طه‭ ‬حسين
طه‭ ‬حسين


محمد خلف يكتب : طه‭ ‬حسين‭ ‬والصحابة

أخبار الأدب

الإثنين، 13 نوفمبر 2023 - 01:04 م

قصة‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬مع‭ ‬الصحابة‭ ‬‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تروى‭ ‬وأن‭ ‬تسجل،‭ ‬لأنها‭ ‬قصة‭ ‬الحب‭ ‬الخالص‭ ‬لهم،‭ ‬والإيمان‭ ‬الصادق‭ ‬بهم،‭ ‬والتقدير‭ ‬لأعمالهم‭ ‬والتعظيم‭ ‬لشأنهم،‭ ‬فلقد‭ ‬أحيا‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربى‭ ‬سيرتهم،‭ ‬وتعقب-بكل‭ ‬حب‭ ‬وتقدير-‭ ‬مواقفهم‭ ‬وأعمالهم‭ ‬فى‭ ‬السراء‭ ‬والضراء،‭ ‬ورصد‭ ‬وسجل‭ ‬وحلل‭ ‬سيرتهم،‭ ‬كأديب‭ ‬ومفكر‭ ‬ومؤرخ،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬رؤيته‭ ‬وأسلوبه‭ ‬اللذان‭ ‬تميز‭ ‬بهما‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬وكتب‭ ‬قبله‭. ‬وقد‭ ‬تميز‭ ‬عرضه‭ ‬بالشمول،‭ ‬فقد‭ ‬عرض‭ ‬لسيرتهم‭ ‬أثناء‭ ‬كفاحهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التمكين‭ ‬للإسلام‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬نشر‭ ‬الدعوة،‭ ‬وحين‭ ‬البأساء‭ ‬والضراء‭ ‬عندما‭ ‬عمت‭ ‬الفتنة‭ ‬وانتشرت‭ ‬البلوى،‭ ‬فلقد‭ ‬كان‭ ‬معهم‭ ‬حينما‭ ‬صعد‭ ‬نجمهم،‭ ‬ولمع‭ ‬مجدهم‭ ‬وكانت‭ ‬بطولاتهم‭ ‬ومفاخرهم‭ ‬تتوالى‭ ‬وتتكاثر‭ ‬حتى‭ ‬لتكاد‭ ‬أن‭ ‬تستعصى‭ ‬على‭ ‬الحصر،‭ ‬ولم‭ ‬يتركهم‭ ‬حين‭ ‬مال‭ ‬الدهر‭ ‬عليهم،‭ ‬وكشر‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬أنيابه،‭ ‬وفرق‭ ‬بينهم،‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يسلبهم‭ ‬مجدهم‭.. ‬كان‭ ‬معهم‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الدنيا‭ ‬تتهافت‭ ‬عليهم‭ ‬وتتقرب‭ ‬إليهم‭ ‬وتخطب‭ ‬ودهم،‭ ‬وهم‭ ‬فى‭ ‬زهد‭ ‬منها‭ ‬وإعراض‭ ‬عنها،‭ ‬وكان‭ ‬معهم‭ ‬حين‭ ‬تخلت‭ ‬عنهم،‭ ‬وتآمرت‭ ‬عليهم‭ ‬وقلبت‭ ‬لهم‭ ‬ظهر‭ ‬المِجَنّ‭.. ‬فصور‭ ‬حياتهم‭ ‬حين‭ ‬اُمتحنوا‭ ‬فى‭ ‬دينهم،‭ ‬وصورها‭ ‬أيضا‭ ‬حين‭ ‬اُمتحنوا‭ ‬فى‭ ‬دنياهم،‭ ‬فأبدع‭ ‬التصوير‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬وفى‭ ‬تلك‭. ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬«على‭ ‬هامش‭ ‬السيرة»‭ ‬و«الوعد‭ ‬الحق»‭ ‬و«الشيخان»‭ ‬مبينا‭ ‬أعظم‭ ‬أعمالهم‭ ‬وأكبر‭ ‬إنجازاتهم،‭ ‬وكتب‭ ‬أيضا‭ ‬«الفتنة‭ ‬الكبرى»،‭ ‬شارحا‭ ‬أسباب‭ ‬ومبررات‭ ‬اشتعال‭ ‬الخصومة‭ ‬بينهم‭ ‬فيما‭ ‬ألم‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬الفتنة‭ ‬ونزل‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬الشدة،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬فكتب‭ ‬«مرآة‭ ‬الإسلام»‭ ‬موجزا‭ ‬وملخصا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬عنهم‭. ‬

واسمع‭ ‬معى‭ ‬عزيزى‭ ‬القارئ‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربى‭ ‬فى‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابه‭ ‬«الشيخان»،‭ ‬لتقف‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬الحب‭ ‬والإيمان‭ ‬الذى‭ ‬ملأ‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬نحو‭ ‬أبى‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنهما،‭ ‬يقول‭ ‬-رحمه‭ ‬الله-:‭ ‬«هذا‭ ‬حديث‭ ‬موجز‭ ‬عن‭ ‬الشيخين:‭ ‬أبى‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‭ ‬رحمهما‭ ‬الله،‭ ‬وما‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬فيه‭ ‬جديد‭ ‬لم‭ ‬أسبق‭ ‬إليه،‭ ‬فما‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬القدماء‭ ‬والمحدثون‭ ‬عنهما!‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬المستشرقون‭ ‬عنهما‭ ‬أيضا،‭ ‬وأولئك‭ ‬وهؤلاء‭ ‬جدوا‭ ‬فى‭ ‬البحث‭ ‬والاستقصاء‭ ‬ما‭ ‬أتيحت‭ ‬لهم‭ ‬وسائل‭ ‬البحث‭ ‬والاستقصاء،‭ ‬وأولئك‭ ‬وهؤلاء‭ ‬قد‭ ‬قالوا‭ ‬عن‭ ‬الشيخين‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭.‬
ولو‭ ‬أنى‭ ‬أطعت‭ ‬ما‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لما‭ ‬أخذت‭ ‬فى‭ ‬إملاء‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬الذى‭ ‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معادا،‭ ‬ولكنى‭ ‬أجد‭ ‬نفسى‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬لهما‭ ‬والبر‭ ‬بهما‭ ‬ما‭ ‬يغرينى‭ ‬بالمشاركة‭ ‬فى‭ ‬الحديث‭ ‬عنهما،‭ ‬وقد‭ ‬رأيتنى‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فى‭ ‬غير‭ ‬موضع،‭ ‬وتحدثت‭ ‬عن‭ ‬عثمان‭ ‬وعلى‭ ‬رحمهما‭ ‬الله،‭ ‬ولم‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬الشيخين‭ ‬حديثا‭ ‬خاصا‭ ‬بهما‭ ‬مقصورا‭ ‬عليهما‭.‬

وأجد‭ ‬فى‭ ‬نفسى‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬شعورا‭ ‬بالتقصير‭ ‬فى‭ ‬ذاتيهما،‭ ‬كما‭ ‬أجد‭ ‬فى‭ ‬ضميرى‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬اللوم‭ ‬اللاذع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التقصير»‭. ‬«الشيخان-ص٧»
وقبل‭ ‬كتابة‭ ‬«الشيخان»‭ ‬بنحو‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬تقريبا‭ ‬كتب‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬«على‭ ‬هامش‭ ‬السيرة»‭ ‬وجاء‭ ‬فى‭ ‬مقدمته:‭ ‬«هذه‭ ‬صحف‭ ‬لم‭ ‬تكتب‭ ‬للعلماء‭ ‬ولا‭ ‬للمؤرخين،‭ ‬لأنى‭ ‬لم‭ ‬أرد‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬العلم،‭ ‬ولم‭ ‬أقصد‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭. ‬وإنما‭ ‬هى‭ ‬صورة‭ ‬عرضت‭ ‬لى‭ ‬أثناء‭ ‬قراءتى‭ ‬للسيرة‭ ‬فأثبتها‭ ‬مسرعا‭..‬»‭. ‬ثم‭ ‬يستطرد‭ ‬فى‭ ‬الكلام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقول:‭ ‬«إلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬من‭ ‬إحياء‭ ‬الأدب‭ ‬القديم،‭ ‬ومن‭ ‬إحياء‭ ‬ذكر‭ ‬العرب‭ ‬الأولين،‭ ‬قصدت‭ ‬حين‭ ‬أمليت‭ ‬فصول‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬ولست‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أخدع‭ ‬القراء‭ ‬عن‭ ‬نفسى‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬الكتاب،‭ ‬فإنى‭ ‬لم‭ ‬أفكر‭ ‬فيه‭ ‬تفكيرا،‭ ‬ولا‭ ‬قدرته‭ ‬تقديرا،‭ ‬ولا‭ ‬تعمدت‭ ‬تأليفه‭ ‬وتصنيعه‭ ‬كما‭ ‬يتعمد‭ ‬المؤلفون،‭ ‬إنما‭ ‬دُفعت‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬دفعا،‭ ‬وأُكرهت‭ ‬عليه‭ ‬إكراها،‭ ‬ورأيتنى‭ ‬أقرأ‭ ‬السيرة‭ ‬فتمتلئ‭ ‬بها‭ ‬نفسى،‭ ‬ويفيض‭ ‬بها‭ ‬قلبى،‭ ‬وينطلق‭ ‬بها‭ ‬لسانى،‭ ‬وإذا‭ ‬أنا‭ ‬أملى‭ ‬هذه‭ ‬الفصول،‭ ‬وفصولا‭ ‬أخرى‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تنشر‭ ‬بعد‭ ‬حين»‭. ‬

فعميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربى‭ ‬يكتب‭ ‬إذن‭ ‬إشباعا‭ ‬لعاطفة‭ ‬الحب‭ ‬للصحابة‭ ‬لا‭ ‬تحقيقا‭ ‬للتاريخ،‭ ‬وهى‭ ‬إذن‭ ‬كتابة‭ ‬المحب‭ ‬للمحبوب‭ ‬لا‭ ‬كتابة‭ ‬المؤرخ‭ ‬للتاريخ،‭ ‬هى‭ ‬عاطفة‭ ‬الحب‭ ‬القوية‭ ‬كالموج‭ ‬العاصف‭ ‬دفعته‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬لا‭ ‬فضول‭ ‬العالم‭ ‬ورغبته‭ ‬فى‭ ‬المعرفة‭ ‬والبحث‭ ‬والتحقيق‭. ‬

وفى‭ ‬عام‭ ١٩٤٧ ‬يبدأ‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬أحلك‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬فترات‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامى،‭ ‬فيتناول‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬«الفتنة‭ ‬الكبرى»‭ ‬الصحابة‭ ‬ويصور‭ ‬لنا‭ ‬حالهم‭ ‬ومواقفهم‭ ‬حين‭ ‬أظلهم‭ ‬زمان‭ ‬الفتنة،‭ ‬فيقول:‭ ‬«وأنا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬[قضية‭ ‬الفتنة‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬عثمان‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه]‭ ‬نظرة‭ ‬خالصة‭ ‬مجردة،‭ ‬لا‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬عاطفة‭ ‬ولا‭ ‬هوى،‭ ‬ولا‭ ‬تتأثر‭ ‬بالإيمان‭ ‬ولا‭ ‬بالدين،‭ ‬وإنما‭ ‬هى‭ ‬نظرة‭ ‬المؤرخ‭ ‬الذى‭ ‬يجرد‭ ‬نفسه‭ ‬تجريدا‭ ‬كاملا‭ ‬من‭ ‬النزعات‭ ‬والعواطف‭ ‬والأهواء،‭ ‬مهما‭ ‬تختلف‭ ‬مظاهرها‭ ‬ومصادرها‭ ‬وغاياتها»‭. ‬[الفتنة‭ ‬الكبرى،‭ ‬ج1‭ ‬ص‭ ‬8]‭ ‬فهل‭ ‬تجرد‭ ‬العميد‭ ‬فى‭ ‬تناوله‭ ‬لمواقف‭ ‬الصحابة‭ ‬من‭ ‬العاطفة،‭ ‬ولم‭ ‬يتأثر‭ ‬بالإيمان‭ ‬حين‭ ‬عرض‭ ‬لأحداث‭ ‬هذه‭ ‬الفتنة؟‭ ‬

الحق‭ ‬أن‭ ‬العميد‭ ‬وإن‭ ‬أعمل‭ ‬عقله‭ ‬واستعمل‭ ‬المنهج‭ ‬العلمى‭ ‬فى‭ ‬تناوله‭ ‬للأحداث‭ ‬كمؤرخ،‭ ‬وحقق‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬نجاحا‭ ‬مبهرا‭ ‬فى‭ ‬العرض‭ ‬والتحليل،‭ ‬فإن‭ ‬عاطفة‭ ‬حب‭ ‬الصحابة‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تتخل‭ ‬عنه‭ ‬ولم‭ ‬تتركه‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬أثناء‭ ‬كتابته،‭ ‬ولم‭ ‬تُنقص‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬إيمانه‭ ‬بهم‭ ‬وتقديره‭ ‬لهم‭ ‬شيئا،‭ ‬ويبدو‭ ‬ذلك‭ ‬جليا‭ ‬حين‭ ‬نراه‭ ‬يلقى‭ ‬باللائمة‭ ‬فيما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأحداث‭ ‬على‭ ‬الظروف،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬قوله:‭ ‬«وسيرى‭ ‬الذين‭ ‬يقرءون‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬أجل‭ ‬من‭ ‬عثمان‭ ‬وعلى‭ ‬وممن‭ ‬شايعهما‭ ‬وقام‭ ‬من‭ ‬دونهما‭ ‬وأن‭ ‬غير‭ ‬عثمان‭ ‬لو‭ ‬ولى‭ ‬خلافة‭ ‬المسلمين‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬التى‭ ‬وليها‭ ‬فيها‭ ‬عثمان‭ ‬لتعرض‭ ‬لمثل‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬المحن‭ ‬والفتن،‭ ‬ومن‭ ‬اختصام‭ ‬الناس‭ ‬حوله‭ ‬واقتتالهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬فيه»‭. ‬[الفتنة‭ ‬الكبرى،‭ ‬ج١ ‬ص‭ ٨ ‬وفى‭ ‬عام‭ ١٩٥٠ ‬يصدر‭ ‬كتابه‭ ‬«الوعد‭ ‬الحق»‭ ‬ليأخذنا‭ ‬فى‭ ‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬طائفة‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الصحابة،‭ ‬كعمار‭ ‬بن‭ ‬ياسر‭ ‬وأبويه‭ ‬ياسر‭ ‬بن‭ ‬عامر‭ ‬وسمية‭ ‬(أول‭ ‬شهيدين‭ ‬فى‭ ‬الإسلام)‭ ‬وصهيب‭ ‬الرومى‭ ‬وبلال‭ ‬بن‭ ‬رباح‭ ‬وسالم‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬حذيفة،‭ ‬وعبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬مسعود،‭ ‬وخباب‭ ‬بن‭ ‬الأرت‭ ‬وغيرهم،‭ ‬ليبين‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬بدأت‭ ‬حياتهم‭ ‬عبيدا‭ ‬مستضعفين‭ ‬وكيف‭ ‬احتملوا‭ ‬ألوانا‭ ‬من‭ ‬الذل‭ ‬والتعذيب‭ ‬والتنكيل‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬الإسلام،‭ ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬نصرهم‭ ‬الإسلام‭ ‬وأعزهم‭ ‬فأصبحوا‭ ‬هم‭ ‬سادة‭ ‬القوم‭ ‬وأولى‭ ‬الأمر،‭ ‬وكانت‭ ‬آخر‭ ‬كلماته‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب:‭ ‬«صدق‭ ‬الله‭ ‬وعده‭ ‬لقد‭ ‬أورث‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستضعفين‭ ‬أرضه،‭ ‬وأدال‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬قيصر‭ ‬وكسرى‭ ‬وجعلهم‭ ‬أئمة‭ ‬للناس‭ ‬ما‭ ‬عاشوا،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬اختارهم‭ ‬لجواره،‭ ‬وآثرهم‭ ‬بنعيمه‭ ‬جعل‭ ‬ذكرهم‭ ‬خالدا،‭ ‬وسيرتهم‭ ‬رضا،‭ ‬وحياتهم‭ ‬قدوة‭ ‬صالحة‭ ‬وأسوة‭ ‬حسنة،‭ ‬فهم‭ ‬أئمة‭ ‬للمسلمين‭ ‬حتى‭ ‬يرث‭ ‬لله‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها»‭. ‬[

الوعد‭ ‬الحق‭ ‬‭ ‬ص‭ ١١٥  ‬
وفى‭ ‬عام‭ ١٩٦٠ ‬يعود‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬فيصدر‭ ‬كتابه‭ ‬«مرآة‭ ‬الإسلام»‭ ‬ليلخص‭ ‬فيه‭ ‬قصة‭ ‬الإسلام،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬إعجاز‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإعجاز‭ ‬باستفاضة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قال:‭ ‬«وقد‭ ‬ألفت‭ ‬كتباً‭ ‬قديمة‭ ‬وحديثة‭ ‬فى‭ ‬إعجاز‭ ‬القرآن،‭ ‬ولكنها‭ ‬على‭ ‬كثرتها‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬فى‭ ‬إعجازه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال؛‭ ‬لأنه‭ ‬أروع‭ ‬روعة‭ ‬وأبهر‭ ‬جمالا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستنفد‭ ‬فيه‭ ‬القول»‭. ‬[ص‭ ‬-‭ ٨٠ ‬ثم‭ ‬يختتم‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬بقوله:‭ ‬«وقد‭ ‬عرضت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬صورة‭ ‬إن‭ ‬تكن‭ ‬شديدة‭ ‬الإيجاز،‭ ‬فإنها‭ ‬شديدة‭ ‬الوضوح‭ ‬لحياة‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وأصحابه‭ ‬رحمهم‭ ‬الله‭. ‬
وواضح‭ ‬جلى‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬العميد‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬ضرورة‭ ‬إحياء‭ ‬السيرة‭ ‬وإعادة‭ ‬قراءتها،‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬فى‭ ‬ثوب‭ ‬عصرى‭ ‬حديث،‭ ‬كما‭ ‬يتمثلون‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الأوائل‭ ‬فى‭ ‬أخلاقهم‭ ‬وأعمالهم،‭ ‬ويقتدون‭ ‬بهم،‭ ‬حتى‭ ‬تنهض‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬كبوتها‭ ‬وتسترد‭ ‬عافيتها‭ ‬وتسترجع‭ ‬مجدها‭ ‬القديم‭. ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬«مدرسة‭ ‬الأزواج»:‭ ‬«فعمر‭ ‬فيما‭ ‬نعتقد‭ ‬أعظم‭ ‬شخصية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬على‭ ‬الشباب‭ ‬لأنهم‭ ‬يجدون‭ ‬فيه‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬يجدوا‭ ‬من‭ ‬المثل‭ ‬التى‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬يطيلوا‭ ‬النظر‭ ‬إليها،‭ ‬والتفكير‭ ‬فيها،‭ ‬والتأثر‭ ‬لها؛‭ ‬لعلهم‭ ‬يرقون‭ ‬إليها‭ ‬شيئا»‭. ‬[كتاب‭ ‬«مدرسة‭ ‬الأزواج»‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬–‭ ‬ص‭ ١٠ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬مشروع‭ ‬علمى‭ ‬لنقل‭ ‬السيرة‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬بعامة‭ ‬والشباب‭ ‬بخاصة‭. ‬ولقد‭ ‬أدى‭ ‬العميد‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬بل‭ ‬أداها‭ ‬وبرع‭ ‬فيها‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يؤدها‭ ‬ويبرع‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المحسوبين‭ ‬على‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية‭.‬

اقرأ أيضا| حفيد طه حسين يكشف أسرار جديدة عن عميد الأدب العربي مع منى الشاذلي

وبعد،‭ ‬فهذا‭ ‬حديث‭ ‬موجز،‭ ‬آثرت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أغلبه‭ ‬من‭ ‬لسان‭ ‬المُتحدَث‭ ‬عنه‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬لسانى،‭ ‬ومن‭ ‬عقله‭ ‬وقلبه‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬عقلى‭ ‬وقلبى،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬أبيَّن‭ ‬وأقطع‭ ‬وأبلغ‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬الغاية‭.. ‬وإن‭ ‬من‭ ‬الحق،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أحق‭ ‬الحق‭ ‬أن‭ ‬نخلص‭ ‬فى‭ ‬ختام‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربى‭ ‬حين‭ ‬خاض‭ ‬فى‭ ‬سيرة‭ ‬الإسلام‭ ‬وسيرة‭ ‬رجاله‭ ‬الأوائل‭ ‬كان‭ ‬متسلحاً‭ ‬بإيمان‭ ‬صادق‭ ‬لا‭ ‬يخالطه‭ ‬أدنى‭ ‬شك،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الإيمان‭ ‬لم‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬استعمال‭ ‬أدوات‭ ‬البحث‭ ‬العلمى،‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬الروايات‭ ‬وتحليل‭ ‬الأحداث،‭ ‬وتنقيتها‭ ‬مما‭ ‬علق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الشوائب،‭ ‬والتمييز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جدير‭ ‬بالاعتبار‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مستحق‭ ‬للإنكار‭. ‬لقد‭ ‬عاش‭ ‬مع‭ ‬الصحابة‭ ‬ودمج‭ ‬حياته‭ ‬فى‭ ‬حياتهم،‭ ‬ونفذ‭ ‬إلى‭ ‬أدق‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬فملأ‭ ‬عقله‭ ‬ووجدانه‭ ‬وروحه‭ ‬منها،‭ ‬ثم‭ ‬أخذ‭ ‬يملى‭ ‬حديث‭ ‬المؤمن‭ ‬الفطن،‭ ‬وانطلق‭ ‬يقص‭ ‬ويحكى‭ ‬لنا‭ ‬عنهم‭ ‬بقلمه‭ ‬الساحر،‭ ‬وبيانه‭ ‬الرائع،‭ ‬وكله‭ ‬رغبة‭ ‬وإرادة‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬لهم‭ ‬مثلما‭ ‬قرأ،‭ ‬ونحبهم‭ ‬كما‭ ‬أحبهم،‭ ‬ونؤمن‭ ‬بهم‭ ‬كما‭ ‬آمن‭. ‬ولسنا‭ ‬ندرى‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬هل‭ ‬غلب‭ ‬عقله-حين‭ ‬استعرض‭ ‬السيرة-‭ ‬إيمانه‭ ‬أم‭ ‬غلب‭ ‬إيمانه‭ ‬عقله؛‭ ‬ولكن‭ ‬المحقق‭ ‬عندنا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬صادقا‭ ‬وأمينا‭ ‬ومخلصا‭ ‬للدين‭ ‬وللعلم‭ ‬معا‭.‬
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة