سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الاخبار

الدنيا.. على أربع عجلات!!

الأخبار

الأحد، 12 نوفمبر 2023 - 07:18 م

سمير الجمل

السائق دائما هو الإمبراطور المسموح له بالتدخين، على أساس أنه سيادته الكابتن القائد، ومن حقه أن يقف على الطريق لكى يخطف لقمة أو كوب شاى أو قهوة، فلا داعى للمناقشة

لاحظ وهو يجلس بجوار صديقه أن غالبية الناس على الطريق ترفع الإصبع السبابة مثلما يحدث عندما تمر أمامهم جنازة، فيشهدون لله بالوحدانية وإنَّا جميعاً إليه راجعون.. اندهش من درجة الإيمان العالية التى يتمتع بها سكان مناطق الدخيلة والعجمى فى الطريق المؤدى إلى منطقة الكيلو ٢١ بالإسكندرية، وبحث عن الجنازات من حوله فلم يجدها، واعتبرها إشارة غير سعيدة، خاصة أن الناس ينظرون إلى السيارات فى ذهابها وإيابها، ولما وجد صديقه يضحك، أدرك أن المسألة فيها «إنَّ»، خاصة أن إشارات الأصابع كانت تتغير من واحد إلى آخر، فمنهم من يستخدم السبابة كأنها معلقة فى كوب من الشاى تقلبهُ، مرة وهو يرفعها إلى أعلى، وأخرى إلى أسفل، وقد يستخدم اليد كلها كأنه صانع الكنافة بتاعة زمان، إنها إشارة إلى الميدان أو الصينية فى الورديان، وعندها عرف أن كل حركة على الطريق من الأيدى الواقفة على الجانبين، معناها الذهاب إلى المكان الفلانى.

اختراع يا كُتش!!
هكذا هتف من الدهشة على طريقة غسان مطر فى إعلانه عن الحلاوة الطحينية، فعلا اختراع عندما ارتبطت بالشيكولاتة والكريمة، بعد أن عاشت زمناً وحدانية، وفى مصرنا الجميلة كم من الاختراعات، فهل جربت حضرتك مثلاً أن تأكل الكشرى بالعيش الناشف، وأن تشرب عصير القصب والعرقسوس فى كيس نايلون بداخله «شفاطة» من البلاستيك، وبذلك انضم العصير إلى مشروبات السكك الطيارى «التيك واى». اختراع يا كوتش.. فلا تتعجب من لغة الأسفلت أو قل فلسفة الأربع عجلات، التى تحمل أنواع المركبات وهى منتفخة بالهواء، وقد ظهرت فى الإسكندرية مؤخراً عجلة جديدة هى «يلا بينا»، انضمت إلى الخدمة وانتشرت من الميكروباص و«التُمناية» تلك السيارة التى تحمل سبعة من الركاب بخلاف سائقها، وما تزال رغم عملها على الطريق تحمل لوحات الملاكى، مع أنها نادراً ما تحمل هذه الصفة، وقد أنكرت أصلها اليابانى، وهى فى الثغر تقول «أيووه».. وفى القاهرة بنت بلد من إمبابة وباب الشعرية، وفى كل محافظة لها لغتها.. و«يلابينا» بعيداً عن الأسفلت يعنى خلاص وافقت واشتريت، وهى بديلة عن النداء التاريخى نفرين شبرا والأزاريطة وبحرى.. يلا بينا.

بالإشارة يركب
صاحبنا بدأ يبحث فى إشارات الطريق التى يعرفها الراكب والسائق، فإذا وضعت يدك بجوار أذنك وهى تدور، معناها «العباسية»، وهى حركة ارتبطت بصواميل المخ المفكوكة.
طيب أنت تريدها مسافة صغيرة على الطريق.. اضمم يدك واستخدم السبابة فقط إلى أسفل بانحناء بسيط وهزها كأنك بين أصابعك سيجارة وأنت تتعامل مع المنفضة أو (الطفاية)، يعنى «نازل قريب».. واعلم أن السائق سوف يقبلك إذا كانت الحالة «نايمة» والزبائن فى أيام الإجازات، لأنك حتماً سوف تفاوض فى الأجرة، على أساس أنها «حتة» من المسافة الكلية التى يدفعون عنها كامل الأجرة.
والسائق دائما هو الإمبراطور المسموح له بالتدخين، على أساس أنه سيادته الكابتن القائد، ومن حقه أن يقف على الطريق لكى يخطف لقمة أو كوب شاى أو قهوة، فلا داعى للمناقشة.. إذا حاولت أن تركب فى المقعد الأمامى ولم يعجبه شكلك سيحرمك من هذا الشرف، لأنه يفضل حاجة حلوة تفتح نفسه، والبديل أن تدفع قيمة المقعدين، وبذلك يحق لك أن تدخن مثله، خاصة إذا عزمت عليه بواحدة، على أساس أنك من الدرجة الأولى وباقى الركاب فى «الترسو».. مع أن دخانك يأخذه الهواء إلى الأنف والأذن والحنجرة، ولو أن سيادتك طالع من الشارع وستنزل إليه بعد قليل، لكنه المزاج إذا طلب، فاليذهب الجميع إلى مستشفى الصدر.
وفى مصر الركوبة إلى جانب حركات السائق ودخانه، لابد لها من كاسيت استريو له سماعات فى كل حتة من الميكروباص، وعليك أن تسمع وأنت ساكت، ويا ويلك إذا جاءت قُرعتك فى المقعد الأخير، ستشعر أنك فى صالة ديسكو بأغان غالباً من نفايات المهرجانات، أو المغنى الذى يندب حظه لأنه مجروح وشاف الويل من القريب والغريب، وكأن خوازيق الدنيا كلها لم تجد إلا سيادته.. هجره الحبيب وذاق قلة الأصل من القريب، ولا يبكى على حاله ويكتفى بذلك، بل ينصح السامع لأغانى حضرته، سواء بمزاجه أو رغم أنفه، ألا يثق فى أحد، لأن الدنيا لم تعد دنيا، والناس لم تعد كما كانت فيما مضى.. مع أن الشر «أوبشن» متوفر من بدء الخليقة مع قابيل وهابيل وقبلهما مع بابا آدم وماما حواء، عندما وسوس لهما «شوشو» بالأكل من الشجرة إياها.. لكن مع تطور الحياة، تغيَّر الشر واتخذت أساليب الشيطنة أشكالاً ومسميات أخرى، وهى فى نهاية المطاف تنويعات على نفس اللحن.

وادى القمر
أستاذنا الدكتور سيد عويس، له فى ذلك واحد من أروع الكتب عنوانه «هتاف الصامتين» رصد فيه تلك العبارات التى تجدها على ظهر التوك توك والنصف نقل والتريللا والميكروباص.. قرأ العبارات وحللها وناقشها وفسَّرها.. الجديد هنا وبعد سنوات من نشر الكتاب، وجدت أن العبارات تتطور وتتجدد مثل الذى رأيته على الطريق يصنع من السبابة والإبهام ما يشبه «الهلال» وعرفت أنه يريد الوصول إلى منطقة «وادى القمر».. وبعد ٣٠ يونيو وأفعال إخوان الشياطين، وجد أبناء منطقة ٤٥ فى الإسكندرية أنفسهم فى مأزق، فكيف يُشيرون بعلامة تدل على هذا الرقم، وأغلبهم يحمل أشياءه فى يده، ومنهن من تحمل طفلها وشنطتها.. لكن المصرى لا تغلبه مثل هذه الأمور، خاصة إذا كانت الإشارة سوف تأتى مشابهة لعلامة اللى ما يتسموا، عندما ظنوا أن دولة ميدان «رابعة» سوف تنمو وتكبر، وجاء الحل بسيطاً عبقرياً ووطنياً، افرد الكف والأصابع الأربعة، ثم حرك الإبهام، وتكون بذلك قد جمعت بين الأربعة والخمسة، بالإبهام الذى لا ينام ساكناً، لكنه يلعب كما لعب الجيش وشعبه ضد العصابة التى حاولت أن تتاجر بالدين وصولاً إلى السلطة، فلم تصل إلا إلى سجن المزرعة فى طرة، بعد أن انكشف أمرها.. والإنسان موقف، ومن يريد الذهاب إلى «الموقف» عليه أن يفرد أصابعه كلها ويرفع ذراعه إلى أعلى وأسفل واليد مضمومة الأصابع.. فى إشارة إلى علامة الوقوف، لأن ضم الأصابع وتحريكها فيما يشبه نصف دائرة، كأنك تنادى بها على أحد سيأخذك إلى أقرب كوبرى، وقد سألت أحدهم عن الإشارة التى تأخذنى إلى شارع الهرم، فإذا به يهز وسطه، وعرفت أنه أبعد ما يكون عن تلك اللغة، لأن الهرم يكفيه جداً أن تضم اليد وترفع السبابة والوسطى، فيما يُشبه علامة النصر، إذا أردت الوصول إلى الحى السابع.. وعكسها إلى أسفل تصل بك إلى الهرم، بشرط أن تكررها ثلاث مرات، واحدة لخوفو والثانية لخفرع والثالثة للعم منقرع، فإذا قصدت أرض اللواء يكفى أن تشير إلى كتفك حيث توضع رتبة اللواء.. وماذا عن ميدان الساعة؟.. بسيطة، هى إشارة إلى مكانها فى معصم اليد، مع ملاحظة أن كل الإشارات تتم باليد، حتى تُصبح فى متناول رؤية السائقين، وهم يفهمونها وهى طايرة أو راكنة.. فإذا ما وجدت الذى يأتى من الطريق العكسى يستخدم الضوء الرعاش، فإنه يحذرك من الرادار، والناس لبعضيها، وقد حاول أحد الأذكياء أن يضيف إلى تلك اللغة مصطلحاً جديداً، عندما طوَّح قدمه فى الهواء، وهو ما استفز أحد السائقين فوقف يسأله: انت رايح على فين؟.. فأجاب بكل ثقة: رايح الاستاد، مش شايفنى وأنا باشوط الهواء!!
ضحك السائق وشرح له إن هذه الإشارة يمكن استخدامها إذا أراد أن يقول عايز أروح البيت، لأنك تخرج منه بالشلوت وتدخله بالشلوت!! أما إذا كنت ترغب فى الذهاب إلى ميدان العروسة، يكفى جداً أن «تلطم الخدين»، وسيفهم السائق مقصدك فوراً، وربما يعفيك من الأجرة، إشفاقاً عليك وتضامناً معك. عبارات بمختلف السرعات
- حضرته على «الفيس».. وانا شقيان مع الفتيس!
- خريج هندزه.. وشغال على خط المنتزه.
- الحلوة من اليابان.. وانا ماحدش عارف لى عنوان!
- ما باليد حيلة.. كل اللى أقدر عليه يا جميل توصيلة!
- نعمل فردتين.. أحسن من سؤال الهانم أجيب منين؟
- الجواز ورطة.. داخل تدفع «كارتة».. خارج تدفع «كارتة»!
- أمى «رخصتى».. ودعوتها فى الكمين «واسطتى»!
- هى بس تاخذ الترخيص.. وكل جمعة قبله خميس!
- مدرسة المهرجانات.. مش بتاعة شهادات!
- طلبونى فى المرور.. قلت لهم معذور!
- ماشى على أربع عجلات.. وافهم كويس فى شغل الحموات!!
- أحب الحكمدار.. بس أعدى من الرادار!
- اطلع على اليوتيوب.. وتانى يوم «أتوب»!
- فى الشارع ماشى على تسعين.. وفى البيت ماشى على العجين!


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة