صالح الصالحى
صالح الصالحى


وحى القلم

صرخة أم

صالح الصالحي

الأربعاء، 15 نوفمبر 2023 - 09:38 م

أمام صراخ وبكاء أطفالها المتواصل من الجوع والعطش، لم تجد السيدة الغزاوية بدا من أن تترك أطفالها الثلاثة وحدهم فى المنزل وتخرج بحثا عن طعام ومياه يسد جوعهم ويسكتهم حتى ولو لفترة.. ولم لا فالمنزل بدون نقطة مياه واحدة أو كهرباء أو غاز ولا يوجد حتى كسرة الخبز.. ذهبت تهرول فى الشارع تبحث فى كل مكان واتجاه، تسأل عن المعونات وأماكن توزيعها.. وأخيرا وبعد معاناة وجدت ضالتها، استطاعت أن تحصل على القليل من الطعام والمياه.. حمدت ربها.. حملت المؤن، وأسرعت للعودة إلى أطفالها لتقدم لهم ما يسد جوعهم ويسكتهم. وفور أن وصلت إلى أول الشارع الذى تسكن فيه، وجهت نظرها إلى منزلها، وكأنها تريد أن تبعث برسالة إلى أطفالها، أنا وصلت ومعى الطعام والشراب.. إذا بها لا تجد المنزل، تشاهد كومة من الحطام.. لم تصدق نفسها.. فركت عينيها بيديها.. أسرعت وقعت على الأرض، نهضت وفور وصولها أخبرها الجيران أن المنزل تم استهدافه بصاروخ من قوات الاحتلال الإسرائيلى وتهدم كله.. صرخت بأعلى صوت أطفالي.. قذفت ما بيدها من مؤن مرددة أبنائى.. أين أبنائى؟!. وأخذت تحفر فى الانقاض بيديها لعلها تجد أطفالها.. تهرول هنا وهناك فى جنون.. تنادى على أبنائها بأسمائهم لعلهم يردون عليها وتسمع من أحدهم ماما أنا هنا.. وبعد فترة سمعت صراخا وبكاء يأتى من تحت الانقاض، هرولت إليه كالمجنونة.. أخذت تهيل التراب وحطام المنزل حتى وصلت إلى مصدر الصوت.. طفل صغير غطى الدمار والدماء وجهه تماما.. مسحت عن وجهه آثار الدمار، وازالت الدماء لتجده أحد أبنائها.. حملته بين ذراعيها وضمته إلى صدرها.. أخذت تبحث عن سيارة اسعاف ولم تجد فجميعها معطل بفعل فاعل.. أسرعت نحو المستشفى.. وإذا بها تجده مهدما لقد ناله ما نال المنزل من دمار.. ذهبت إلى غيره، انقذوا ابنى.. تجد الأطباء فى الشارع، فالمستشفى متوقف عن العمل لا معدات ولا أدوات ولا أدوية.. حمل الأطباء ابنها من بين ذراعيها محاولين انقاذه، ولكن فجأة سكت صوته.. لقد فارق الحياة، أخبروها بموت ابنها.. حملته وأخذت تهز جسده النحيل بعنف لا ترحل وتتركنى.. أين أخوتك؟!. حملت ابنها وعادت مسرعة إلى حطام المنزل.. وضعت طفلها المتوفى بجوارها، وأخذت تبحث عن طفليها الآخرين.. ولكنها وجدتهما جثتين.. وضعت جثث أطفالها الثلاثة أمامها.. وأخذت فى العويل والصراخ والبكاء.. لا تتركونى، ما ذنبكم، لا يوجد من يستطيع أن يوقف هذه المجازر، من يوقف قتل الأطفال.. صرخت بأعلى صوت «يا عالم انقذونا من عدو لا يعرف الرحمة ولا الإنسانية» وأخذت تردد «يارتنى لم أتركهم.. يا رتنى كنت مت معهم».. أصاب السيدة الجنون على فراق ابنائها وهم جوعى وعطشى.. وفى هذه اللحظة إذا بصوت يأتى من بعيد، صوت طفل يبحث عن أمه.. التى تركها فى المنزل وعاد ولم يجدها.. احتضنته وأخذته فى يدها، وحملت أطفالها الثلاثة بمساعدة بعض الجيران لتوارى جثثهم التراب.. وبعد أن انتهت من دفنهم عادت ومعها ابن جارتها التى توفيت فى المنزل أيضا.. احتضنته وجلست على حطام منزلها تتذكر وتبكى أبناءها.. مرددة لن أترك هذا المكان.. سأظل هنا أتذكرهم واحتسبهم عند الله شهداء.. لن أترك أرضى وسأعيد بناء منزلى مهما كلفنى ومهما طال الزمن، فهنا ذكرياتى وهنا توفى ابنائى.. وسوف أعتنى بابن جارتى وأكون أما له لعله يكبر ويثأر من القتلة.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة