صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


اقتل مراتك واعمل مجنون .. المرض النفسي حيلة بعض الأزواج للهروب من العقاب

أخبار الحوادث

الجمعة، 13 أكتوبر 2023 - 11:48 ص

حبيبة‭ ‬جمال

  الهروب من قبضة العدالة والإفلات من المساءلة الجنائية حلم يراود جميع المجرمين، ولو آمن كل مجرم يرتكب جريمة بأن العقاب ينتظره لفكر ألف مرة قبل أن يُقدم عليها؛ ولكن المجرم يتوهم دائمًا أنه قادر على استغلال ثغرات القانون للهروب من فعلته، وأشهر حيلة يلجأ إليها مرتكبو جرائم القتل تحديدا هي ادعاء الجنون؛ للهروب من المساءلة الجنائية، ولكن هل تفلح هذه الحيلة دائمًا أم تبقى مجرد لعبة قانونية لتأخير المحاكمة ومد أجل القضية؟ الإجابة نبحث عنها من خلال هذا التحقيق باستعراض بعض الجرائم التي طالب فيها الدفاع بعرض موكله على الطب النفسي واستطلاع رأي رجال القانون والأطباء النفسيين حول هذه الحيلة المتكررة وإلى التفاصيل.

تاجر الخصوص سليم عقليًا

  استيقظت منطقة الخصوص على جريمة قتل بشعة، راحت ضحيتها زوجة.. قتلها زوجها في لحظة شيطان، رميًا بالرصاص دون أن يراعى العشرة وسنوات الحب.. وفي النهاية ادعى أنه مريض نفسيًا. 

سميرة، هو اسم الزوجة الضحية، تلك الفتاة التي كانت تعيش مع أسرتها حياة طبيعية وهادئة حتى تقدم للزواج منها روماني، ذلك الشاب الذي يعمل في التجارة، ومنذ الوهلة الأولى تعلقت به وأحبته، وتزوج الاثنان وانتقلت للعيش معه في شقة كبيرة بمنطقة الخصوص، وعاش الاثنان أيامًا من السعادة والحب، وذاع صيت روماني وأصبح تاجرًا معروفًا بالمنطقة، لكن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة؛ تعثر روماني ماديًا وبدأ يشعر بعدم قدرته على الإنفاق على بيته وأسرته، ومن هنا عرفت المشكلات والخلافات طريقها للزوجين، وتحولت الحياة من الهدوء للصخب، ومن العطف للقسوة؛ وفي يوم من الأيام استيقظ الأهالي على صوت إطلاق رصاص داخل شقة سميرة، فزع الأهالي من نومهم وأسرعوا لهناك لمعرفة ماذا يحدث، وكانت المفاجأة، سميرة جثة هامدة غارقة في دمائها، ويقف بجوارها زوجها حاملا سلاحه، حاول الأهالي انقاذ الضحية ولكن باءت جميع المحاولات بالفشل، فقد صعدت روحها للسماء، وتم القبض على الزوج الذي اعترف بجريمته بدافع الشك في سلوكها، ولكن تحريات المباحث برأت الزوجة، وعندما وجد أن تلك الحيلة فشلت، قرر ادعاء الجنون، ولكن أيضا فشلت تلك الحيلة؛ حيث أثبت تقرير مستشفى الأمراض العقلية والنفسية بالعباسية عدم إصابته بأي أمراض نفسية أو هلاوس وأنه كان مسؤولا عن أفعاله، لذلك حكمت المحكمة عليه بالسجن المؤبد.

تقرير الطب النفسي يكشف حيلة قاتل زوجته بالمرج

  تنظر محكمة جنايات شمال القاهرة، محاكمة قاتل زوجته لشكه في سلوكها بالمرج؛ بعدما ورد تقرير الطب النفسي الذي يثبت سلامة قوه العقلية، وذلك بعد مكوثه ٤٥ يومًا في المصحة النفسية تحت الملاحظة.

تفاصيل الحكاية بدأت في شقة بسيطة بمنطقة المرج؛ حيث كانت هناء تسكن بصحبة زوجها ونجليها، حياة طبيعية كانت تعيشها تلك الأسرة حتى بدأت تسيطر على الزوج أوهام وتخيلات بأن زوجته خائنة، شك في سلوكها، حتى قرر مواجهتها ذات يوم، وقفت الزوجة المسكينة في حالة ذهول مما تسمعه من زوجها، طلبت منه أن يصمت، لكن يبدو أن الشيطان كان يسيطر عليه؛ فأسرع نحو المطبخ واستل سكينًا وظل يطعنها حتى سقطت غارقة في دمائها، وفي الخارج كان يلعب نجلها الذي سمع صوت صراخ شقيقته الصغرى فحاول طرق الباب، حتى فتح له والده وملابسه ملطخة بالدماء، وسط ذهول ورعب الصغير؛ وجد والدته جثة هامدة، ألقي القبض على الزوج وطلب محاميه عرضه على الطب النفسي، وجاء التقرير بعد ٤٥ يومًا ليثبت أن الزوج كان مسئولًا عن أفعاله وقت ارتكاب الجريمة، ومازالت القضية متداولة أمام المحكمة، ومازال المتهم ينتظر نتيجة جريمته التي ارتكبها دون دليل ضد زوجته.

ليلة الدخلة

 لم تكن هاتان الجريمتان الأخيرتان وحدهما، ولكن كانت هناك جريمة حديث الأهالي وقعت منذ شهور قليلة؛ وهي الزوجة التي قتلها زوجها ليلة الدخلة في محافظة المنوفية ثم ادعى أنه مريض عقليًا، وظلت القضية متداولة داخل المحكمة حتى صدر تقرير الطب النفسي الذي يؤكد كذب الزوج، وأنه ليس مريضا عقليًا.

وتعود أحداث الواقعة إلى تلقي مدير أمن المنوفية إخطار من مأمور قسم شرطة الباجور، يفيد باستقبال المستشفى العام «م. ر. ع.»، 19 سنة، جثة هامدة، بعدما أقدم زوجها على قتلها في «ليلة الدخلة»، وبالانتقال إلى محل الواقعة، وبسؤال شقيقها أكد أنه ذهب الى شقيقته يوم «الصباحية» للاطمئنان عليها، وفوجئ بزوجها يفتح الباب وبيده سكين ملطخ بالدماء، ووجد شقيقته ملقاة على الأرض غارقةً في دمائها.

 وحكمت المحكمة على المتهم بالمؤبد.. وغيرها من القضايا.. ولكن بالتأكيد أن حيلة الجنون لن تفلح وفي النهاية مؤكد ينكشف الأمر. 

هذا ما يحدث خلال 45 يومًا

 تواصلنا مع الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي ليشرح لنا ماذا يحدث للشخص خلال عرضه على الطب النفسي لمدة ٤٥ يوما، وكيف يتم إثبات مرضه العقلي من عدمه؟، فقال: «أي شخص أو متهم تأمر النيابة بعرضه على الطب النفسي لمدة ٤٥ يوما، فهي تسمى فترة الملاحظة؛ يتم من خلالها عمل اختبارات نفسية له، لقاء مع الأطباء، فهذا الشخص يكون متواجدًا داخل المكان بحيث يتم رصد كلامه، أكله، حركته، انفعالاته، تصرفاته مع الآخرين سواء المرضى أو الممرضين أو الأطباء».

وأوضح قائلا: «بالنسبة للقائه بالأطباء، نتحدث معه في كل شيء؛ أحواله.. الدنيا.. بيته.. تفاصيل لها علاقة بالجريمة؛ فالاستشاري يجلس معه مرة كل أسبوع، والأخصائي مرة كل ثلاثة أيام، والنواب كل يوم.. وفي النهاية نجتمع سويا لعرض رأي كل منا وكتابة التقرير مضاف له رنين مغناطيسي على المخ ورسم مخ للشخص ونحدد إذا كان مسئولا أم غير مسئول».

وأضاف: «وفي الجرائم الكبرى يتم عرضه على جهاز كشف الكذب، وهو عبارة عن كرسي مجهز وبه أجهزة حساسة، نعطيه الأسئلة والتي تكون من ٩ حتى ١٣ سؤالا، لا تقبل المناقشة؛ أي الإجابات بنعم أم لا، نعطيه تلك الأسئلة يقرأها جيدا قبل البدء، مع الاحتفاظ بسؤال واحد فقط له علاقة بالجريمة يفاجأ به أثناء جلوسه على الجهاز، واتمكن من رؤية انفعالاته وقتها والتغيرات الفسيولوجية التي تحدث له، وقبل جلوسه على الجهاز لابد وأن يكون مجهز نفسيا لذلك، نومه كان جيدا.. هادئ.. في حالة جيدة.. و٤٥ يوما هي مدة كافية جدا لمعرفة إذا كان صادقا أم يدعي الجنون وأحيانا من جلسة واحدة ونتيجة خبراتي أتمكن من معرفة الحقيقة».

العرض على الطب النفسى حق كفله القانون

وسألنا المحامي محمد صادق، المحامي بالنقض والدستورية العليا؛ هل عرض المتهم على الطب النفسي إجراء قانوني يحدث في جميع القضايا أم طلب من الدفاع نفسه أم أنها حيلة قانونية؟، فقال: «طلب الدفاع بعرض المتهم على الطب النفسي ليست حيلة من الحيل القانونية، بالعكس فهو حق كفله الدستور لأي متهم يتشكك في سلامة إدراكه، لأنه أحيانا ترتكب جرائم قتل بطريقة بشعة دون مبرر أو سبب، وهي خطوة مهمة جدا لتطبيق القانون على الوجه الصحيح، لأن الطب النفسي قادر على اكتشاف الحقيقة، هل يستحق هذا المتهم العقاب أم أنه غير مسئول عن أفعاله؟، فالمادة ٦٢ من قانون العقوبات تنص على أنه لا يسأل جنائيا الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار، أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهرا عنه أو على غير علم منه بها».

وأوضح: «ليس فقط مجرد العرض بل لابد من فحص إدراكه العقلي، وذلك بعرضه على لجنة ثلاثية أو خماسية، فإذا ثبت نقص إدراكه لا يحكم عليه بالإعدام، فالفقرة الثانية من المادة ٦٢ تنص على أنه يظل مسئولًا جنائيا الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة، أي سلطة تقديرية بالنسبة للقاضي. 

اقرأ أيضًا : «الطب النفسي» أمام المحكمة: قاتلة طفلها بالشرقية غير مسئولة عن فعلها

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة