أيمن موسى
أيمن موسى


أيمن موسى يكتب: تاريخ الكراهية بين الغرب وروسيا

آخر ساعة

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2023 - 09:39 م

الحرب هى أبشع أنواع العلاقات بين البشر وهى الوسيلة التى يفترض أن تلجأ إليها الشعوب لحل المشاكل بينها بعد استنفاد كافة الطرق السلمية والقانونية، ولكن ما إن تشتعل الشرارة الأولى للحرب حتى يحاول كل طرف التغلب على الطرف الآخر مهما كانت الوسيلة ومهما كانت التضحيات، وفى غضون ذلك غالبا ما تلجأ أطراف الحرب للوسائل القذرة وتحاول أن تظهرها بأنها تتفق تماما مع الشرعية الدولية وأن الطرف أو الأطراف الأخرى هى الجانية وهى المخالفة حتى وإن كانت تمارس دور الدفاع.

ومن أهم جبهات القتال بين الدول وربما فى بعض الأحيان ما تكون جبهة دائمة، الجبهة الإعلامية والنفسية والثقافية والتعليمية، فالحرب التقليدية التى نعرفها والتى تستخدم فيها الأسلحة النارية غالبا ما تستغرق وقتا محدودا حتى وإن كان بالسنين، أما النوع الثانى من الحروب الإعلامية والثقافية فهى قد تمتد لعقود وربما لقرون.

وربما لو تابعنا معا تاريخ العلاقات بين الغرب وروسيا سواء القيصرية أو الاتحاد السوفيتى أو روسيا الحالية فسوف نلاحظ أن هذا التاريخ مفعم بالأحداث الساخنة بين الجانبين، رغم أن روسيا القديمة منذ نهاية الألفية الأولى أتبعت الطرق التقليدية وقتها لقيام الدول والاعتراف المتبادل بين بعضها البعض من حيث التزاوج بين الأمراء والملوك المختلفين فى أوروبا  للتمازج وللحصول على الشرعية والاعتراف بوضع الدولة ومؤازرة بعضهم البعض، ومع ذلك ظلت نظرة الدول الأوروبية إلى روسيا تختلف بشكل كبير، فالدول الأوروبية الكبرى والامبراطوريات المختلفة كانت تقاس قوتها بما تضع يدها عليه من مستعمرات سواء فى أفريقيا أو آسيا أو غيرهما من مناطق العالم، أما روسيا فعلى مدار تاريخها لم تكن دولة استعمارية بل كانت قوتها تقوم على أساس التوسع فى محيطها سواء من خلال ضم الأراضي غير المأهولة أو الممالك الصغيرة التى كانت تنضم لها طواعية طلبا للنصرة والأمان أو حتى من خلال الاستيلاء على أراضٍ من الدول المجاورة فى إطار الصراع الإقليمى لتأمين طرق التجارة أو طمعا فى الثروة وفى أغلب الأحيان كانت الثروة هى مصادر الثروات الطبيعية فى روسيا ذاتها، ناهيك عن أن روسيا تشغل موقعا متميزا فى أوروبا على مفترق العديد من طرق التجارة الرئيسية.

◄ أصل الكراهية
يعتقد بعض المؤرخين أن كراهية الغرب للروس ربما بدأت منذ روما واليونان القديمتين وبيزنطة حيث كانت القبائل التى تقطن المنطقة الروسية تُغير على مختلف الدول المحيطة وقوافل التجارة وتمارس النهب والقتل والوحشية، إلى أن تولت روما تنظيم ما يشبه الحملات الصليبية على الشمال والشرق حيث قامت بقتل عدد كبير من الروس وأسرت عددا آخر وأجبرت آخرين على اعتناق الكاثوليكية والتحدث بلغات أخرى ومع ذلك بقيت قبائل أخرى تحرص على الحفاظ على الثقافة والعادات والتقاليد الروسية.

ونجح الملوك والأمراء الروس فى جمع هذه القبائل وكان أهمهم ألكسندر نيفسكي، حيث ظلت الدولة الروسية تتوسع وتعزز أركانها على مدار القرون حتى جاءت أحداث حملة نابليون التى غيرت من وجه أوروبا وجعلت روسيا تبدو وكأنها الشرطى الأوروبي واتضح من وقتها أن روسيا دولة عظمى وسوف تواصل هذا الوضع لفترة طويلة، وهو ما دفع العالم الأوروبي القديم للخشية من هذه الدولة التى تعيش وتتطور وفقا لقواعد مخالفة لقواعد الغرب وأوروبا التى تطورت ونهضت على أساس نهب ثروات الآخرين من خلال السياسات الاستعمارية المعروفة.

◄ الخزعبلات!
ولكن ودون التوغل فى الأسباب العديدة التى أصّلت العداء بين الأوروبيين والروس سواء بسبب المعتقدات الدينية وتفضيل الروس اعتناق الأرثوذكسية أو بسبب الأصل والجذور، حيث يرفض الكثير من الأوروبيين الاعتراف للروس بالأصل الأوروبى رغم التقارب الشديد فى المظهر وفى بعض عادات وتقاليد الحياة بين الجانبين، دعونا نتحدث عن بعض مظاهر العداء بين الجانبين والتى فى الكثير من الأحيان تحمل ملامح الخزعبلات والأوهام التى يجرى الترويج لها بين الشعوب لتأصيل المفاهيم الخاطئة بين بعضهم البعض.

من بين التصورات القديمة للغرب عن الروس أنهم قوم شرسون ومتوحشون ولا يعتنون بنظافتهم الشخصية ، ذلك على الرغم من أن من يراجع التاريخ الروسى القديم وبصفة خاصة فى العصور الوسطى حيث الجهل والتخلف الأوروبى سيجد أن الروس كانوا يشتهرون بالحمامات - حتى أنه يوجد نوع من الحمامات يشتهر بأنه حمام روسى مثلما أنه لتركيا نوع من الحمامات تشتهر به وهو الحمام التركى وهو ما يعنى أن الروس بينما كان الأوروبيون بأوامر من السلطة الدينية لا يستحمون ولا يتطهرون كان الروس يحرصون على الاستحمام والنظافة الشخصية، وإن اختلف نمط النظافة الشخصية بينهم وبين أماكن أخرى فى العالم حيث يرجع ذلك للظروف المناخية الصعبة ورغم أن روسيا تشتهر بأنها تمتلك نحو ثلثى مياه العالم إلا أن هذه المياه تبدو مجمدة معظم فترات العام، ومن هنا قد يبدو عدم تفهم الرحالة والمؤرخ العربى الشهير أحمد بن فضلان لأسلوب الروس فى النظافة الشخصية رغم أنه أبدى إعجابه الشديد بجوانب عديدة من عادات وتقاليد وأسلوب معيشة الروس فى ذلك الوقت.

والحقيقة أنه كان هناك العديد من الخزعبلات عن حياة الروس فى مراحل مختلفة وكان الأوروبيون شرقهم وغربهم يروجون لها، أما فى العصر الحديث فالخزعبلات كان لها طابع مختلف وفى بعض الأحيان لطيف، ودعونا معا ننظر فى بعض هذه الخزعبلات التى ربما وفقا لمعايير الزمن الحالى تخلو من كل منطق.

◄ «الدواء في رماد السجائر»
في زمن الاتحاد السوفيتي كان ينتشر وسط الأطفال والشباب شائعة بأن من يجمع علبة من رماد السجائر فسوف يحصل مقابلها على عائد كبير، حيث انتشرت فى بعض المدن السوفيتية شائعات حول التوصل لنوع جديد من المستحضرات الطبية التى تقوم على أساس رماد السجائر ولكن بشرط جمع ما بين لتر إلى ثلاثة لترات وتقديمها إلى الأجزخانات مقابل ما بين مائة إلى خمسمائة روبل وفى بعض الأحيان بندقية رش، والمدهش هو أنه رغم انتشار هذه الشائعة بشكل واسع النطاق إلا أن أحدا لم يعرف من نجح فى بيع مثل هذا الرماد.

◄ اللبان فيه «موس حاد»
وهناك شائعة أخرى انتشرت وسط الشعوب السوفيتية وربما ظلت توابعها حتى يومنا هذا على شكل عادة اعتاد عليها الروس دون سبب واضح، ومضمون هذه الشائعة التى أثرت على سلوك الشعب ربما بأكمله هو أن الغرب يقوم بتسريب أنواع من اللبان وقام بدس شفرات أمواس بها لذبح أعناق الأطفال والشباب من الداخل، لذلك كان الطفل أو الشاب أو أى فئة عمرية أخرى فيما بعد كانوا يتعمدون كسرها قبل تناولها للتأكد من خلوها من هذه الشفرات المميتة، وربما تصادف هذه العادة حتى يومنا هذا خلال التعامل مع الروس وبصفة خاصة كبار السن أو من تربوا على أيدى كبار السن.

◄ «أغاني البيتلز»
وفى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان الشباب السوفيتى وبصفة خاصة فى المدن الصغيرة والأرياف يولعون بالفرق الغنائية الغربية وكانوا يتبعون مختلف الطرق لتهريب أغانى البيتلز وغيرهم من الفرق، لذلك انتشرت وقتها الشائعات حول أن أغانى البيتلز تتضمن شتائم وسبابا موجهاً إلى لينين وستالين وغيرهما من الزعماء السوفيت، وهو ما قد يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، الأمر الذى كان يدفع البعض بطبيعة الحال للتخلص مما لديه من « كنز « الشرائط والأسطوانات المهربة للفرق الغربية المختلفة.

◄ «أفلام الإباحية»
ومن أكثر الشائعات والخزعبلات التى انتشرت فى السبعينيات من القرن الماضي فى الاتحاد السوفيتى واستمرت حتى بعد تفككه لفترة التسعينيات شائعة ترتبط بولع السوفيت بالتصوير خاصة بعد انتشار كاميرات التصوير الرخيصة السعر حيث ظهرت شائعة حول التوصل لفيلم من مادة خاصة جداً «الشريط الأحمر» وهذا الفيلم يسمح بتصوير الناس ليظهروا بدون ملابس، حتى أن الشائعة كانت ترتبط ببعض المحال التى أعتقد وقتها أنها تقوم ببيع هذه النوعية من الأفلام بأسعار عالية فى أيام معدودة من العام.

والجميل فى هذه الشائعة أن البعض كانوا يدعون أنهم يعرفون أفرادا تمكنوا من الحصول على هذه الأفلام واستخدامها ولكن لم يكن أحد يجرؤ على البوح بأسماء هؤلاء للحفاظ على سلامتهم.
البطاطس المتفجرة

كان البعض فى الاتحاد السوفيتى السابق يعتقد أنه لو تم حشو ثمرة بطاطس فى شكمان السيارة فسوف يتسبب ذلك بضرر بالغ بالسيارة وقد يصل الأمر إلى انفجار السيارة وبصفة خاصة من نوعية «زابوروجيتس» التى كان محركها فى الجزء الخلفى من السيارة وليس الجزء الأمامي.. والمثير أن آثار هذه الشائعة استمرت حتى التسعينيات رغم أنه لم تثبت هذه النظرية بأى حال من الأحوال.

◄ «الفولجا القاتلة»
كان الناس إبان الاتحاد السوفيتى عندما يجتمعون في باحات المنازل ومراكز التدريب الرياضي يتحدثون عن وجود سيارة فولجا سوداء وبها ستائر من الداخل وتحمل لوحات بأحرف إس إس دي، حيث كانت تجوب شوارع الاتحاد السوفيتي، وكان يتواجد بها رجال أنيقى الملابس حيث كانوا عندما يلاحظون أطفالا بدون ذويهم فينادون عليهم ويجتذبونهم بالحلوى والشوكولاتة وصور إعلانات أفلام الكرتون، وما إن يقترب منهم الأطفال حيث يخطفونهم ويختفى الأطفال إلى الأبد ولا يعلم أحد مصيرهم.

ولذلك كان الناس يخشون سيارات الفولجا السوداء وكانوا دائمى النظر على اللوحات المعدنية للسيارات الفولجا علهم يصادفون الأرقام المشار إليها.

◄ «سيارة مقابل علبة سجائر»
أيام الاتحاد السوفيتى كان هناك نوع من السجائر شائع الانتشار وكان يطلق عليه اسم « كوزموس - الفضاء « ، وتناقلت الناس شائعة أنه تحت الغطاء العلوى لعلبة السجائر يوجد رقم محفور وأنه مع تجميعة معينة للأرقام يمكن الفوز بسيارة فارهة ، لذلك كان الناس وقتها يمزقون هذه النوعية من علب السجائر لقطع صغيرة بحثا عن الرقم ، وفيما بعد تطورت الشائعة لتقول إن الرقم لم يعد محفورا تحت الغطاء العلوى للعلبة وإنما داخل أجزاء العلبة وفى مناطق مختلفة منها.

◄ «سيبيريا معتقل كبير»
كان يسود الاعتقاد فى الغرب وربما كافة مناطق العالم أن سيبيريا ليست سوى معتقل ضخم لكل من له رأى مخالف، وأن الأحياء السكنية فى مختلف أنحاء روسيا محاطة بأبراج أمن ومراقبة بحيث تبدو الدولة السوفيتية عبارة عن معتقلات وسجون كبيرة والناس يعيشون بها وكأنهم معتقلون، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتردد السياح عليها تبين لهم أن سيبيريا واحدة من أجمل المناطق فى روسيا.
وكما أشرت لكم من قبل فإن هذا النوع من الحديث ربما يبدو من قبيل الدعابة وإن كان فى زمنه يمثل مصدر قلق كبيرا.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة