طه عبيدي.. بعد تجميل واستغلال سطح منزله بشكل مثالي
طه عبيدي.. بعد تجميل واستغلال سطح منزله بشكل مثالي


حكايات على «السطوح»!| كراكيب وذكريات وأفراح ومآتم

آخر ساعة

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2023 - 11:33 م

■ كتبت: علا نافع

«السطوح» مساحة واسعة من البناية لفظها السكان وحولوها لسلة لمهملاتهم، فأصبحت تتراكم بها الكراكيب والأثاث القديم والنفايات المنزلية التى لم يعد لها حاجة.. أطباق الدش ترتكز فى حوائطها الأربع لتزيد منظرها تشويهًا.. آثار عشش طيور وحظائر أغنام مهدمة تتناثر يمينًا ويسارًا لكنها لم تفلح فى جذب الأنظار بضرورة التخلص منها، لتتحول الأسطح بمرور الوقت إلى مأوى للحشرات الزاحفة والفئران بل وتزيد من احتمالية اشتعال الحرائق وحدوث خسائر هائلة.
 

◄ سكان زمان خصصوا غرفة على السطح للغسيل

◄ نفايات وأثاث قديم يحتل أسطح وسط البلد

◄ فريق لرفع الوعى الثقافى وتنفيذ القوانين

◄ التخلص من الكراكيب مسئولية المالك والسكان

لا يعبأ سكان البناية أو حتى مالكوها بالعناية بالأسطح رغم أنها مسئولية مشتركة بحسب نص القانون كأنها تهمة يحاولون التملص منها، الغريب أن السطوح طالما احتضنت ذكريات وقصص حب مشتعلة على مر الزمن من الصعب نسيانها، وكان شاهدًا على التآلف بين الجيران فى جلسات الصيف أو المواسم والأعياد، لكنه الآن أصبح أشبه بالمقبرة التى لا تطؤها قدم.

البعض حاول الاهتمام بسطوح منزله فاستغله فى زراعة الخضراوات والثمار المختلفة وحوله لجنة خضراء تسر الناظرين، وآخرون حولوه لمكان هادئ للاستجمام والاسترخاء يهربون إليه بعد يوم عمل شاق، وهناك من فكر فى استغلاله كنشاط تجارى بإنشاء كافيه متواضع يرتاده أهالى المنطقة خاصة أن هواه يرد الروح، ويبتعد عن ضوضاء الشارع، لكن لا تزال هذه الأفكار محدودة ولم يتم تعميمها فى مبانٍ وعمارات مصر.

◄ حكايات السطوح 
«طلعت فوق السطوح أنده على طيري... قال لى زمانك مضى دوَّر على غيري»، كان ذلك الموال للفنانة الشعبية بدرية السيد يعكس دور أسطح العمارات فى تأجيج قصص الحب والشهادة عليها، فيكفى أن يصعد الحبيب سطح عمارته القريبة أو المطلة على سطح عمارة محبوبته مطلقًا صافرات هامسة أو مدندنًا بلحن أغنية معينة لتخرج المحبوبة خفية لتتبادل أعينهما نظرات الحب الخاطفة، أو للاتفاق على موعد يتقابلان فيه بعيدًا عن أعين الجيران المتطفلة، كما كان السطوح أيضًا مقرا لإقامة المناسبات الخاصة كحفلات الزفاف والخطبة فيتعاون سكان العمارة على تنظيفه وفرشه بالكراسى مع تعليق الإضاءات اللامعة واستقبال المهنئين، وكذلك استقبال المعزين فى حالات الوفاة بعد إقامة السرادق واتشاحه باللون الأسود.

وهناك من كانت تستهويه فكرة زراعة السطح بشجر اللبلاب المتسلق بلونه الأخضر المميز اعتقادًا بقدرته على طرد الأرواح الشريرة وأعين الحاسدين، والأهم أن مهمة ريه بالماء كانت تقسم بين الجيران، ما يزيد من أواصر الصلة بينهم.

وقبل انتشار القنوات الفضائية وأسلاك الدش كان أغلب السكان يهتمون بإنشاء عشش الطيور وأبراج الحمام كى يعتمدون عليها فى توفير غذائهم، وأحيانًا أضاحى العيد، إضافة لتخصيص واحدة من حجراته لـ»الغسالة» وهى سيدة يؤجرها السكان فى أحد أيام الأسبوع لتغسل ملابسهم يدويًا أو باستخدام الغسالة الكهربائية بعيدًا عن منازلهم باستخدام مواد كيميائية خطيرة لتعيد للملابس رونقها، وكان لتلك السيدة كافة الصلاحيات فى استغلال السطح لنشر الملابس على الأحبال البلاستيكية أو نقعها فى أوعية نحاسية لساعات طويلة نظير أجرة متفق عليها.

وبجوار حجرة «الغسالة» توجد غرفة أخرى غالبًا ما كان يتم تأجيرها إما لبواب العمارة مقابل أجر رمزى أو بالمجان أو لأحد العزاب شريطة أن يتمتع بسلوك حسن وسمعة طيبة، ونظرًا لاتساع مساحة سطوح العمارات القديمة خاصة الموجودة بمنطقة وسط البلد فإن بعضها كان يتم تأجيره لتصوير أفلام سينمائية فضلًا عن موقعها الحيوي، وكذلك اللوحات الإعلانية الضخمة، لكن تحت إشراف المجلس المحلى التابعة له العمارة.

◄ نفايات متنوعة
على أسطح العديد من العقارات فى شوارع وسط البلد ومنها شارعا عبدالخالق ثروت، ورمسيس، تتناثر الكراكيب من أوراق كرتون وأثاث قديم وعلب فارغة ومبيدات حشرية، ما يجعلها خطرًا شديدًا لإمكانية نشوب حرائق فى أى وقت خاصة فى فصل الصيف، ولا تتوقف الكراكيب عند هذا الحد فبعض السكان يقومون بتخزين أشيائهم الخشبية المستعملة وبقايا مواد البناء من أسمنت وزلط ورمال وهذا يزيد من إمكانية تواجد الحشرات الزاحفة والقوارض.

وفى أعلى أحد البيوت الصغيرة بمنطقة بولاق أبو العلا مكون من ثلاثة طوابق توجد عشتان واحدة للطيور وأخرى لتربية الأغنام مهدمتان لم يهتم أحد من السكان أو ملاك العقار بتنظيفهما من المخلفات المكتظة، كما يحيط بهما ألعاب أطفال بلاستيكية مكسورة، وأجهزة كهربائية بالية، بجانب ملابس مستعملة اختفت ألوانها بسبب أشعة الشمس.

يقول على بيومى (حارس عقار بشارع عبدالخالق ثروت): تغيرت طبيعة أسطح العمارات، فقديمًا كان السكان يحرصون على تنظيفها من الكراكيب وتجنب تخزين أشيائهم المستعملة بها، إذ كانوا يقيمون عليها حفلاتهم ومناسباتهم، إضافة إلى الاستمتاع بهوائها المنعش فى ليالى الصيف، وبعض السيدات كن يلجأن لتربية الطيور والحمام بعششها بعد استئذان صاحب العقار. وكانت هناك غرفة واحدة يطلق عليها «حجرة الغسيل» يتم فيها غسل ملابس سكان العمارة، وبعد ظهور الغسالات الكهربائية تم هجرها وإغلاقها للأبد وتحولت لمخزن كبير، مؤكدًا أن بعض هذه الأشياء قابل للاشتعال.

أما سيد (حارس عقار بشارع رمسيس) فيقول: يلقى سكان العمارة بتهمة إهمال السطوح على حراس العقارات رغم أنها مسئولية السكان والمالكين، خاصة أن الحراس لا يستطيعون التصرف فيها دون علم السكان، والأهم أن كافة الكراكيب تعود ملكيتها لهم، مؤكدًا أن بعض الملاك كانوا يعطون حجرة السطوح للحراس إما بالمجان أو بمقابل رمزي، لكن تغيرت الظروف وأصبح لزامًا على الحارس تأجير الشقة الموجودة بالدور الأرضى ليتابع حركة الدخول والخروج. وأصبحت الأسطح الآن لا تضم سوى أطباق الدش التى لابد من أخذ موافقة صاحب العقار أو الشركة المالكة قبل تركيبها وكذلك الإعلانات التجارية.

◄ مظهر عشوائي
أما الدكتورة سهير حواس رئيسة جهاز التنسيق الحضارى السابق، فتقول: تراكم الكراكيب والأشياء المستعملة فوق أسطح المنازل يعد مظهرًا عشوائيًا وغير حضاري، لذا لابد من تغيير ثقافة النظافة فى مصر واستبدال تلك المهملات بمناظر أخرى كزراعة الأسطح وتحويلها لبقعة خضراء كما يحدث فى بعض الدول الغربية التى أصبحت تشجع فكرة زراعة الخضراوات والفواكه بالأسطح، مشيرة إلى أن إهمال الأسطح المنزلية بمثابة تلوث بصرى يسيىء للعمارة المصرية ويهدد الحفاظ على تراثها العمراني.

وتضيف: فى الماضى كان السكان يستغلون تلك المساحة فى بناء» البروجولات» والقعدات العائلية مما كان يزيد من أواصر الصلة بينهم ويحول سطحهم لشكل جمالى بعيدًا عن تربية الطيور وتراكم الكراكيب المهملة، فضلًا عن حرصهم الدائم على تنظيفه وتقسيم الأدوار بينهم، مؤكدة أن جهاز التنسيق الحضارى خصص فريقًا لرفع الوعى الثقافى بضرورة القضاء على المناظر القبيحة والاهتمام الدائم بإضافة اللمسات الجمالية للمبانى الحديثة والقديمة بالاستعانة بالمتخصصين كما حدث فى مشروع تطوير القاهرة الخديوية. وتطالب بضرورة تنفيذ القوانين الخاصة بالبناء والحفاظ على الثروة العقارية الذى يضمن الحفاظ على سلامته وصيانته بشكل دورى كذلك الإبقاء على طابعه المعمارى دون المساس به وهذا ما يقوم به الجهاز، حيث يشن حملات موسعة بين الحين والآخر لرصد التعديات على المبانى التراثية سواء بإضافة غرف على الأسطح أو وضع لافتات إعلانية وتحرير محاضر فورية.

◄ ملكية مشتركة
وحول ملكية السطوح بين مالك العقار وسكانه خاصة أن بعض الملاك يستغلونه لصالحهم فقط، يقول حسين منصور (الخبير القانوني): تحدث مناوشات كثيرة بين ملاك العقارات والسكان حول استئثار المالك بالسطح ومنعهم من الاستفادة منه لتهميش حقوقهم فى العقار، رغم أن عقد البيع يتضمن أن البيع يشمل حصة كاملة فى الأرض والمرافق الخاصة بالعقار ومنها السطح والجراج والحديقة وبذلك يكون من حق جميع الملاك الاستفادة منه.

ويضيف: ولكن ذلك لا يعنى أنه يمكن لأى ساكن الانتفاع بها بمفرده دون غيره لأنها ملكية مشتركة، وفى هذه الحالة يستطيع الطرف المتضرر رفع جنحة مباشرة أو طلب معاينة بعد عمل محضر فى القسم بتهمة غصب الحيازة أو رفع دعوى مستعجلة بإزالة تعديات السطح والأعمال المخالفة، وعادة ما تكون جلسة مستعجلة لا تستغرق سوى ثلاثين يومًا، مؤكدًا أن مسئولية تنظيف السطح تقع على عاتق الطرفين وكذلك تكلفة تنظيفه وإزلة الكراكيب والمهملات. ويشير إلى أن محكمة النقض أصدرت حكمها القضائى طبقًا لما ورد فى الطعن المقيد برقم 6014 لسنة 1982 قضائيًا بأن سطح المنزل ملكية مشتركة طبقًا للأصل العام فى تعريف ماهية الأجزاء الشائعة بين الملاك، إلا إذا لم يشترط مالك العقار فى عقود البيع إخراجه من بين الملكية.

◄ حرائق وكوارث
وقد تسبب الكراكيب إشعال الحرائق والكوارث، حيث يقول اللواء ممدوح عبدالقادر، مدير إدارة الحماية المدنية السابق بالقاهرة: تعد نفايات الأسطح وكراكيبه بؤرة نشطة للحوادث والحرائق خاصة مع إلقاء أعقاب السجائر أو أعواد الكبريت فى المبانى الأقل ارتفاعًا، وهذا قد يؤدى لكوارث وحرائق يصعب إطفاؤها خاصة فى العمارات الموجودة بالأزقة الضيقة، مشيرًا إلى أن إدارته كانت تتلقى الكثير من البلاغات بوجود حرائق سببها كراكيب الأسطح. ويناشد المواطنين بضرورة التخلص من تلك النفايات تفاديًا لانتشار الأمراض التى تنقلها الحشرات الزاحفة والقوارض المختبئة بداخلها بجانب اشتعال الحرائق خاصة فى فصل الصيف.

◄ مبادرات مختلفة 
ويومًا تلو الآخر تظهر الكثير من المبادرات الفردية أو الجماعية لاستغلال أسطح المنازل إما فى الزراعة أو جعلها مكانًا للاسترخاء والترفيه، ومنها مبادرة بنك الطعام لزراعة أسطح العقارات والاستفادة منها بدلًا من الكراكيب، بهدف توفير الخضراوات الخالية من المبيدات فضلًا عن توفير دخل ثابت للأسر الفقيرة وذلك بدعم البنك لهم وبيع الفائض من إنتاجهم لسد متطلباتهم الحياتية الأخرى، ومنها «الحملة القومية لزراعة مليون سطح أخضر» التى أطلقها الدكتور أحمد حفنى مؤسس اتحاد تنمية مصر، وتهدف لزراعة مليون سطح بالقاهرة والجيزة وبدأت الحملة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى وانتشرت سريعًا واستجاب الكثير من المواطنين للمبادرة.

وبعيدًا عن مبادرات الزراعة ظهرت دعوات أخرى للاستفادة من السطح وتحويله لمكان استشفائى للتخلص من الطاقة السلبية، أشهرها تجربة الشاب طه عبيدى الذى نشر فيديو على فيسبوك يوثق رحلة تخلصه من كراكيب السطح وتحويل حجرته المتواضعة لمتحف مفتوح يستطيع من خلاله رؤية السماء والتمتع بأشعة الشمس، كما قام بتنظيف الغرفة من المهملات وطلاء حوائطها وتغيير أثاثها بالكامل، والأهم أنه ملأ السطح بالعديد من النباتات لأن شعاره فى الحياة «قلل ناس.. زود زرع». واستغرقت رحلة تخلصه من الكراكيب حوالى 9 أشهر تحمل تكلفتها كاملة وبعد نجاح التجربة شعر بأنه حول السطح إلى جنة.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة