مهند عدلي
مهند عدلي


سياسات الفيدرالي الأمريكي بين البريكس ومجموعة السبع الكبرى

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 01 أكتوبر 2023 - 11:52 ص


تسعون يوما كانت فاصلة بين الاجتماع السنوي لأقوى تجمعين اقتصاديين في العالم وبفاصل ثلاثة آلاف كيلومتر هي المسافة بين جوهانسبرج حيث اجتماعات مجموعة البريكس والتي تضم مجموعة الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة بقوة على مدار العقد الماضي ومدينة هيروشيما باليابان حيث اجتماعات مجموعة الدول الصناعية الكبرى في 19 مايو الماضي والتي تعتبر تحالفا غربيا رأسماليا بامتياز حيث تضم دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطالية..


ومن المعروف قطعا أن  إنهاء سيطرة تحالف مجموعة السبع الكبرى على الاقتصاد العالمي وخاصة أمريكا باقتصادها ودولارها المهيمن على التجارة الدولية وهو هدف عبرت عنه تصريحات العديد من دول المجموعة حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلنها صريحة في كلمته عبر الأقمار الصناعية في افتتاح القمة الأخيرة في جنوب افريقيا.


لكن السؤال هو إلى أي مدى تستطيع مجموعة بريكس حتى بعد توسعاتها الأخيرة بضم أعضاء جدد قادرة علي  تحقيق هذه الأهداف؟


والحقيقة أن ثمة عناصر قوة في هذا الشأن لكن ايضا وفي المقابل هناك  نقاط ضعف حيوية.. ونستطيع أن نرصد عناصر القوة وأولها.. أن حجم مساهمة مجموعة البريكس في التجارة العالمية أصبح (بعد ضم الأعضاء الجدد)29 تريليون دولاروهو ما يتجاوز حجم مساهمة مجموعة السبع الكبرى26 تريليون دولار أي انه قد اصبح لها القدرة على تحديد مسارات مستقبل حركة التجارة بينها وبين بعضها من ناحية وبينها وبين مختلف دول العالم من ناحية ثانية .


وثاني عناصر القوة هو أن هذه الدول تملك أكبر سوق استهلاكي في العالم 3 مليار و670 مليون نسمة  وهو ما يقرب أو يزيد من نصف سكان الكرة الأرضية أي أنها ليست قادرة فقط على زيادة إنتاجها عالميا ولكنها ايضا تضمن سوق قوية لاستيعابها بما يضمن لها الاستدامة إنتاجا وتسويقا.


وثالثا تنتشر دول البريكس في أكثر من نصف مساحة المعمورة وتمتلك عبر دولها السيطرة على مسارات حركة التجارة البحرية والبرية فهي تتواجد على كافة المحيطات والبحار الرئيسية وقناة السويس باستثناء دولة حبيسة واحدة هي إثيوبيا بالإضافة إلى تواجدها على طرق التجارة التقليدية والمستحدثة .


في المقابل فان هناك عدة العناصر التي تمثل تحديات أمام دول البريكس والتي يجب ان تتجاوزها لتحقيق أهدافها أولها وجود عدد من الخلافات السياسية بين أعضائها الكبار مثل الخلاف التاريخي بين الهند والصين  والذي يستند إلى تراث دموي مرير ذو أبعاد جيوسياسية وعقائدية موغلة في القدم .. وهناك ايضا مثال اخر وهو خلافات التوجهات الاقتصادية في الفكر والتوجه بين دول مثل روسيا والهند ..وروسيا وجنوب افريقيا رغم وجود أهداف مشتركة على المستوى الاقتصادي وفي المقابل نجد حالة من التجانس الفكري والاقتصادي والحضاري بين مجموعة السبع رغم انتمائها لأكثر من قارة وثقافة مختلفة إلا أن مبادئ الليبرالية بمعناها الواسع تظل إطار قوي وحاكم وضامن لنجاح المجموعة وتوافق أهدافها الكلية .


ثاني هذه التحديات هو أن حجم مشاركة دول البريكس ومساحتها وعدد سكانها وأسواقها وتنوع اقتصادياتها لا ينفي حقيقة أن الدول الصناعية السبعالكبرى لازالت هي المسيطر الفعلي على المستويات الأكثر تقدما في تكنولوجيا الصناعات الحديثة ولعل سلسلة العقوبات الأمريكية التي منعت الصين من التوغل في تطبيقات تكنولوجيا الهواتف المحمولة للجيل الخامس والتي راح ضحيتها عملاق الهواتف الصيني شركة هواواي هو أكبر دليل على أن الكم ليس هو العنصر الفاصل في ميزان القوة هذا بالإضافة الي ان 70% من حجم الثروة العالمي لازال من نصيب مجموعة الدول السبع.


وبالطبع فإن الرصد السابق لا يشمل عددا من الحقائق الأخرى ذات الاعتبار المرتبطة بطبيعة وظروف كل دولة من دول البريكس بالإضافة إلى المساعي الأمريكية المتوقعة لإفشال المجموعة والقضاء على أي تحركات جادة وفعلية قد  تهدد هيمنتها ومن خلفها مجموعة السبع على الاقتصاد العالمي.


ومن أهم هذه الخطوات هو تغيير السياسة النقدية للبنك الفيدرالي الأمريكي في العام الحالي عن العام السابق وهو ما يراه البعض معبرا عن انتهاج البنك لسياسة تتفهم الانعكاسات المرتبطة بسياساته على المستوى العالمي، وأنها  تتجاوز  التأثير المباشر على الاقتصاد الأمريكي وهو ما جعل بعض خبراء الاقتصاد يؤكدون علي ان استقلالية الفيدرالي الأمريكي لا تعني انه يعمل بمعزل عن الاقتصاد الأمريكي والعالمي بل ويؤكدون على أن التغييرات في سياسة الفيدرالي الأمريكي خلال العام الحالي ليست وليدة الصدفة وانها في جزء منها انعكاس لردة الفعل العالمية الذي تزايد مع سياسات الفيدرالي العام الماضي وهو ما كان له تأثير كبير أدى لهذا التغيير رغم استمرار الأسباب الرئيسية المعلنة المرتبطة بالتداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الاوكرانية بل ويتوقع الخبراء ان تشهد السنوات القادمة انتهاء للمبدأ الاقتصادي الأشهر الذي أسس علاقة العالم بالدولار والذي عبرت عنه مقولة وزير الخزانة الأمريكية عام 71 في اجتماعه بنظرائه الأوروبيين عقب صدمة نيكسون بقوله (الدولار عملتنا لكنه مشكلتكم) ليتغير المفهوم الأمريكي للدولارليصبح  مشكلة الجميع لان نجاح الدول او حتي تحركاتهاللاستغناء أو حتي تحييد الدولار في التجارة العالمية سيكون بداية النهاية للعملاق الأمريكي.


ويعتبر تغيير السياسة الاقتصادية والنقدية العالمية لأمريكا هو اخطر ما يمكن ان يواجه دول البريكس لأنه يقضي علي احد اهم نقاط التوافق المشترك بين هذه الدول.


وفي اتجاه موازي فان اهم ادوار بريكس هي انها قد لا تستطيع واقعا وعملا تحقيق أهداف صفرية ولكنها يمكن أن تشكل ورقة ضغط هائلة على صانعي السياسة النقدية ومخططي الرؤى الاقتصادية الاستراتيجية  الأمريكية  خاصة اذا ما نجحت في تحقيق نتائج ملموسة على صعيد بنود التعاون الاقتصادي وزيادة معدلات التجارة الدولية ميسرة الشروط في المستقبل القريب.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة