الشحاته الإلكترونية
الشحاته الإلكترونية


من الرصيف إلى كاميرا الموبايل.. آخر صيحات «الشحاته الإلكترونية»

أخبار الحوادث

الأحد، 22 أكتوبر 2023 - 01:12 م

محمد‭ ‬عطية‭ ‬ــ‭ ‬محمود‭ ‬صالح‭ ‬

  المال والشهرة هما الغايتان اللتان يسعى إليهما الكثير من الناس؛ هذا لأنه بات واضحًا بما لا يدع مجالاً للشك، أن البعض يتطلع نحو المال والشهرة تطلعًا دائمًا، بصرف النظر عما كان هذا المال حلال أم حرام، وبصرف النظر عما كانت هذه الشهرة في الخير أم في الشهر، وهذا ما نراه واضحا في الكثير من التصرفات الغريبة التي يقوم بها هؤلاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تطبيقات الفيديوهات القصيرة، والتي فيها يفعلون كل شيء من أجل المال، ابتداءً من وصلات الرقص والعري، وغيرها من الأمور، حتى وصل الأمر إلى استجداء المتابعين للتبرع، كنوع من أنواع «الشحاته»، والتي يمكن أن نسميها مع وجود السوشيال ميديا «الشحاتة الإلكترونية».. تفاصيل أكثر في السطور التالية.

مصطلح «الشحاته الإلكترونية» تم تدشينه خصيصًا ليعبر عن مثل هذه الحالات التي سوف نعرضها، في البداية كان الأمر في مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الفيديوهات القصيرة، يقتصر على الكوميديا، أو الغناء، أو التمثيل، وخلافه. 

وهذه الأمور كانت بالطبع تدر دخلا كبيرًا على أصحابها، لكن دخل إلى صانعى الفيديوهات القصيرة صناع جدد، لا يفقهون شيئًا في التكنولوجيا، ولا يعرفون شيئًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، اللهم ما يعرفونه أن هذه المواقع تعطي أموالا لمن ينشرون فيديوهات يراها عدد كبير من الناس، وأنه كلما كثر عدد المتابعين، كلما منحت تلك المواقع لناشري هذه الفيديوهات أموالاً، والمال هنا هو بيت القصيد، لذلك ترى في الكثير من هذه المواقع، كالـ»تيك توك»، و»وكواي» و»سناب شات»، عليهم الكثير من البلوجرز، ينشرون مقاطع فيديو لأي شيء، المهم أن يراها المتابعون ليزدادوا شهرة، ويزدادون مالًا.

ووصل الأمر، خلال الفترة الأخيرة، أن ظهر ما يسمى بـ «الشحاته الإلكترونية»، وهي عبارة عن فيديوهات قصيرة، فيها أشخاص يطلبون من المتابعين التبرع بالأموال، ويختلف السبب من فيديو لفيديو، ومن شخص لآخر، منهم من يستخدم اطفاله في استجداء المتابعين، ومنهم من يطلب التبرع لمرض، ومنهم من يطلب سداد أقساط ومديونيات عليه لعجزه عن دفعها، ومنهم حتى من يطلب التبرع للقيام بالرفاهيات كالسفر والذهاب الى المصيف وشراء بعض مستلزمات البيت وخلافه.

قد تكون فكرة مشاركة الحياة الخاصة على السوشيال ميديا أمرًا طبيعيًا، قد يندرج ضمن حريات الاشخاص انفسهم بل وحقهم إظهار ما يشاركونه من أشياء، لكن الأطفال لا قدرة لهم على الموافقة أوالرفض، فـ للاسف بتخطيط عائلي وطمعًا في الربح والترند، بدأ الاهالي باستخدام أطفالهم لحصد المشاهدات والشهرة في نفس الوقت لتحقيق الكثير من الأرباح، فقد شاهدنا الفترة الماضية على منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام سعي الكثير من الآباء والأمهات لاستغلال أطفالهم من خلال نشر مقاطع فيديو وصور لهم، لمقاطع عادية لحياتهم اليومية، أو لموقف عاطفي وأخرى مثيرة للضحك أو مثيرة للشفقة لاستعطاف المشاهدين، مما أدى إلى انتهاك خصوصية الأطفال واستغلال وقتهم وبراءتهم، كل ذلك من أجل ركوب الترند واللهث وراء الربح السريع؛ لتصبح حياة الأطفال مجرد سبوبه في يد والديهم.

«بابا»!

حيلة لجأت إليها سيدة مطلقة، مستخدمة طفلتيها للتسول عبر الإنترنت، بعدما أنشأت حسابًا لها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت في بث مباشر مع طفلتيها بدأت من خلاله بترديد كلمة «بابا» لمتابعيها، مقابل الحصول على هدية ترسل لها عبر أحد التطبيقات الإلكترونية، والتي تتعامل بنظام «النقاط مقابل الأموال»، كادت أن تنجح، لولا أن شاهد طليقها بعض الفيديوهات؛ فما كان منه إلا أن سارع بتحرير محضر ضد طليقته، يطالب فيه بإثبات هذه الوقائع، وأرفق بالمحضر مجموعة من الفيديوهات التي تظهر فيها طفلتيه، مطالبًا بالحصول على حضانة طفلتيه لإنقاذهما من تنشئة غير سليمة.

شحاته بالدعوة!

الأمر الآخر، والذي تتخذ فيه «الشحاتة الإلكترونية» شكلًا مختلفًا، هو «الشحاتة بالدعوة»، وهي أن تقوم المتسولة أو المتسول بالدعاء لمن يتبرع، وتطلب أو يطلب في البث المباشر الذي تظهر أو يظهر فيه التبرع لها أو له، مقابل أن تدعو أو يدعو لهم، وكأن دعاءها أو دعاءه مستجاب.

من أمثلة ذلك، سيدة مسنة قاربت على الـ80 من عمرها، بصحبتها شابة صغيرة، والأخيرة هي التي تدير الحساب، والذي يحمل اسم «أم رودينا».

هذا الحساب، في أي وقت شئت، من الممكن أن تدخل عليه وسترى في البث المباشر هذه السيدة وبصحبتها هذه الشابة تقومان بالدعاء لكل من يتبرع لهما.

كلما زاد عدد المتابعين انطلقت تدعو وتدعو، والغريب أن الكثير من المتابعين فعلا يدخل عندها ويتبرع لها مقابل هذه الدعوة، وكأنه أدرك في قرارة نفسه أن دعاءها مستجاب.

ليست «أم رودينا» وحدها من تقوم بذلك، فحساب آخر يحمل اسم «جنى ويمنى روفيدا ومامتهم»، تقوم صاحبته هي الأخرى بهذا الأمر، سيدة أربعينية وبناتها الثلاث، يقمن بالدعاء لمن يتبرع لهما، رافعين شعار الدعوة مقابل التبرع.

أيضًا رب أسرة، يصور أسرته كاملة، وهم يجلسون أمام كاميرا الموبايل يتحدثون في أمور تافهة، ويفعلون أمورًا غريبة تبدو وكأنهم يعيشون حياة صعبة، فقط كي يتبرع لهم المتابعون، والأمثلة على ذلك كثيرة.

سمعة اطفالها

وهل ينسى رواد السوشيال ميديا هذه الواقعة التي اثارت غضبهم وكانت قد رصدتها وحدة البيان بمكتب النائب العام؛عندما تداولوا مقطع فيديو بأحد مواقع التواصل الاجتماعي لإحدى البلوجر تصرح فيه اكتشافها إقامة أحد أطفالها علاقة جنسية مع شقيقته الطفلة، بل وشاهدت محادثة بين ابنها وفتاة عبر هاتفه المحمول تتضمن رغبته في إقامة علاقة جنسية معها، وتستنطق صغيرين من أشقائهما على رؤيتهما الواقعة، في الوقت ذاته حرر المجلس القومي للطفولة والأمومة بلاغا ضدها وتم اتهامها بهتك عرض أولادها والإتجار بالبشر باستغلال الأطفال لجذب المشاهدين وتحقيق الأرباح من رفع نسب المشاهدة مما يعرضهما للخطر.

بلا شك هذا الأمر، أصبح الآن - للأسف - ظاهرة، يجب التصدي لها بكل الأشكال الممكنة، لأنه أصبحنا في طريقنا فعلا لأن يختفى الشحاذون من طرقاتنا، ليظهروا على مواقع التواصل الاجتماعي.

رأي الخبراء

بالتواصل مع د. إيمان درويش أستاذ علم النفس بدأت حديثها قائلة: «إن مرحلة تأسيس وبناء الطفل تبدأ منذ ميلاده حتى سن 7 سنوات ويطلق عليها مرحلة الطفولة المهمة، لكن سعي الأهل لجعل أطفالهم نجومًا على وسائل التواصل الاجتماعي لحصد أعداد كبيرة من المتابعين، أمر له تأثير سلبي في الطفل نفسيًا واجتماعيًا، إذ يحد من حريته، ويعلمه التصنع في سلوكه وتعامله مع الآخرين، ويفقده الطبيعة الفطرية للأطفال، أي التلقائية في التصرف والحركة والكلام، فظاهرة استغلال الاطفال على السوشيال ميديا تهدد الاستقرار النفسي الاجتماعي للأطفال وتؤثر على تكوينهم العقلي، فأطالب الآباء والامهات باحترام خصوصية الطفل، وعدم إقحامه في عالم السوشيال ميديا والضغط عليه كما لو كان مجرد وسيلة لتحقيق أهداف لا تعنيه، فلابد من إيجاد قانون صارم ينظم المحتوى الذي يتم تقديمه على السوشيال ميديا خصوصًا الذي به اطفال».

ويستكمل محمد سيد المحامي قائلاً: تتضمن المادة 96 من قانون الطفل حالات تعرض الطفل للخطر إذا وجد فى حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، ومنها إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر، أو إذا كانت ظروف تربيته فى الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها من شأنها أن تعرضه للخطر أو كان معرضا للإهمال أو للإساءة أو العنف أو الاستغلال أو التشرد، كما تنص المادة 291 من قانون العقوبات الخاصة بالاستغلال الجنسى؛ فيحظر كل مساس بحق الطفل في الحماية من الإتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي أو استخدامه في الأبحاث و التجارب العلمية ويكون الطفل الحق في توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر، مع عدم الإخلال بأي عقوبة اشد ينص عليها في قانون أخر، يعاقب بالسجنالمشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات وبغرامة خمسين ألف جنيه و لا تجاوز مائتي ألف جنيه كل من باع طفلا أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسلمه أو نقله باعتباره رقيقا، أو استغلاه جنسيا أو تجاريا أو استخدمه في العمل القسري أو غير ذلك من الأغراض غير المشروعة، ولو وقعت الجريمة في الخارج، ويعاقب بذات العقوبة من سهل فعلا من الأفعال المذكورة في الفقرة أو حرض عليه ولو لم تقع الجريمة بناء على ذلك، ومع عدم الإخلال بأحكام المادة 116 مكرر من قانون الطفل تضاعف العقوبة إذا ارتكبت من قبل جماعة إجرامية منظمة عبر الحدود الوطنية.

وتقول النائبة د.دينا هلالى عضو لجنة حقوق الانسان والتضامن الاجتماعي بمجلس الشيوخ: تقدمت من قبل بمقترح لمجلس الشيوخ لتغليط عقوبات استغلال الأطفال على مواقع التواصل التى تؤكد ان استغلال الأطفال سواء فى الواقعة الأخيرة أو ما سبقها هو أمر غير مقبول سواء كان ذلك على المستوى الإنسانى أو الاجتماعى أو حماية حقوق الطفل وبشكل عام وللأسف أصبحت ظاهرة استغلال واستخدام للطفل من جانب الأسرة ظاهرة متنامية نشاهدها كثيرا، وهناك فرق بين طفل موهوب يقدم محتوى معينًا بالغناء أو التمثيل أوغيرها ويجد التشجيع من الأسرة على أمل أن يجد فرصة ويشاهده ملحن أو مخرج وبين استغلال الطفل فى محتوى غير لائق من أجل تحقيق مشاهدات وأرباح اكبر وانتهاك خصوصية الطفل، ونلاحظ هنا أن الفارق غير واضح بالنسبة لكثير من الآباء والأمهات من أصحاب قنوات اليوتيوب وصفحات السوشيال ميديا ومن هنا لابد من تكثيف حملات التوعية وتعريفهم بمفهوم الإتجار بالبشر وحقوق الطفل، فحتى لو كانوا يفعلون ذلك عن غير قصد أو عن جهل فهم يقعون تحت طائلة القانون وهنا لا بد من تغليظ العقوبة وتجريم هذه الأفعال وحماية للطفل وحقوقه فى المقام الأول.

ولمواجهة الظاهرة والحد منها، تطالب النائبة دينا هلالى بتضافر جميع الجهود سواء كانت من خلال المجلس القومى للأمومة والطفولة أو حقوق الإنسان والمجالس النيابية والتشريعية بتشديد الغرامات الرادعة على مرتكبى هذه الجرائم الشنعاء فى حق الإنسانية عامة والطفل خاصة وما يهمنا الآن هو منع الاستغلال للطفل، كما طالبت بضرورة إجراء دراسات اجتماعية ونفسية على هذه الظاهرة وخطورتها على الأطفال وتوعية الآباء والأمهات.

اقرأ أيضا : «شحات» مصر القديمة يجمع أموال المارة ويودعها فى حسابه البنكي


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة