خالد محمود
خالد محمود


خالد محمود يكتب .. السينما الفلسطينية .. حضور مؤثر رغم القيود

أخبار النجوم

الخميس، 19 أكتوبر 2023 - 09:16 ص

من‭ ‬جديد‭ ‬تفرض‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الغاشمة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬النظر‭ ‬لمشهد‭ ‬السينما‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المعاصرة‭  ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬اشتبكت‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬وتقرير‭ ‬المصير،‭ ‬وهل‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تحجز‭ ‬لها‭ ‬مكانا‭ ‬لائقا‭ ‬وسط‭ ‬الحالات‭ ‬السينمائية‭ ‬المشابهة‭ ‬في‭ ‬واقعها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي،‭ ‬وأن‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭.‬

نعم‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬رصد‭ ‬قضية‭ ‬كبيرة‭ ‬ومتراكمة‭ ‬من‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بكل‭ ‬تناقضاتها‭ ‬بسهولة،‭ ‬بجانب‭ ‬صعوبات‭ ‬التصوير‭ ‬والإنتاج‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬صناع‭ ‬السينما‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عرقلة‭ ‬خروج‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬للنور‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أعمال‭ ‬فلسطينية‭ ‬تحاول‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬تعتد‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتعريف‭ ‬العالم‭ ‬بأبعاد‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬جوانبها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وركزت‭ ‬على‭ ‬سرد‭ ‬قصص‭ ‬أهالي‭ ‬القرى‭ ‬المهجّرة‭ ‬بسبب‭ ‬الاحتلال،‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬غلب‭ ‬عليه‭ ‬الطابع‭ ‬المجتمعي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬السياسي،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬الأزمة،‭ ‬فباتت‭ ‬أغلب‭ ‬الأفلام‭ ‬تنسحب‭ ‬للقضايا‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬متجاهلة‭ ‬أو‭ ‬متناسية‭ ‬القضية‭ ‬الأهم،‭ ‬وهي‭ ‬توحيد‭ ‬القوى‭ ‬الناعمة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الكيان‭ ‬المغتصب‭.‬

هذا‭ ‬ليس‭ ‬اتهاما‭ ‬لصناع‭ ‬السينما‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فهناك‭ ‬بعض‭ ‬المخرجين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬“أصحاب‭ ‬القضية”‭ ‬انسحبوا‭ ‬إلى‭ ‬اهتمامات‭ ‬أخرى،‭ ‬وضلوا‭ ‬الطريق،‭ ‬وانغمسوا‭ ‬في‭ ‬إنتاجات‭ ‬دولية‭ ‬مشتركة‭ ‬لها‭ ‬شروطها‭ ‬ومواصفاتها،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬فلسطين‭ ‬شغلهم‭ ‬الشاغل،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يفقدوا‭ ‬الأمل‭ ‬بعد‭ ‬يجاهدون‭ ‬ويحلمون‭ ‬بدور‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيرا‭ ‬لوصول‭ ‬قضيتهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬رمقها‭ ‬الأخير‭ ‬بصناعة‭ ‬أفلام‭ ‬ربما‭ ‬تشكل‭ ‬ضربات‭ ‬موجعة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتجعلها‭ ‬تنبض‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬للإلتفاف‭ ‬حول‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬ووطن‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬طبيعية‭.‬

من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المخرجين‭ ‬نجوى‭ ‬نجار‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬فيلمها‭ ‬“بين‭ ‬الجنة‭ ‬والأرض”‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬جذاب‭ ‬وعصري،‭ ‬ورغم‭ ‬فيض‭ ‬الكآبة‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬معظم‭ ‬أحداثه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬به‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬البهجة‭ ‬والأمل‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يغلق‭ ‬كل‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬أبطاله،‭ ‬بل‭ ‬منحهم‭ ‬منفذ‭ ‬لرؤية‭ ‬جديدة‭ ‬يعيدون‭ ‬فيها‭ ‬نظرتهم‭ ‬لأنفسهم،‭ ‬وعلى‭ ‬أي‭ ‬أرض‭ ‬يقفون،‭ ‬وبالتالي‭ ‬بداية‭ ‬جديدة‭.‬

وخلال‭ ‬سرد‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬كتبته‭ ‬المخرجة‭ ‬أيضا،‭ ‬نرى‭ ‬كيف‭ ‬يبدأ‭ ‬الأثنان‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬ماضي‭ ‬والد‭ ‬تامر‭ ‬لإثبات‭ ‬محل‭ ‬إقامته‭ ‬الحقيقية‭ ‬لإتمام‭ ‬إلاجراءات،‭ ‬فتأخذهما‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬وهضبة‭ ‬الجولان،‭ ‬وفي‭ ‬اتجاهات‭ ‬عديدة‭ ‬يلتقيان‭ ‬خلالها‭ ‬بنماذج‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬هذا‭ ‬الطريق،‭ ‬ويتعرّف‭ ‬الزوجان‭ ‬على‭ ‬نفسيهما‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬خلال‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬حتى‭ ‬يجد‭ ‬الزوج‭ ‬أمه‭ ‬الصماء‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬الكلام‭ ‬بعد‭ ‬خطف‭ ‬مجموعات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬ابنها‭ ‬الصغير،‭ ‬وأعطته‭ ‬لعائلة‭ ‬أخرى‭ ‬لتكتشف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ابنها،‭ ‬وتقوم‭ ‬باحتضانه‭ ‬ويلتقي‭ ‬بشقيقه‭ ‬كي‭ ‬يعيشا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬حياة‭ ‬سعيدة‭.‬

‭ ‬كانت‭ ‬أزمات‭ ‬الوطن‭ ‬حاضرة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬الأفلام‭ ‬السابقة‭ ‬للمخرجة،‭ ‬وهي‭ ‬أشبه‭ ‬بشبح‭ ‬يطارد‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬ويشغل‭ ‬بال‭ ‬قلوب‭ ‬وأرواح‭ ‬الشخصيات‭ ‬المضطربة‭.‬

ويأتي‭ ‬أيضا‭ ‬فيلم‭ ‬“200‭ ‬متر”‭ ‬للمخرج‭ ‬الشاب‭ ‬أمين‭ ‬نايفة،‭ ‬ليتناول‭ ‬قضية‭ ‬معقدة‭ ‬عبر‭ ‬قصة‭ ‬عائلة‭ ‬فلسطينية‭ ‬فرقها‭ ‬جدار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬حيث‭ ‬صار‭ ‬الأب‭ ‬مصطفى‭ ‬“علي‭ ‬سليمان”‭  ‬عامل‭ ‬البناء‭ ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬والدته‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وخلف‭ ‬الجدار‭ - ‬الذي‭ ‬بنته‭ ‬إسرائيل‭ ‬عام‭ ‬1994‭ - ‬تعيش‭ ‬زوجته‭ ‬سلوى‭ ‬“لانا‭ ‬زريق”‭ ‬وأطفاله‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬الخاضعة‭ ‬للسلطة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

يرفض‭ ‬مصطفى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التصريح‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بالعيش‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬وأطفاله،‭ ‬معتقدًا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يضفي‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬الأخضر،‭ ‬لذلك‭ ‬يفضل‭ ‬استخدام‭ ‬تصريح‭ ‬عمله‭ ‬للعبور،‭ ‬لكن‭ ‬تتصاعد‭ ‬الأحداث‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬عنصرية‭ ‬الاحتلال‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬لم‭ ‬شمل‭ ‬هذه‭ ‬العائلة،‭ ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬يدخل‭ ‬أحد‭ ‬أبنائه‭ ‬المستشفى،‭ ‬ويحاول‭ ‬الأب‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬للاطمئنان‭ ‬عليه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬طريقة‭ ‬لعبور‭ ‬الجدار،‭ ‬لكنه‭ ‬يحتاج‭ ‬للسفر‭ ‬هاربًا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬تمتد‭ ‬لـ200‭ ‬كيلو‭ ‬متر،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يبعد‭ ‬سوى‭ ‬200‭ ‬متر‭ ‬عن‭ ‬ولده‭.‬

قيمة‭ ‬الفيلم‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬واقعية‭ ‬صورته‭ ‬خلال‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول،‭ ‬والأداء‭ ‬المبهر‭ ‬لبطله‭ ‬الممثل‭ ‬علي‭ ‬سليمان‭ ‬الذي‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬لأسرته‭ ‬والوقوف‭ ‬بجانب‭ ‬ابنه،‭ ‬رغم‭ ‬منعه‭ ‬من‭ ‬عبور‭ ‬الحاجز‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الجدار،‭ ‬وكانت‭ ‬انفعالاته‭ ‬مؤثرة‭ ‬للغاية‭.‬

كشف‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬رسخ‭ ‬لمبدأ‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬تعكس‭ ‬الفن،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬للواقعية‭ ‬المؤلمة‭ ‬والمستمرة‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬بذرة‭ ‬لصناعة‭ ‬سينما‭ ‬حقيقية‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬“200‭ ‬متر”‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الأفلام‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفكرة‭ ‬وتطوير‭ ‬السيناريو‭ ‬وصورته‭ ‬الاحترافية‭ ‬الجيدة،‭ ‬وكيف‭ ‬أظهر‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬افتعال‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬معقد،‭ ‬وأن‭ ‬فلسطين‭ ‬التي‭ ‬شاهدناها‭ ‬دولة‭ ‬أسيرة،‭ ‬فنقاط‭ ‬التفتيش‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬السفر‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬دون‭ ‬موافقة‭ ‬السلطات‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

في‭ ‬رؤية‭ ‬جاءت‭ ‬مغايرة‭ ‬لنموذج‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬السينما‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬للتصالح‭ ‬والتسامح‭ ‬مع‭ ‬المحتل‭ ‬بشكل‭ ‬يثير‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬التساؤلات،‭ ‬قدم‭ ‬المخرج‭ ‬رشيد‭ ‬مشهراوي‭ ‬فيلمه‭ ‬“كتابة‭ ‬على‭ ‬الثلج”،‭ ‬تناول‭ ‬في‭ ‬أحداثه‭ ‬الانقسامات‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬ــ‭ ‬وطن‭ ‬ومجتمع‭ ‬ــ‭ ‬بمفرداتها‭ ‬السياسية‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والدينية‭ ‬والجغرافية،‭ ‬التي‭ ‬تنمو‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬عرقية‭ ‬طائفية،‭ ‬فيما‭ ‬تلقي‭ ‬الأحداث‭ ‬أيضا‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬الانقسامات‭ ‬الموجودة‭ ‬بالوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وكأنه‭ ‬حالة‭ ‬عربية‭ ‬ممتدة،‭ ‬فالعمل‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬منه‭ ‬لا‭ ‬يتعامل‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بل‭ ‬ينعكس‭ ‬أيضا‭ ‬الحالة‭ ‬العربية،‭ ‬بينما‭ ‬يظهر‭ ‬بين‭ ‬ثناياه‭ ‬أن‭ ‬المحتل‭ ‬هو‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الانقسامات،‭ ‬يسرد‭ ‬الفيلم‭ ‬شخصيات‭ ‬يدفعها‭ ‬تفكيرها‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬لذاتها‭ ‬ربما‭ ‬تصل‭ ‬للحقيقة‭ ‬الغائبة،‭ ‬وهي‭ ‬لماذا‭ ‬أصبح‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬هكذا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أوحى‭ ‬بأن‭ ‬الإنقسام‭ ‬“الفلسطيني‭ ‬ــ‭ ‬الفلسطيني”‭ ‬أصبح‭ ‬همًّا‭ ‬ثقيلا‭ ‬وأخطر‭ ‬من‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وكل‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يدورعلى‭ ‬السلطة‭ ‬يكون‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نتصارع‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬السلطة‭ ‬لا‭ ‬نملكها‭.‬

فيلم‭ ‬المخرج‭ ‬رائد‭ ‬انضوني‭ ‬“اصطياد‭ ‬أشباح”،‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬وثائقى‭ ‬بمهرجان‭ ‬برلين،‭ ‬وقدم‭ ‬فيه‭ ‬إعادة‭ ‬تركيب‭ ‬للواقع،‭ ‬واقع‭ ‬السجناء‭ ‬والذاكرة‭ ‬المؤلمة‭ ‬للمخرج‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬أمضى‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬المسكوبية‭ ‬الشهير‭ ‬بقسوة‭ ‬المعاملة‭ ‬بداخله‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬ويصور‭ ‬طريقة‭ ‬التحقيقات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الاحتلال‭ ‬مع‭ ‬السجناء‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

في‭ ‬الفيلم‭ ‬يضع‭ ‬المخرج‭ ‬رائد‭ ‬أنضوني‭ ‬إعلانا‭ ‬بصحيفة‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله،‭ ‬أنه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬السجناء‭ ‬السابقين‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬إستجواب‭ ‬المسكوبية‭ ‬في‭ ‬القدس،‭ ‬حيث‭ ‬قضوا‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬حياتهم،‭ ‬في‭ ‬إعلانه‭ ‬يطلب‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرجال‭ ‬أيضا‭ ‬خبرة‭ ‬الحرفيين‭ ‬والمهندسين‭ ‬المعماريين،‭ ‬لأنه‭ ‬سيشارك‭ ‬من‭ ‬يقع‭ ‬عليهم‭ ‬الاختيار‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬أدوارهم‭ ‬بالسجن،‭ ‬وما‭ ‬تعرضوا‭ ‬له‭ ‬بداخله،‭ ‬لكن‭ ‬ليساهموا‭ ‬ببناء‭ ‬ديكور‭ ‬لنسخة‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬الإستجواب‭ ‬بالمركز‭ ‬كما‭ ‬شاهدوه‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬حيث‭ ‬ستكون‭ ‬القاعات‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬دقيق‭ ‬من‭ ‬السجناء‭ ‬السابقين‭ ‬وبناءً‭ ‬على‭ ‬ذاكرتهم،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يقومون‭ ‬بإعادة‭ ‬تمثيل‭ ‬عمليات‭ ‬الإستجواب،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬بالفعل‭ ‬داخل‭ ‬أحداث‭ ‬الفيلم،‭ ‬فالمخرج‭ ‬والمساجين‭ ‬يدخلون‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬تفاصيل‭ ‬صغيرة‭ ‬حول‭ ‬مشاهد‭ ‬العنف‭ ‬وعن‭ ‬الإهانة‭ ‬التي‭ ‬واجهوها‭ ‬أثناء‭ ‬احتجازهم،‭ ‬بإستخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬تشبه‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬“مسرح‭ ‬المضطهدين”،‭ ‬حيث‭ ‬يعملون‭ ‬معا‭ ‬لتهويل‭ ‬تجارب‭ ‬الحياة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وأجمل‭ ‬لحظات‭ ‬الفيلم‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الذكريات‭ ‬المؤلمة‭ ‬أعادت‭ ‬مشاهد‭ ‬الصدمة‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لتترك‭ ‬تأثيرها‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬الرجال‭ ‬جسديا‭ ‬وعقليا‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬لإندماجهم‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬المأساة‭ ‬التي‭ ‬يعيشونها‭. ‬

وطوال‭ ‬الوقت‭ ‬يهيم‭ ‬حولك‭ ‬السؤال‭: ‬“أنت‭ ‬أمام‭ ‬سجناء‭ ‬سابقين‭ ‬أم‭ ‬ممثلين‭ ‬يجسدون‭ ‬شخصيات‭ ‬اعتقلت‭ ‬بالسجون‭ ‬الإسرائيلية؟،”‭ ‬إنهم‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬الأثنان‭ ‬معا،‭ ‬فالكادر‭ ‬يطوف‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬بين‭ ‬صرخات‭ ‬أوقات‭ ‬مؤلمة،‭ ‬وأحلام‭ ‬تسكن‭ ‬حريتها‭ ‬الجدران،‭ ‬لقد‭ ‬أراد‭ ‬رائد‭ ‬أنضوني‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬كل‭ ‬أشباح‭ ‬ومآسي‭ ‬تجربته‭ ‬الشخصية،‭ ‬بل‭ ‬ويهزمها‭ ‬بداخله‭ ‬بعمل‭ ‬يجسد‭ ‬فيه‭ ‬شخصيته‭ ‬الحقيقية‭ ‬كمخرج‭ ‬ذاق‭ ‬الاعتقال،‭ ‬وهو‭ ‬يصور‭ ‬حاضره‭ ‬وحاضر‭ ‬أبطاله،‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬سرد‭ ‬تلمس‭ ‬معها‭ ‬بسخرية‭ ‬الذكريات‭ ‬والتشوهات‭ ‬النفسية‭ ‬أحيانا‭. ‬

مع‭ ‬تتابع‭ ‬المشاهد‭ ‬تكتشف‭ ‬أن‭ ‬الآلام‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬حية‭ ‬بآهاتها‭ ‬داخل‭ ‬شخصيات‭ ‬أنضوني،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عنها‭ ‬حديثهم‭ ‬عنها‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬ليضفي‭ ‬حميمية‭ ‬واقعية،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬الإنهيار‭ ‬والدموع‭ ‬والآلام‭ ‬نتابعها‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬بناء‭ ‬السجن‭.‬

ويقدم‭ ‬فيلم‭ ‬المخرج‭ ‬هاني‭ ‬أبو‭ ‬أسعد‭ ‬“عمر”،‭ ‬إطلالة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬تتسم‭ ‬بالجرأة‭ ‬تتيح‭ ‬لنا‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تناقضاته‭ ‬مع‭ ‬أنفسنا‭ ‬وتعقيدات‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفق‭ ‬حبكة‭ ‬بوليسية،‭ ‬أبطالها‭ ‬4‭ ‬شباب‭ ‬يحاولون‭ ‬العيش‭ ‬بكرامة‭ ‬ضمن‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬أحلامهم‭ ‬البسيطة‭ ‬بالعيش‭ ‬الكريم،‭ ‬منهما‭ ‬قصة‭ ‬واقعية‭ ‬لشاب‭ ‬وشابة‭ ‬فلسطينيين‭ ‬تجمعهما‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬ويفصل‭ ‬بينهما‭ ‬الجدار‭ ‬العازل‭ ‬الذي‭ ‬بنته‭ ‬إسرائيل‭.‬

يظهر‭ ‬الفيلم‭ ‬مدى‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬والذي‭ ‬يعكس‭ ‬عنفا‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬مجتمعهم‭ ‬المحاصر،‭ ‬والعرضة‭ ‬لكل‭ ‬التأثيرات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحتل‭ ‬الذي‭ ‬يتلاعب‭ ‬بمصائر‭ ‬شخصيات‭ ‬الفيلم،‭ ‬ليصبح‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إما‭ ‬قاتلا‭ ‬وإما‭ ‬مقتولا،‭ ‬إما‭ ‬مناضلا‭ ‬وإما‭ ‬عميلا‭.‬

فيما‭ ‬يحمل‭ ‬فيلم‭ ‬“غزة‭ ‬مون‭ ‬أمور”‭ ‬للأخوين‭ ‬طرزان‭ ‬وعرب‭ ‬ناصر،‭ ‬رسالة‭ ‬كبرى،‭ ‬وهي‭ ‬إستمرارية‭ ‬الحياة‭ ‬وسط‭ ‬عبثية‭ ‬العيش،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬العمر،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬دنيا‭ ‬حاصرها‭ ‬اليأس‭ ‬طويلا‭.‬

الفيلم‭ ‬يلتقط‭ ‬أحداثه‭ ‬بنظرة‭ ‬مبهجة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الظلام‭ ‬يحيط‭ ‬بها،‭ ‬فنحن‭  ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مزقتها‭ ‬النزاعات‭ ‬بمدينة‭ ‬غزة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬حيث‭ ‬تدور‭ ‬الأحداث‭ ‬حول‭ ‬عالم‭ ‬عيسى‭ ‬“سليم‭ ‬ضو”،‭ ‬صياد‭ ‬تجاوز‭ ‬الـ60‭ ‬عامًا،‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬سهام‭ ‬“هيام‭ ‬عباس”،‭ ‬وهي‭ ‬أرملة‭ ‬تعمل‭ ‬خياطة‭ ‬وتعيش‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬ليلى‭ ‬المطلقة،‭ ‬ويخفي‭ ‬حبه‭ ‬عنها‭ ‬طويلا،‭ ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬رحلات‭ ‬الصيد‭ ‬يعلق‭ ‬في‭ ‬شبكته‭ ‬تمثالٌ‭ ‬برونزي‭ ‬أثري‭ ‬لأبولو،‭ ‬يعقد‭ ‬أمالا‭ ‬كبيرة‭ ‬ليغير‭ ‬مسار‭ ‬حياته،‭ ‬وحين‭ ‬يحاول‭ ‬اخفاء‭ ‬التمثال‭ ‬عن‭ ‬رجال‭ ‬“حماس”،‭ ‬يتم‭ ‬كشف‭ ‬أمره‭ ‬واستجوابه‭ ‬وسجنه‭ ‬بزعم‭ ‬أن‭ ‬التمثال‭ ‬ملك‭ ‬للسلطات‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ولا‭ ‬يأبه‭ ‬عيسى‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬حبه‭ ‬لسهام،‭ ‬ويقرر‭ ‬الإقتراب‭ ‬منها،‭ ‬ويفكر‭ ‬في‭ ‬أن‭  ‬يتقدم‭ ‬لها‭ ‬طالبا‭ ‬الزواج،‭ ‬ويأتي‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬مشهد‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬بغزة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬كثيرا،‭ ‬وتعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬النضالات‭ ‬اليومية،‭ ‬وتحديات‭ ‬تشكل‭ ‬أساس‭ ‬الحياة‭ ‬بها،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الفيلم‭ ‬يضفي‭ ‬الطابع‭ ‬الإنساني‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬مواطنيها،‭ ‬حيث‭ ‬يفتح‭ ‬مشاهده‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬التلفزيون،‭ ‬القصف‭ ‬المنتظم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يخيم‭ ‬على‭ ‬الأجواء،‭ ‬مع‭ ‬إستمرار‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬أنشطته‭ ‬المعتادة،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬غزة،‭ ‬نشهد‭ ‬أيضًا‭ ‬انقطاعًا‭ ‬يوميًا‭ ‬في‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي،‭ ‬وتوقفًا‭ ‬متكررًا‭ ‬عند‭ ‬نقاط‭ ‬التفتيش‭ ‬التابعة‭ ‬للشرطة،‭ ‬ونشهد‭ ‬إستمرار‭ ‬تشغيل‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬حول‭ ‬تحرير‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

يفضل‭ ‬الأخوين‭ ‬ناصر‭ ‬الغوص‭ ‬بقصصهما‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬القضايا‭ ‬المجتمعية‭ ‬شبه‭ ‬المعقدة،‭ ‬وعلى‭ ‬طريقة‭ ‬كوميديا‭ ‬العبث‭ ‬منذ‭ ‬فيلمهما‭ ‬الروائي‭ ‬الطويل‭ ‬الأول‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬“Dégradé”‭.‬

وهما‭ ‬هنا‭ ‬يواصلان‭ ‬الرحلة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬شبه‭ ‬مدمرة،‭ ‬وكذلك‭ ‬بشرها‭ ‬الذين‭ ‬مازالوا‭ ‬يتمسكون‭ ‬بالحلم،‭ ‬ففي‭ ‬خضم‭ ‬القصف‭ ‬والحرمان‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬عيسى‭ ‬يمارس‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬سعيه‭ ‬بحب‭ ‬المرآة‭ ‬التي‭ ‬يريدها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التحديات‭.‬

ويأتي‭ ‬فيلم‭ ‬المخرجة‭ ‬مي‭ ‬مصري‭ ‬“3000‭ ‬ليلة”‭ ‬ليتحدث‭ ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬عاشه‭ ‬الآسيرات‭ ‬داخل‭ ‬السجون‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وبداية‭ ‬نضال‭ ‬الآسيرات‭ ‬السياسيات،‭ ‬حيث‭ ‬كانوا‭ ‬يضعوا‭ ‬الآسيرات‭ ‬الفلسطينيات‭ ‬السياسيات‭ ‬مع‭ ‬المحبوسات‭ ‬جنائيًا‭ ‬ورغم‭ ‬قسوة‭ ‬المشهد‭ ‬لواقع‭ ‬مليئ‭ ‬بالمصداقية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفيلم‭ ‬صور‭ ‬قيمة‭ ‬التمسك‭ ‬بالحلم‭ ‬والمقاومة‭.‬

مي‭ ‬تعاملت‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬زاويتيها‭ ‬السياسية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بطلتها‭ ‬الشابة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬“ليال”،‭ ‬التي‭ ‬تعتقلها‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬في‭ ‬نابلس‭ ‬عام‭ ‬1980،‭ ‬بعد‭ ‬تلفيق‭ ‬تهمة‭ ‬لها‭.‬

وتتعرض‭ ‬ليال‭ ‬لمواقف‭ ‬صعبة‭ ‬أولها‭ ‬عندما‭ ‬يضغط‭ ‬عليها‭ ‬مدير‭ ‬السجن‭ ‬حتى‭ ‬تتجسس‭ ‬على‭ ‬زميلاتها،‭ ‬لكنها‭ ‬ترفض،‭ ‬بل‭ ‬وتنجح‭ ‬في‭ ‬اكتساب‭ ‬ثقة‭ ‬اللصة‭ ‬المدمنة‭ ‬“شالوميت”‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تساعدها‭ ‬عند‭ ‬تعرضها‭ ‬لأزمة‭ ‬صحية،‭ ‬وفي‭ ‬السجن‭ ‬تكتشف‭ ‬“ليال”‭ ‬أنها‭ ‬حامل،‭ ‬وتنجب‭ ‬طفلها‭ ‬بالسجن،‭ ‬وفي‭ ‬عدة‭ ‬مشاهد‭ ‬مؤثرة‭ ‬نراها‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تعلم‭ ‬طفلها‭ ‬“نور”‭ ‬كيف‭ ‬يطير‭ ‬العصفور،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ترسم‭ ‬له‭ ‬ملامحه،‭ ‬وبرعت‭ ‬ليال‭ ‬أو‭ ‬الممثلة‭ ‬ميساء‭ ‬عبدالهادي‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬تلك‭ ‬المشاهد‭ ‬بعينيها‭ ‬وتعبيراتها‭ ‬الموجعة‭ ‬لها‭ ‬ولنا‭.‬

ويكبر‭ ‬نور‭ ‬تدريجيا‭ ‬داخل‭ ‬المعتقل‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وتزداد‭ ‬الضغوط‭ ‬عليها‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬الإضراب‭ ‬الذي‭ ‬تنظمه‭ ‬السجينات‭ ‬الفلسطينيات‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬داخل‭ ‬السجن،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬مذبحة‭ ‬صبرا‭ ‬وشاتيلا‭ ‬التي‭ ‬عرفن‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصاصة‭ ‬صحفية‭ ‬أتت‭ ‬بها‭ ‬“شالوميت”‭ ‬إلى‭ ‬“ليال”‭.‬

وعندما‭ ‬تحسم‭ ‬أمرها‭ ‬وتشارك‭ ‬في‭ ‬الإضراب‭ ‬تنتزع‭ ‬الحارسة‭ ‬الشرسة‭ ‬ابنها‭ ‬منها،‭ ‬سيناريو‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬كتبته‭ ‬مي‭ ‬أيضا‭ ‬كان‭ ‬سلسا‭ ‬في‭ ‬تنقله‭ ‬بين‭ ‬عوالم‭ ‬متعددة‭ ‬لشخوص‭ ‬مختلفة‭ ‬داجل‭ ‬السجن،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حرصت‭ ‬عليه‭ ‬لتوحد‭ ‬المشاعر‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الفئات‭ ‬والأعمار،‭ ‬فهناك‭ ‬المناضلة‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬متشككة‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬“ليال”،‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬تستسلم‭ ‬للضغوط‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تفاديا‭ ‬لإنتزاع‭ ‬طفلها‭ ‬منها،‭ ‬و”رحاب”‭ ‬التي‭ ‬تقبل‭ ‬بالتجسس‭ ‬سعيا‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬ابنيها‭ ‬التي‭ ‬تركتهما،‭ ‬إلى‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بقصة‭ ‬حب‭ ‬مع‭ ‬سجين،‭ ‬تتلصص‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬الحاجز‭ ‬الذي‭ ‬يفصل‭ ‬النساء‭ ‬عن‭ ‬الرجال‭ ‬بالسجن‭.‬

التفاصيل‭ ‬كانت‭ ‬مهمة،‭ ‬خاصة‭ ‬ميلاد‭ ‬الطفل‭ ‬بالسجن،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬الأمل‭.‬

مثلما‭ ‬لعبت‭ ‬السينما‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬بجانبها‭ ‬الوثائقي‭ ‬والروائي،‭ ‬لتطيح‭ ‬ببشر‭ ‬ووطن،‭ ‬لخدمة‭ ‬أهداف‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الصراع‭ ‬العربى‭ ‬الصهيونى،‭ ‬وحاولت‭ ‬باستماتة‭ ‬ضياع‭ ‬هوية‭ ‬المواطن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وجذوره،‭ ‬يمكنها‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬طرح‭ ‬الوقائع‭ ‬وتهدم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬زائف‭ ‬عبر‭ ‬قصة‭ ‬الشعب‭ ‬والأرض،‭ ‬يمكن‭ ‬للسينما‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورها‭ ‬وتعيد‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬الإلتفاف‭ ‬حول‭ ‬مائدة‭ ‬الحق‭ ‬والتعاطف‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬سلبوا‭ ‬منه‭ ‬الأرض‭ ‬والعرض‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة