مو يان
مو يان


د. حسانين فهمى حسين:مو يان مسرحياً

أخبار الأدب

الخميس، 21 سبتمبر 2023 - 12:30 م

عُرف الكاتب الصينى المعاصر مويان صينيا وعالميا بالروائى، والقاص، وكاتب السيناريو، وقد توجَ  إبداعه الغزير فى مجال القصة والرواية بالحصول على جائزة نوبل للآداب عام 2012 عن أعماله وعلى رأسها رائعته رواية «الذرة الرفيعة الحمراء» ليكون بذلك أول كاتب صينى (يحمل الجنسية الصينية) يحصل على هذه الجائزة العالمية، واستطاع بذلك أن يحقق الأمنية التى طال انتظارها بالانتقال بالإبداع الصينى من المحلية إلى العالمية، وأن يفتح بالجائزة صفحة جديدة فى تاريخ انتشار الأدب الصينى عالمياً. 

مناسبة هذه المقالة، الاحتفاء الكبير الذى استقبلت به الأوساط الأدبية والثقافية الصينية صدور أحدث عمل لصاحب نوبل، وهو مسرحية «التمساح» (مسرحية من 4 فصول و9 مشاهد، عن  KEY للثقافة بشنغهاى التابعة لدار تشيجيانغ للفنون والآداب ب الصين، 6/2023). والتى لفتت الانتباه من جديد للكتابات المسرحية لمويان، الذى ذكر فى أكثر من مناسبة داخل الصين وخارجها أنه بحكم نشأته الريفية فهو من عشاق المسرح.

اقرأ ايضاً|أحمد الـشَهاوى يكتب : أبصَرُ الشُّعراءِ أشرف عامر كأنَّهُ عاش

والكثير من القراء داخل وخارج الصين لا يعرفون أن مويان بالرغم من شهرته الواسعة كقاص وروائى، مولع على الدوام بالإبداع المسرحى والكتابة المسرحية، وأن أول عمل له كان نصاً مسرحياً بعنوان «الطلاق» (لم يُنشر)، وهو الذى وصف كتاباته فى المسرح قائلاً: «أنا تلميذ فى مجال الكتابة المسرحية، ولكن لدىَّ طموح بأن أصبح كاتباً مسرحيا».

وقال خلال الندوة التى عقدت مؤخراً بجامعة بكين بمناسبة صدور مسرحية «التمساح»، والتى حضرها عدد من كبار الكتاب والنقاد الصينيين وجمع غفير من الباحثين والقراء الصينيين والأجانب: أذكر أننى قبل سنوات طويلة عندما كنت أمام تمثال وليم شكسبير برفقة الدكتور تشن شياو مينغ (ناقد أدبى معروف وأستاذ بجامعة بكين بالصين)، أقسمت بأنى سأجتهد فيما تبقى من حياتى لأن أصبح كاتباً مسرحيا».  

ولا ينسى مويان محاولاته الأولى فى المسرح ورؤيته لهذا الفن الجماهيرى الذى استحوذ على اهتمامه هو وعائلته وأبناء قريته فى مسقط رأسه الذى كان مسرحاً لمعظم أعمال مويان، فيقول: «بعد سنوات طويلة من مشوارى مع الأدب وكتابة القصص، استرجعت ذكريات قراءتى لأكثر من عشرة أعمال وهى الكتب التى كانت متاحة للإعارة بقريتى، وعندما لجأت أنا القارئ الذى لا يجد ما يقرأه وأبناء قريتى لمشاهدة العروض المسرحية، أدركت أهمية الفن المسرحى فى تثقيف العامة. وخير مثال على ذلك جدى الذى لم يكن يعرف القراءة والكتابة، ولكنه كان يحفظ عشرات العروض المسرحية التى شاهدها. وعندما أمسكت بالقلم بعد سنوات من التوقف، كان أول ما فكرت فيه أن أكتب عملاً مسرحيا».

وقد تأثر مويان منذ صغره بالدراما الشعبية فى مسقط رأسه، فبعد قراءته لمقتطفات من الأعمال المسرحية «شروق الشمس» و«عاصفة رعدية» للكاتب المسرحى الصينى تساويو و«تشيو يوان» للكاتب المسرحى قوه موروه وغيرها من الأعمال المسرحية لأبرز الكتاب المسرحيين فى مذكرات أخيه الأكبر الطالب الجامعى آنذاك، وجد فى نفسه شغفاً كبيراً بالدراما المسرحية. 

ويسترجع مويان ذكرياته مع قراءاته فى المسرح العالمى فيقول: «بعد التحاقى بالعمل فى جيش التحرير الشعبى، أصبحت لدىَّ فرصة لاستعارة الكثير من الكتب، فاستعرت عدداً كبيراً من الأعمال المسرحية لكبار الكتاب العالميين أمثال جان بول سارتر، برتولد بريشت، وليم شكسبير وفريدريش دورينمات. خاصة أعمال سارتر، وأرى أن إنجازات سارتر فى المسرح تفوق بكثير إنجازه فى القصة والرواية، وقد قرأت عددا من أعمال جان بول سارتر المسرحية ذائعة الصيت مثل: «الأيدى القذرة» و«موتى دون قبور» أكثر من مرة لشدة إعجابى بها».

وبالنظر إلى نشأته الريفية وارتباطه الشديد بمسقط رأسه وعاداته وتقاليده وفنونه الشعبية، فإن مويان يميل إلى الأعمال المسرحية التى تناسب لأن تُقدم للجمهور على خشبة المسرح، وهذا ما أكد عليه مويان فى تعليقه على مسرح شكسبير: «أما شكسبير فهو أعظم كاتب مسرحى فى تاريخ البشرية، غير أننى أشعر بأن مقروئية أعماله المسرحية أكبر من مناسبتها للعرض على خشبة المسرح. فإذا لم تعاد كتابة أعماله بما يتناسب مع خشبة المسرح، ربما فر منها الجمهور. لهذا كله فأنا أفضل كتابات سارتر المسرحية بما تتسم به من واقعية نقدية. وقد تأثرت فى مسرحية «التمساح» بكلٍ من سارتر وبريشت». 

والمتتبع لإبداع مويان، يلاحظ أن المسرح لم يكن بعيداً عن اهتمامات صاحب نوبل خلال مشواره الطويل مع الإبداع الأدبى، فقد نشر مويان خلال رحلته مع الكتابة عددا من النصوص المسرحية أهمها مجموعة «جينغ كه» (2012، وضمت ثلاثة أعمال مسرحية لمويان، وهى «جينغ جه» حصلت على أكثر من جائزة بعد عرضها على المسارح الصينية، مثل جائزة «أفضل عمل مسرحي» و»أفضل سيناريو» من «الجائزة الوطنية للثقافة الدرامية. جائزة الأسد الذهبى للدراما»، وجائزة «العمل المسرحى الأكثر شعبية» من مهرجان البلطيق. و«وداع المحظية» و«زوجة عامل الفرن» ).  ومجموعة «العمة ذات الرداء الحريرى الأحمر» (2017، وضمت 5 أعمال شملت أعمال السيناريو التى قدمها مويان ل السينما والتليفزيون، مثل «أنشودة البطل الرومانسية»، «البطل، الجميلة، الجواد» و«العمة ذات الرداء الحريرى الأحمر»، و»الماء» التى كتبها مويان بالتعاون مع ليو إى ران، و»ماضى الرفاق» بالتعاون مع الكاتب ليوجين يون) وأخيراً أحدث عمل له مسرحية «التمساح» (2023). 

لقد تناولت الدراسات الأدبية والرسائل الجامعية والمؤتمرات الصينية والعالمية مويان روائيا وقاصا،  وكذلك عرفه القراء من مختلف الثقافات بما فى ذلك القارئ العربى من خلال ترجمات أعماله القصصية والروائية على وجه الخصوص، حتى إنه ليس من السهل إحصاء عدد الكتب والدراسات التى تناولت أدبه القصصى والروائي. إلا أن قراءة مويان مسرحياً كانت قليلة جدا مقارنة بقراءته كقاص وروائي.

وفى هذا يتشابه النوبلى الصينى مويان مع الأديب المصرى الراحل نجيب محفوظ فى ذيوع شهرته كروائى وقاص وكاتب سيناريو من الطراز الأول، مع قلة الدراسات النقدية التى تطرقت إلى كتابات محفوظ المسرحية، بيد أن مويان يختلف عن مويان فى عودته الجادة إلى الفن المسرحى الذى عشقه منذ بداياته مع الأدب، وجمعه لأعمال المسرحية فى كتب خاصة من تأليفه بمفرده أو بالتعاون مع آخرين، بالإضافة إلى أنه كتب عدداً من النصوص المسرحية لأجل المسرح وسعى لأن تقدم على خشبة المسرح.

وفى تعليقه على كتابات مويان المسرحية، يقول الناقد الصينى تشن شياو مينغ: «تتسم كتابات مويان المسرحية بالطابع الشعبى للفن المسرحى التقليدى فى الصين، ولكنها لا تخلو من تأثر واضح برواد المسرح الغربى أمثال وليم شكسبير وتشيخوف وبرتولد بريشت وغيرهم».

 
أما مسرحية «التمساح» أحدث أعمال مويان فهى عمل درامى يتميز بالطابع السحرى الذى اشتهرت به كتابات مويان حسب وصف لجنة نوبل بأنه يمتلك «قدرة عجيبة على مزج الواقع بالخيال». ويكتب مويان فى «التمساح» عن المسئول الحكومى السابق (دان وودان) الذى كان يشغل منصب رئيس مدينة ساحلية قبل أن يهرب إلى خارج البلاد بسبب تهمة فساد. وفى عيد ميلاده الـ 55، يتلقى دان وودان هدية عجيبة من أحد أصدقائه عبارة عن تمساح صغير، والذى ارتبط به بطل «التمساح» ارتباطًا شديدا، وعلى مدار السنوات التالية لحياته مع التمساح، تصعد خشبة المسرح نماذج مختلفة من الشخصيات التى عرفها دان وودان، ويعكس من خلالها المؤلف موضوعات متباينة من حياة البطل: خيانة العشيقة، التفكك الأسرى وانتهازية الأشخاص المحيطين بالبطل، ومع زيادة حدة الصراعات التى تخنقه، يصل دان وودان للدرجة التى يؤمن فيها بأن رفيقه «التمساح» الوحيد القادر على سماع صوته وتفهم ما يدور فى نفسه، فراح يبدل له الإناء الذى يضعه بداخله، وفى كل مرة يتبدل الإناء يزيد نمو التمساح، حتى انتهى به المطاف إلى كائن ضخم طوله أربعة أمتار.

فلم يقدم مويان فى هذا العمل الريف الصينى خاصة ريف قاومى  مسقط رأسه الذى نجح فى تصويره بكل تفاصيله بمحاصيله وحيواناته وعاداته وتقاليده ومعاناة أهله فى تلك البقعة من شمال شرق الصين، ولا الأحداث التاريخية المؤلمة التى عاشها الشعب الصينى قبل وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، خاصة حرب المقاومة ضد المعتدى اليابانى كما صورها فى رائعته «الذرة الرفيعة الحمراء»، وإنما يحكى مويان عن الفساد فى المجتمع الصينى المعاصر، بعد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التى شهدتها الصين الجديدة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة