ممدوح الصغير
ممدوح الصغير


يوميات الاخبار

بطل من ذهب

ممدوح الصغير

الأحد، 15 أكتوبر 2023 - 07:19 م

هو زميلٌ للبطل عبد العاطى، صائد الدبابات، وفى الكتيبة نفسها، والذى جاء خلفه مباشرةً فى الرقم القياسى، حيث دمَّر 18 دبابة يومى 6 و7 أكتوبر

على مدار ثلاثة أيام تابع الملايين مؤتمر «حكاية وطن» الذى تم خلال جلساته استعراض مسيرة النجاح والإنجازات التى تمت فى الدولة المصرية، خلال تسع سنوات فقط، كنا قبل عام 2014، وأصبحنا اليوم فى أفضل حالٍ، وهناك فارقٌ كبير فيما كنا عليه وما أصبحنا نعيشه الآن، بعد فتح ملفات عديدة كُتب لمعظمها النجاح.


باستعراض الأرقام، وَضح للجميع أن هناك عملًا وجهدًا بُذلا، خلال السنوات الماضية، يصعب إنكارهما، وقد أسعدتنى الأرقام التى تم ذكرها، خلال جلسات المؤتمر خاصةً فى كلمة اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، الذى قال إن مصر شهدت 260 عملية إرهابية، خلال عامى 2013 و2014، الهدف منها تعطيل بناء الدولة، ونحمد الله اليوم أنه بفضل جهود أجهزة الأمن ودَّعنا الإرهاب بعد القضاء عليه، وإذا نظرنا للرقم المذكور سلفًا لتلك العمليات الإرهابية الكثيرة، فنجده رقمًا مخيفًا، وكم هو عظيم أن تتحمَّل الدولة عددًا كبيرًا من العمليات الإرهابية وتبقى صامدةً وتُواصل مراحل البناء والتنمية.
الشرطة قدَّمت أكثر من 1200 شهيد، أما المصابون فقارب عددهم 22 ألف مصاب.. الأمن ضرورة حتمية لأى دولة فى مرحلة البناء، وخلال سنوات النجاح تم ضبط 635 قضية مخدرات بقيمة تزيد على 125 مليار جنيه، وهو أيضًا رقم مُرعب وخطير، ففى حال تداول سموم الموت فى بلادنا، فإن مصر ستدفع ثمنًا باهظًا من صحة وعافية شبابها وأملها فى الغد القريب، كما تطرَّق وزير الداخلية، خلال كلمته، إلى الخدمات المثالية التى تُقدِّمها الوزارة، وصار التيسير على المواطن هدفًا لكل الإدارات الخدمية.
هناك تغيُّر للأفضل يراه مَنْ يتحرك على الأرض، فسوف يرى بالطبع الإنجاز الكبير الذى حدث فى معظم المحافظات الجنوبية التى شُيِّدت بها مشروعات مليارية، فالقرى أُعيد بناؤها من جديد وصارت ثرية بالخدمات، وتم توفير حياة كريمة لكل مواطن يعيش على أرض مصر.
حكايات النصر
أتذكَّر مشاهد أيام النصر فى أكتوبر 1973م، وقد عاصرت فرحة سكان قريتى الصغيرة، وهم يتجمعون حول الراديو لسماع نشرة الأخبار، وصيحات الله أكبر تتعالى مع صوت المذيع الذى يُعلن خسائر العدو، ومرت الأيام وصار أكتوبر شهر الفرحة، فخلال أيامه عادت الهيبة للجيوش العربية بعد انتصار جُند مصر ومحو مقولة جنرالات إسرائيل بأن قواتهم يصعب قهرها، ولكن تم حذفها من صفحات التاريخ بعد الدرس القاسى الذى قدَّمه جُند مصر.
خلال رئاستى لتحرير مجلة «أخبار الحوادث»، كنا سنويًا نُعد موضوعات عن ذكرى النصر، وفى عام 2016م، كان لى حوار مع بطلٍ من أبطال حرب العِزة.. إذ الصدفة رتَّبت اللقاء، وذلك بعد أن عرَّفنى زميلى حمدى عبدالمنعم، رئيس قسم المعلومات المصوّرة، عليه، وقال لى إنه أحد أبطال حرب أكتوبر، وبمكتبى تم اللقاء.
فى مثل هذا الوقت من كل عام، كان بيومى أحمد يهرب لمخزون ذكرياته فى أيامٍ يعتبرها الأفضل فى حياته، وهو واحدٌ من الذين عَبروا القناة ليُحرِّروا أرضنا الغالية سيناء، بعد الدرس الذى أعطاه الجيش المصرى العظيم للبشرية، بأن كل ما قِيل من قادة إسرائيل أكذوبة، فكانت الهزيمة المُذلَّة بفضل أبطالنا البواسل الذين خاضوا حرب أكتوبر، التى كلما جاءت ذكراها، الفرحة تُصادق قلوب مَنْ عاش هذه اللحظات.


بيومى بطلٌ من ذهب، دمَّر 18 دبابة إسرائيلية، وقتل 72 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، عَاهد نفسه ورفاقه قبل العبور يوم 6 أكتوبر بدقائق بأن الاستشهاد فى سبيل الوطن شرفٌ يسعون إليه. وقد صادقت حروف كلماته الشجن بعد أن بدأ يتذكَّر شهداء حرب العِزة.


قالى لى إنه من جُند عام 1970م، تم تدريبه هو وزملاؤه؛ ليكونوا جاهزين للعبور فى أى لحظة، وفى صيف 1973م، كانوا فى انتظار الأمر بالعبور إلى الضفة الأخرى.. نهار يوم الحرب، مثل اليوم الذى يسبقه، قبيل الظهر جاء الأمر باستلام طعام الإفطار، الأمر كان بالنسبة له ولزملائه غريبًا، وهو استلام وجبة إفطار المغرب لشهر رمضان الساعة 11:40 صباحًا، فحاول فهم الأمر من الضابط الذى أعطى الأمر، حتى عَرف أن ساعة الصفر سوف تكون اليوم، وهنا اقتربت دموع الفرحة من خديه، عاشها كبيرة فى نفسه، لكن قلَّل منها الصمت والكتمان.
مرَّت الدقائق، لكن بيومى كان يستعجل الأمر، وقبل الساعة الثانية ظهرًا بدقائق قليلة، كانت بداية هتاف الله أكبر تعلو فى السماء، بعد أن شاهدوا الطيران يعبر للضفة الأخرى، وأن ساعة الصفر حلم الأمس أصبح حقيقة اليوم، فقد جاءت اللحظة التى كان يحلم بها الجميع لعبور القناة، فعانقوا معًا تراب الضفة الأخرى.
هو زميلٌ للبطل عبد العاطى، صائد الدبابات، وفى الكتيبة نفسها، والذى جاء خلفه مباشرةً فى الرقم القياسى، حيث دمَّر 18 دبابة يومى 6 و7 أكتوبر، ولم يكن هناك اشتباك مع العدو، أول دبابة دمَّرها يوم 8 أكتوبر، وفى 14 أكتوبر كان اليوم الذى أكمل فيه رقم الدبابات التى دمَّرها بالكامل لأربع عشرة دبابة، منها 3 دبابات أمريكية الصُنع، وهى دبابات لأول إنتاج منها أُرسل لإسرائيل، حتى تستعيد قوتها أمام الجيش المصرى.
خلال أيام الحرب كانت المنافسة ساخنة مع زميله عبدالعاطى، فكلٌّ منهما يُريد تحقيق الرقم الأكبر، حيث كانت المنافسة فى حُب مصر شريفة وليست مجدًا شخصيًا، وفى إحدى المرات شاهد دبابة للعدو تتحرَّك، فضبط سلاحه لإصابتها وبعد إطلاق الصاروخ شاهد بأن هناك صاروخًا آخر فى طريقه للدبابة، قال: كنت أُريد أن أُدمِّرها بصاروخى قبل أن يصل لها الصاروخ الآخر، وبالفعل دمَّرتها، وبعدها بثوانٍ أكمل صاروخ زميلى عبدالعاطى تدميرها بالكامل.


ورغم إنجازه لا يعتبر نفسه بطلًا لحرب أكتوبر، وإنما يرى أن هناك أبطالًا أفضل منه، تمنى نيل الشهادة، لكنه عاد سالمًا، وعدَّ البطل الحقيقى هو سعيد خطاب الذى أحاط جسده بالألغام وفجَّر نفسه فى كتيبة إسرائيلية، فقد ضحَّى بنفسه حتى يحيا المئات من زملائه الجنود وشعبه الأبى ووطنه العزيز.
بعد النصر، حصل البطل بيومى على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وكان فى ذلك الوقت قريبًا من وسام نجمة سيناء.. أروى حكاية البطل بيومى ولا أعرف عنه أى شىء فى ذلك الوقت، وأمنياتى له إن كان حيًا ومن أهل الدنيا أن ينعم الله عليه بالصحة والعافية جزاء ما قدَّم لبلده وأهله.
بعد لقائى مع بيومى، أخذت أبحث حولى عن الذين شاركوا فى ملحمة النصر، زميلنا محمد فرج الله، مدير إدارة العلاقات العامة بأخبار اليوم، هو واحدٌ من الأبطال الذين عبروا، فقد عاش ساعات صعبة مع زملائه بعد تكرار الهجوم عليهم من قِبل العدو، لكنهم كانوا أبطالًا بالمعنى الحقيقى للكلمة، تمركزوا فى الخنادق، كلٌّ منهم كان يُؤدى أكثر من دوره، لم يعرف النوم لهم طريقًا، ورغم نفاد طعامهم، فإن حُبهم لوطنهم الغالى بقى وافرًا لا ينفد، لم يُصدِّق زميلنا عودته سالمًا، بعد أن خاض حربًا قوية، أصعب أيامها كان بعد جنون إسرائيل فى أن تُحقِّق نصرًا على القوات المصرية، ولكن بحمد لله لم يُكتب لها ذلك حتى يوم إيقاف إطلاق النار.
الحاج على محمد على، الذى قضى أكثر من 40 عامًا فى أخبار اليوم، هو واحدٌ من الذين شاركوا فى حرب العِزة، لم يُرهبه الموت الذى كان قريبًا للغاية منه، كان يحلم بالشهادة، عندما يتذكَّر أيام وليالى حرب العِزة تدمع عيناه.. حفظ الله مصر.
استشهد كل أزواجها
بعد استشهاد زوجها الرابع قالت لن أتزوج بعده أبدًا، إنى لأحسبنى أنى لو تزوجت جميع أهل الأرض لقُتلوا عن آخرهم.. هذه كلمات عاتكة بنت عمرو بن نقيل بعد استشهاد زوجها الرابع محمد بن أبى بكر، وظلَّت بعده دون زواجٍ 34 عامًا حتى وفاتها.


عاتكة بنت عمرو من أجمل نساء قريش، كثر خُطابُها لجمالها وحَسبها، حيث دَخلت الإسلام وحَسنَ إسلامها، أول أزواجها هو عبدالله بن أبى بكر، والذى استشهد فى غزوة الطائف، فحزنت عليه كثيرًا، لأنه كان ودودًا وحنونًا معها، فتزوَّجت للمرة الثانية من عمر بن الخطاب الذى عندما طلبها للزواج قالت له «مثلك لا يُرد له طلبٌ»، واستشهد الآخر خلال أدائه للصلاة على يد أبى لؤلوة المجوسى، أحد عبيد المغيرة بن شعبة، وخلال صعود روحه للسماء كانت قمة البلاغة فى رثاء الصحابة له، فقد دخل ابن عباس عليه بعد طعنه، وقال: أبشر بالجنة يا أمير المومنين، أسلمت حين كَفر الناس، وجَاهدت مع رسول الله عندما تخلَّى عنه الناس، وقُبضت روح النبى وهو راضٍ عنك ولا يستطيع اثنان أن يختلفا فى عَدل خلافتك، وقُتلت شهيدًا.. وبعد استشهاد والده قال عبدالله بن عمر مازحًا مَنْ أراد الشهادة فليتزوج من عاتكة التى حزنت كثيرًا على فراق عُمر وكَتبت فيه قصيدة رثاء.


بعد سنوات من رحيل ثانى أزواجها تزوَّجت من الزبير بن العوام وكان من عظماء زمنه، وهى الزوجة السادسة له، وبعد مقتل عثمان بن عفان خرج للعراق مُطالبًا بالقصاص لدمه، وشارك فى موقعة الجمل، واستشهد على يد عمرو بن جرموز.
أما آخر أزواجها، فكان محمد بن أبى بكر الذى قُتل فى مصر بأمرٍ من معاوية بن أبى سفيان، وعندما عَلمت بالخبر، حزنت عليه كثيرًا، وظلت 34 عامًا دون زواج حتى وافتها المنية، وعاتكة تُعدُّ أكثر نساء القرن الأول الهجرى بلاغةً وفصاحة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة