صورة موضوعية
صورة موضوعية


محاولات تاريخية وصمود مصرى فى وجه تصفية القضية

القاهرة تُعلن أمام قادة العالم رفض تهجير أهل غزة إلى سيناء

آخر ساعة

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023 - 08:29 م

■ كتب: أحمد جمال

 لم تكن «قمة القاهرة للسلام» التي دعت إليها مصر دول العالم واستضافتها مطلع هذا الأسبوع سوى خطوة ضمن مواقف تاريخية مصرية ثابتة لرفض تصفية القضية الفلسطينية والوقوف أمام مساعٍ إسرائيلية وغربية لتهجير أهالي قطاع غزة والضفة الغربية وتصدير مشكلات الاحتلال الوجودية إلى الدولة المصرية وغيرها من دول الجوار، وهو ما كان محل إدراك للزعماء والرؤساء المصريين على مدار عقود طويلة مع توالى طرح القضية فى مناسبات عديدة، لكن جميعها أطروحات تحطمت أمام قوة الردع المصرى فى الحفاظ على السيادة الوطنية.

◄ تجميد السلام أبرز أدوات الضغط وإسرائيل لن تغامر بمعاداة الجيش المصري

◄ مصر أكدت أمام العالم بأن أمنها خط أحمر ومحاولات إسرائيل يائسة

◄ إسرائيل تسعى للتخلص من هاجس حماس وهدفها تصفية القضية

وجاءت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال القمة التى أكد خلالها أن «تصفية القضية الفلسطينية دون حل لن يحدث، وفى كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبداَ»، معبرة عن موقف مصرى لا يرتبط فقط بالحفاظ على الأمن القومي المصرى لكنه يتخطى ذلك فى سبيل الوقوف كحائط صد يمنع تجاوز حقوق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة والوصول إلى سلام شامل يضمن حل القضية الفلسطينية من جذورها.

وقبل 126 عاماً مع انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول كانت شبه جزيرة سيناء ضمن خيارات إقامة وطن قومى لليهود، لكن فى ذلك الحين جرى طرح خيارات أخرى بينها الأرجنتين وأوغندا وفلسطين، والآن يعيد الكيان الإسرائيلي هذا الطرح مرة أخرى ولكن بصورة غير مباشرة من خلال الدفع بأهالى قطاع غزة إلى سيناء ليكون بذلك مقدمة للاعتداء على السيادة المصرية.

وكذلك فى الفترة التى تلت نكبة عام 1948، رأى قادة الاحتلال الإسرائيلى بأن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل تهديداً لطابع الدولة اليهودية، وفى ذلك الحين قال ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إن «العرب يجب ألا يظلوا هنا، وسأبذل قصارى جهدى لجعل العرب فى دولة عربية»، وإن لم يذكر فى ذلك الحين سيناء بشكل مباشر وعلنى.

◄ فكرة التوطين
الاحتلال الإسرائيلي عمد أيضًا إلى ترويج فكرة توطين الفلسطينيين فى سيناء أكثر من مرة فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وبحسب لقاء صحفى مع إحدى الصحف الأمريكية، قال السادات ساخراً: «هل تقبلون أن تعطوا الصحراء الأمريكية لأى طرف يريدها؟»، والأمر تكرر أيَضاً فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى قال فى تسجيل صوتى بعد رحيله عن السلطة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عرض عليه الفكرة ووجهت أيضا برفض قوى.

وبين الحين والآخر لا تتوقف محاولات تسويق أفكار إسرائيل التى تهدف بالأساس إلى خلق بؤرة توتر فى سيناء، ففى بعض الأحيان يتم طرح فكرة إقامة منطقة أديان مشتركة هناك أو منطقة اقتصادية مشتركة أيضَا، وأخيراً ظهرت هذه الخطط فى مشروع صفقة القرن، الذى أطلقه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى عام 2020 تحت عنوان «السلام على طريق الازدهار»... ولدى إسرائيل مجموعة من الأهداف المشتركة التى تدفع نحو تصدير تلك الفكرة فى الوقت الراهن على رأسها مخاوفها التى ترتبط بالأهداف الديموغرافية مع وجود كتلة عربية صلبة فى قطاع غزة والضفة الغربية إلى جانب عدم قدرتها على مواجهة المقاومة الفلسطينية التى تحقق بين الحين والآخر نجاحات تضع الحكومة الإسرائيلية فى مأزق أمام شعبها وأمام الولايات المتحدة وداعميها الغربيين الذين يقدمون إليها كافة أشكال الدعم والمساندة..

كما أن فشل المخططات السابقة التى استهدفت الدولة المصرية وإضعافها وإدخالها فى صراعات داخلية يدفع نحو الاتجاه إلى تصدير مشكلة جديدة عبر الحدود الشرقية وهى مشكلة ستكون لديها انعكاسات صعبة من الممكن أن تدفع نحو إحياء مخططات سابقة للاعتداء على السيادة المصرية وإضعاف جيشها.

◄ ضغوط قوية
وقال الدكتور سعيد عكاشة، الخبير فى الشئون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الأخطاء التى وقعت بها الدول العربية فى عام 1948 وكذلك الضغوط القوية التى تعرضوا لها تسببت فى الخروج الكبير من فلسطين، والأمر تكرر فى أعقاب هزيمة عام 1967، مع انتقال بعض الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، وإن إسرائيل تسعى لمحاولات استغلال الخروج المتكرر للتقليل من أعداد السكان الفلسطينيين، وأشار إلى أن إسرائيل تقول إن لديها هدفا معلنا الآن وراء التهجير يتمثل فى القضاء على حركة حماس، وأن الرئيس السيسى فضح مآربهم الخفية حينما ألقى فى جعبتهم مسألة صحراء النقب وكان الهدف وراء التصريح هو تفنيد وكشف خبايا خطاب إسرائيل، لافتًا إلى أن مصر ترفض فكرة إدارة القطاع أو الاستعاضة بإدارة دولية باعتبارها حقاً أصيلا للفلسطينيين، ويمنع حل القضية الفلسطينية على أساس إقامة الدولتين..

وشدد على أن إسرائيل لن تستطيع تنفيذ ما تسعى إليه وأن ذلك يعنى أنها تعمل على تخريب معاهدة السلام ما سيؤدى إلى تجميدها، وأن مصر تدرك بأن ذلك يعد إحدى أبرز نقاط ضعف إسرائيل فى هذا التوقيت وأنها لن تغامر باتجاه تلك الخطوة، وفى تلك الحالة بدلاً من أنها ستكون فى مواجهة مع حركات مقاومة مثل الجهاد الإسلامى أو حماس ستكون فى مواجهة الجيش المصرى الذى لن تستطيع معاداته فى هذا التوقيت تحديداً، ولفت إلى أن الدليل على خفوت الفكرة فى إسرائيل الآن بعد الردود المصرية القوية أنه كان يجرى الحديث عن المخطط بشكل علنى فى أيام الحرب الأولى والآن بدأ الحديث عن تهجير أهالى غزة من الشمال إلى الجنوب، ولكن ذلك لا يعنى أن الخطر قد زال لأن ذلك يعنى اكتظاظ أكثر من 2 مليون مواطن فى منطقة جغرافية صغيرة، وسنكون بحاجة لتلافى أى مساعٍ لهروبهم من قسوة الحرب ضدهم، وذلك من خلال تكثيف الجهود الدبلوماسية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

◄ التحركات المصرية
وقال اللواء يحيى الكدواني، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بالبرلمان، إن التحركات المصرية لدعم الشعب الفلسطينى تجرى على كافة الأصعدة الدولية منذ عام 1948، وهناك تأييد ودعم مصرى كامل لاستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة التى جرى اغتصابها من قبل عصابات اليهود، وأن تبنى مصر عقد قمة دولية تستهدف الدعوة لوقف العنف وإيجاد ممر إنسانى لإدخال المساعدات يعد ضمن مساعى إجهاض مخططات تصفية القضية الفلسطينية من خلال التهجير، ورفض المساس بالسيادة المصرية على كامل التراب فى سيناء، والتأكيد على أن ذلك يعد خطا أحمر ولا يمكن بأى حال من الأحوال التفريط فى ذرة رمل مع الانفتاح المصرى الكامل على استضافة كافة الشعوب المظلومة على أراضيها دون أن يكون ذلك مقابله التنازل عن أى أراضٍ مصرية، وأشار إلى مصر تضع المسئولية كاملة أمام المجتمع الدولى، بعد أن بدا واضحًا أن هناك تجاهلا واضحا لما يقوم به الاحتلال الإسرائيلى من تصعيد وهو ما يترتب عليه انسداد الأمل فى أى حلول سلمية والتغاضى عن قرارات مجلس الأمن فى هذا الشأن ونسف نتائج مؤتمرات أوسلو ومدريد والرباعية الدولية والمبادرة العربية، وهى ممارسات تدعمها الولايات المتحدة دون النظر للحقوق المشروعة للفلسطينيين.

واعتبر أن ما تسوق له إسرائيل بشأن التهجير هو محاولة يائسة ومرفوضة شكلاً وموضوعاً، من جانب دولة متماسكة لديها شعب يتوحد خلف قيادته السياسية فى بناء توافق رافض لكافة أشكال الضغوطات، بما يترتب على ذلك من العودة إلى نقطة الصفر مجدداً فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل.

◄ الهاجس الأمني
وأكدت الدكتورة إيمان زهران، خبيرة العلاقات الدولية، أن الواقع يشير إلى أن إسرائيل تسعى للتخلص من الهاجس الأمنى لحركة حماس والعديد من فصائل المقاومة المسلحة، وبالنظر إلى البُعد الجيوسياسى للقاهرة، فدوما ما نجد توظيفات «سيناء المصرية» تحظى بالخصوصية النوعية لدى ذهنية صانع القرار الإسرائيلى، فضلا عن نقل دوائر الصراع لداخل الأراضى المصرية وضرب استقرار الدولة الوطنية، وهو السيناريو المتجدد دوما الذى يستهدف ضرب أمن واستقرار الوطن ومحاولة إعادة إنتاج نموذج الدول المأزومة، على شاكلة سوريا والعراق، وأضافت أن خريطة التحركات الميدانية، فضلا عن تطور المشهد العملياتى وتكثيف الهجمات الإسرائيلية على كافة الأهداف الحيوية بغلاف غزة ، نستطيع القول إن عملية «السيوف الحديدية» تستهدف بالأساس  تصفية القضية الفلسطينية بالمقام الأول وإعادة ترسيم جغرافية الصراع.

وتُعتبر أن ذلك يظهر بشكل واضح فى تحركات جيش الاحتلال الذى يسعى لتفريق شمال غزة عبر تكثيف هجماته فى إطار سياسيات «العقاب الجماعى» و»الإبادة الجماعية»، أو التحرك بمستوى آخر عبر الدفع بالولايات المتحدة والكتلة الغربية لممارسة ضغوطات متباينة على القيادة المصرية للقبول بسيناريو توطين أهالى غزة بسيناء المصرية، وهو الأمر المفروض تماما إذ لا يمكن المقايضة على الأمن القومى المصرى أو التفريط فى أى شبر من الأراضى المصرية، ولفتت إلى أن مصر نجحت فى تضييق الخناق على المخططات الإسرائيلية، واستطاعت تقويض ومحاصرة التمدد الإسرائيلى بأراضى سيناء المصرية وتم انتزاع أرضنا بالقوة، كذلك على المستوى السياسى، فقد خضعت إسرائيل للإملاءات المصرية شريطة إقرار السلام وإنهاء حالة الاستنفار والحرب، وبرهنت مصر على أنها دولة قوية ولا تساوم على أرضها وأمنها القومى.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة