علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

ذاكرة قلوب كالحجارة.. بل أشد قسوة!

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023 - 08:08 م

«هل يتصور نصف عاقل أن منطق الأسطورة المتسربل فى نصوص ملفقة، لا يمكن أن تمت للقداسة بصلة، يتحول إلى مخطط يسعى المتطرفون الصهاينة لفرضه؟!»

هل يتذكر القلب؟

 نعم.. بل يفكر، ويشعر، ويعقل!

دائما ما كانت تجذبنى فكرة أن القلب ليس مجرد مضخة دم هائلة، ولعل أكثر ما زاد يقينى بذلك تلك الإشارات القرآنية التى تؤكد هذا اليقين.
ثمة آيات عدة تكشف حقيقة ما يقوم به القلب من مهام، فضلا عن العلاقة الوطيدة بين القلب والدماغ، فالأول يفهم العالم من حوله، قبل الثانى، ومن ثم فإنه الأكثر نفوذا وتأثيرا!

ثم يأتى العلم بأحدث نظرياته مؤكدا تلك الحقيقة.

تداعت هذه الأفكار أثناء تلاوتى للآية الكريمة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

اقترن التأمل فى الآية التى وصفت اليهود، وصفا دقيقا، مع توالى المشاهد المأساوية التى تدمى من هم أكثر قسوة من الحجارة، مستهدفة غزة بأطفالها ونسائها وشيوخها، بمستشفياتها وملاجئها، بكل ما فيه حياة، أو تدب فيه روح، بلا شفقة أو رحمة، ولو فى أدنى حدودها، التى تسكن قلب الحيوانات العجماء، لكن نقمة الله على اليهود حرمتهم منها.

هكذا وصمت الآية الكريمة قلوب اليهود التى غلظت وتصلبت، لينتظرهم الويل، لأن الله ليس بغافل عن أعمالهم، وسيؤدبهم بألوان النقم، وإن تأخر الجزاء العادل إلى حين.

ولأن أبحاثاً علمية حديثة توصلت إلى أن للقلب طاقة خاصة، تؤهله لتخزين المعلومات، وكذا معالجتها، من ثم فإن الذاكرة لا يختص بها الدماغ فحسب، وإنما يكون القلب محركاً لها، ومشرفاً عليها!

فى هذا القلب الذى يخزن، ويحرك، ويشرف، ماذا يكون عليه الحال إن كان يورث ذاكرة لا تعرف إلا الغل والحقد والكراهية، وتعشق الدم المسفوح، والخراب والفساد بلاحدود؟!

ألا يضىء ما نذهب إليه جانباً معتماً لجوانب شخصية من يملكون مفاتيح القرار فى الكيان الصهيونى؟

من الأحق بهذا الوصف؟

من الذاكرة الجمعية لأى تكوينة بشرية، ولا أقول أمة لأنهم لا يشكلون أمة بالمعنى العلمى للكلمة، هناك سمات وذكريات تتوارثها الأجيال، فإذا بحثنا عنها فى الكيان الصهيونى، فسوف نجد ضالتنا التى تفسر ليس فقط ما يدور الآن فى غزة وإنما قبل ذلك بعقود ما وقع من مذابح ومآسٍ كانت المقدمات السابقة على قيام هذا الكيان، ثم قبلها بقرون عديدة كانت تجد لها المبرر والحيثيات فى الشريعة اليهودية، التى تثمن معتنقيها فوق كل الأجناس الأخرى، فهم شعب الله المختار، بل إن دماء غير اليهود على اليهود حلال! هكذا استباحوا دماء «الآخر»!

ما الغريب- فى ضوء ذلك- فيما نراه من هؤلاء على مدى تاريخهم الدموى الأسود، فى اللحظة الراهنة التى تشف عن طبيعة قاسية، هى نتاج قلوب أشد قسوة من الحجارة؟

 إنها ذاكرة القلوب المتحجرة حين تنشط!

ما الذى يستدعى الدهشة حين يصف الإرهابيون الذين يتماهون زيفاً فى مواقع رجال الدولة، ضحاياهم من العزل بأنهم «حيوانات بشرية»؟!  بالذمة من الأحق بهذا الوصف؟

إذا بحثت عن الغطاء المقدس الذى يلتحفون به، فسرعان ما يسعفهم من شريعتهم المحرفة؛ ان جميع غير اليهود فى مرتبة الحيوانات: «اولئك الذين تشبه جلودهم جلود الحمير»! أى قداسة لهذا الهراء؟!

بالقطع ليس ما يمثل مرجعية يضفون عليها القداسة، هى من الوحى الذى تلقاه موسى عليه السلام، ولكنه ما تبنوه من قصص واردة فى أسفار محرفة، يكفى أنها تصور رب اليهود «يهوه» فى صورة «إله حرب»!

 وصية تخاصم الأخلاق!

ما نراه على الهواء مباشرة فى غزة على بشاعته ومأساويته لا يمثل لى صدمة!

مرة أخري؛ فإن ذاكرة القلوب القاسية تقدم تفسيراً يتسق مع عقيدتهم الفاسدة، إذ إن ربهم؛ «رب الجنود» يمهد لهم السبل لتحقيق مآربهم فى الغزو والاحتلال وطرد أصحاب الأرض بل وقتلهم!

هل يتصور نصف عاقل، أن يوصى ربهم نبيه موسى بوصية تخاصم أى أخلاقيات: «وحين تقرب مدينة لكى تحاربها استدعها للصلح، فإن اجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير ويُستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما فى المدينة، كل غنيمتها فتغنمها لنفسك وتأكل غنيمة اعدائك التى أعطاها الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التى ليست من مدن هذه الأمم هنا، وأما مدن هذه الشعوب التى يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما»!
هل بعد قراءة نص كهذا ما يدعو لاستغراب القصف الوحشى ليل نهار، لكل بقعة فى غزة، أو استهداف من يخرجون من شمالها قاصدين الجنوب، بعد أن تحركوا بناء على تهديدات تدعوهم للنفاد بحياتهم إن تركوا الشمال؟!

 قسوة بلا سقف أو حدود

ذاكرة القلوب التى تحجرت من القسوة، تحفظ عن ظهر قلب نصوصاً ما أنزل الله بها من سلطان، لتمثل مصدر وحى قادة الإرهاب الصهيونى، باعتبارها شريعة مقدسة، تضمن بسط سيطرتهم على كل فلسطين، فكل جريمة مهما كانت بشاعتها ودمويتها، وأعداد لضحايا بلا حصر، تلك الجرائم تصبح شرعية، وقانونية من أجل تحقيق ما يزعمون أنه «وعد الرب»!

ما ذكرته ليس سوى نموذج لنصوص عديدة مشابهة، تم جمعها فى سفر التثنية فى «العهد القديم»، ترسم أسلوب الاستيلاء على المدن، والتعامل مع أهلها، وتمنح العصابة الصهيونية حق سحق وإبادة سائر البشر، وليس أهل فلسطين، أو العرب وحدهم، بمنتهى العنف والوحشية، وقسوة بلا سقف أو حدود!
مرة أخرى، هل يتصور نصف عاقل أن منطق الاسطورة المتسربل فى نصوص ملفقة، لا يمكن أن تمت للقداسة بصلة، يتحول إلى مخطط يسعى المتطرفون الصهاينة لفرضه؟!

الحرب المسعورة التى نرى جحيمها المصبوب فوق غزة، بل امتد إلى الضفة الغربية، هدفها واضح تماماً، تحركه ذاكرة القلوب القاسية بأشد من الحجارة، إذ إن طرد جميع الفلسطينيين، وفرض التهجير القسرى، خيارهم الحتمى لإقامة الدولة اليهودية الخالصة، وظهور الفلسطينى، أو استمراره فوق وطنه، يفضح الاسطورة الصهيونية التى تزعم أن أرض فلسطين بلا شعب، وأنها على موعد مع سكانها المقدسيين منذ آلاف السنين!!

إنهم يقتلون الناس جميعاً

عندما تهيمن ذاكرة قلوب كالحجارة، فإن فعل القتل الوحشى يصبح طقساً اعتيادياً، بل تتحول كل أفعال العدوان الهمجى إلى مبادرة هدفها الحفاظ على الحضارة والتحضر!

لا أسخف ولا أحط من أن يسعى القاتل المحترف بدم بارد- إذا كان ما يجرى فى عروقه دم- لأن يفرض على كل من يتابع جرائمه المتواصلة الاقتناع بأنه الضحية، وأن ضحاياه هم من اقترفوا الآثام!

مجرم الحرب نتنياهو هو وعصابته يخرجون على العالم، بمنتهى التبجح، ليروجوا لهذا الهراء، كستار لاستمرار حرب إبادة صريحة، الاسلحة المحرمة دولياً تستخدم فيها بتوحش جامح، ما دام من منحهم إياها يوفر لهم الحماية، والمناصرة التامة، ويبعد عنهم شبح الحساب وفق القانون الدولى.

ولا يسعفنى هنا سوى آية من الذكر الحكيم فى سورة المائدة : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).

النص صريح واضح الدلالة، فقتل النفس الواحدة كقتل الجميع فى استجلاب غضب الله. فما بال قتل الآلاف، وبينهم الأطفال والنساء والعجائز والمرضى دون تمييز، أو جرم يستدعى القصاص؟

الآية نزلت بحق بنى اسرائيل لانهم اعتادوا قتل النفس بغيرالحق، فحسب، بل اجترأوا على قتل انبيائهم، فماذا ننتظر من قتلة الانبياء؟
اصحاب ذاكرة قلوب كالحجارة، يبدو أن چيناتهم تحمل هى أيضاً ذاكرة لا تسجل شفرتها، إلا البغى والعدوان والتعطش الدائم لسفك الدم وانتهاك الحرمات.
هل نغالى إذا ذهبنا إلى أن الصهاينة الذين يخاصمون التحضر بكل معانيه، ويسبحون فى مستنقع العنصرية الهمجية، لن يتورعوا عن قتل الناس جميعاً إن هم استطاعوا؟!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة