقبل الناس النعمة بغير ذلك فقد بُدِلَت، ولذلك يقول الحق فى آية أخرى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا» وما داموا قد بدلوها كفرًا، فيكون الكفر هو الذى جاء مكان الإيمان. إذن كان المطلوب أن يقابلوا النعمة بالإيمان، بالازدياد فى التقرب إلى الله، لكنهم بدلوا النعمة بالكفر. «وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب» قد نفهم أن معنى «شَدِيدُ العقاب» هو أمر يتعلق بالآخرة، ولعل أناسًا يستبطئون الآخرة، أو أناسًا غير مؤمنين بالآخرة، فلو كان الأمر ب العقاب يقتصر على عقاب الآخرة لشقى الناس بمن لا يؤمنون بالآخرة.. أو يستبطئونها لأن هؤلاء يعيثون فى الأرض فسادًا؛ لأنهم لا يخافون الآخرة ولا يؤمنون بها، أو أنها لا تخطر ببالهم. فالذى يؤمن بأن هناك آخرة تأتى وسيكون فيها حساب، هو الذى سيكون سلوكه على مقتضى ذلك الإيمان. أما الذى لا يؤمن أن هناك يومًا آخر فالدنيا تشقى به، فإذا لم يعجل الله بلون من العقوبة للذين لا يؤمنون بالآخرة أو الذين يستبطئون الآخرة لشقى الناس بهؤلاء الذين لا يؤمنون أو يستبطئون. وكل جماعة لا تقبل على منهج الله، ويبدلون نعمة الله كفرًا لابد أن يكون لله فيهم عقاب عاجل، وذلك ليعلم الناس أن من لم يرتدع إيمانًا وخوفًا من اليوم الآخر فعليه أن يرتدع مخافة أن يأتيه العقاب فى الدنيا، فالظالم إذا علم أن ظالمًا مثله لقى عقابه وحسابه فى الدنيا فسيخاف أن يظلم؛ وإن لم يكن مؤمنًا بالآخرة، لأنه سيتأكد أن الحساب واقع لا محالة. ولذلك لا يؤجل الله العقاب كله إلى الآخرة ولكن ينزل بعضا منه فى الدنيا، ويقول الحق فى الذين يبدلون نعمة الله كفرًا: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار» «إبراهيم: 28-29». هذه عقوبة الآخرة ولن يتركهم الله فى الدنيا دون أن ينالهم العقاب، وحتى الذين يظلمون ويتعسفون مع أنهم مسلمون لا يتركهم الله بلا عقاب فى الدنيا حتى يأتيهم يوم القيامة بل لابد أن يجيء لهم من واقع دنياهم ما يخيف الناس من هذه الخواتيم حتى تستقيم حركة الحياة بين الناس جميعا، وإلا فسيكون الشقاء واقعا على الناس من هؤلاء ومن الذين لا يؤمنون بعقاب الآخرة، وكان بعض الصالحين يقول: «اللهم إن القوم قد استبطأوا آخرتك وغرهم حلمك فخذهم أخذ عزيز مقتدر»؛ لأنه سبحانه لو ترك عقابهم للآخرة لفسدوا وكانوا فتنة لغيرهم من المؤمنين. ولذلك شاء الله أن يجعل فى منهج الإيمان تجريمًا وعقوبة تقع فى الدنيا، لماذا؟ حتى لا يستشرى فساد من يشك فى أمر الآخرة. وشدة عقاب الله لا يجعلها فى الآخرة فقط، بل جعلها فى الدنيا أيضًا؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى» «طه: 124».

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة