توماس جورجيسيان
توماس جورجيسيان


يوميات الأخبار

ما الذى نملكه بالفعل غير هذه الحياة؟

الأخبار

السبت، 18 نوفمبر 2023 - 08:57 م

لا أفهم معنى الموت.. ولكن ما دام محتما فلنفعل شيئا يبرر حياتنا.. فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها

الأحد

انسى هم الطريق ينساك

مع اقتراب العام الحالى من نهايته تتاح لنا الفرصة من جديد لكى نتأمل حالنا وربما نحاسب أنفسنا أيضا. هكذا جرت العادة كل عام وهذا ما ينصح به دائما حكماء الحياة. وحتى لا تختلط الأمور لديك فإن محاسبة النفس لا تعنى أبدا جلد الذات (كما يريد أن يصنفه البعض) بل هى فرصة نتيحها نحن لأنفسنا لتقييم ما تحقق ولتحليل لماذا لم يتحقق كل ما كنا نتمناه؟.هل لأنه كانت هناك مبالغة ما فى تحديد الأهداف؟أم لأننا لم نستعمل قدراتنا بشكل كاف وجاد للوصول إلى ما نبغيه؟!

مع بداية كل عام جديد تتوالى التوقعات وتتنامى التمنيات وتطرح سيناريوهات المستقبل فى محاولة إنسانية من أجل رسم خطوط عالم جديد نريده أو نحتاج إليه . وربما أيضا من أجل التنبيه والتحذير مما قد يأتى مع هذا الجديد من مخاوف تقلقنا ومخاطر تزيد من ارتباكنا. كفانا ما عشناه وعايشناه من مآس وكوارث وأزمات وأجواء الوباء التى حاصرتنا وهلكتنا فى السنوات الأخيرة.. والطبع ما عشناه ونعيشه ـ ألما وحزنا وغضباـ مع مأساة غزة والفلسطينيين!!
وبما أننا نبدأ قريبا عاما جديدا اعتدنا أن تنهمر علينا النصائح بكافة اللغات لتقول لنا وتطلب منا وتذكرنا وتنبهنا وتكرر القول بأن علينا أن نبدأ الجديد من جديد وأن نجدد البداية فى حياتنا وأيضا فى أيامنا وفى نظرتنا لها وموقفنا منها .. كما تتردد على مسامعنا النصيحة إياها بضرورة أن تظهر بل تتوافر لدينا الجرأة أو الشجاعة التى لا تتردد ولا ترتبك فى أن تتفاعل مع تفاصيل حياتنا ..وكلنا أمل ونحن نتذكر قول كاتب صينى لو شوون عام ١٩٢١ « الأمل مثل طريق فى القرية. فى البداية لم يكن هناك أى شئ ولكن عندما أخذ الناس يمشون فى مسار ما مرارا وتكرارا ظهر الطريق»

كثيرا ما نسمع عن الطريق واختياره ونسمع أيضا عن اختيار الطريق وشقائه. وعادة نتساءل الى أين سيأخذنا هذا الطريق؟ وإلى أين سيصل بنا هذا الاختيار؟ وأيضا نسأل ترى ماذا سيضيف لنا هذا الاختيار؟

وفى قراءتنا لأقوال الشيخ عبد ربه التائه فى «أصداء السيرة الذاتية» لنجيب محفوظ نجد « خفقة واحدة من قلب عاشق جديرة بطرد مائة من رواسب الأحزان» و»قد تغيب الحبيبة عن الوجود، أما الحب لا يغيب» و»إذا أحببت الدنيا بصدق، أحبتك الآخرة بجدارة» و»قلت للحياة: حقا إنك سر من أسرار الوهاب.. فقالت بحياء: إن أبنائى يسألونني، فلا يجدون عندى إلا السؤال». ويقول الشيخ عبد ربه لسمار الكهف: «أسكت أنين الشكوى من الدنيا، لا تبحث عن حكمة وراء المحير من فعالها، وفر قواك لما ينفع، وارض بما قسم، وإذا راودك خاطر اكتئاب فعالجه بالحب والنغم»

لقد اعتدنا تكرار القول : «اختار الصديق (الرفيق) قبل اختيار الطريق». ومن أتوا قبلنا نصحونا «اختصر الطريق».. و»ربنا يهديك وينور طريقك»
وكلها تعد نصائح أو تنبيهات تخصك أنت وتخص مدى قدرتك أنت ورغبتك أنت فى الاستفادة من الحكمة والاستمرار فى الطريق. إن الطرق (لعلمك) عادة غير ممهدة خصوصا إذا كنت تبحث عما هو جديد ومبتكر وما هو مبدع فى حياتنا. وبالتأكيد تلك الطرق «غير مفروشة بالورود» ـ وأنا صراحة لا أعرف لماذا يذهب المرء إلى طريق مفروش بالورود؟ هل هو حب فى الورود؟ أم أن هذا المشهد يسكره و»يداعب ذاتيته» ومن ثم يتوهم بأن كل هذه الورود مفروشة له وأن كل هذه الطرق دائما فى انتظاره؟! وغالبا السكرة تذهب وتبقى الفكرة!

وأكيد «انسى هم الطريق ينساك» أما الطريق نفسه عندئذ سوف يقول لك :«خد راحتك وكمل مشوارك يا صديقى»

الثلاثاء

فلنترك بصمة على هذه الأرض

يوم جديد وأبدأ قطع الطريق .. والمشى متأملا ..

وأجد معى فى الطريق صديقا ورفيقا عزيزا الكاتب الجميل بهاء طاهر يذكرنى وكأنه يصف حالي: «أتكلم طوال الوقت، ولكن مع نفسي، فى رأسى حوار لا ينقطع .. «

وكعادتى أتلفت حولى لأجد مشهدا من الطبيعة أريد أن أصوره لكى أشاطر الصورة مع أصدقائى وصديقاتى ،فينظر إلى صاحب «نقطة نور» ليقول:
«ما الذى نملكه بالفعل غير هذه الحياة؟ يجب أن نعيشها حتى آخر لحظة» ..ويضيف: «..سنموت بالطبع فى النهاية، سنموت مثل كل الناس، ولكن يجب ألا نموت مهزومين»ـ

وأسمعه يقول لى أيضا: « لا يضيع الدنيا الذين مع أو الذين ضد ولكن يضيعها المتفرجون»

ويضيف «لا أفهم معنى الموت.. ولكن ما دام محتما فلنفعل شيئا يبرر حياتنا. فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها»

ويذكرنى صاحب «الحب فى المنفى» :»يعود المكان إلى ذهنى فقط حين أذكر سكانه فأسترجع حتى روائحه المألوفة وأركانه المنسية، تدهشنى ألعاب الذاكرة».

وأنا أقول فى بالى : إن هذه الألعاب (ألعاب الذاكرة) بالتأكيد لا تدهشنا فقط بل تبهجنا وغالبا تؤنسنا وتجعلنا لا نشعر بالوحدة ونحن نمضى فى رحلة العمر.
كانت رحلة صباحية مختلفة وممتعة عشتها صباح هذا اليوم .. مع الجميل البهاء الطاهر

الخميس

مزاج الحكى عن الأكل

بما أن أمريكا تحتفل بعيد الشكر يوم الخميس المقبل ٢٣ نوفمبر ـ فإن ديوك الرومى والكرم الغذائى والأكلات المتنوعة وبكميات ضخمة أراها تهيمن على المشهد الأمريكى وموائد العطاء والمشاطرة والتعاطف الإنساني. إنها أجواء حميمة ودافئة تتشكل كل عام فى هذا التوقيت وحسب المعتاد أمريكيا فإن الأكل وأخواته لهم كل الاهتمام والاحتفاء فى الفترة الحالية وأيضا فى الفترة المقبلة والتى تمتد إلى أعياد الكريسماس ورأس السنة.

لا شك أن الأكل ـ اسما وفعلا ومفعولا به ـ هو الحديث المفضل لدى أى إنسان أينما كان والأرضية المشتركة التى تشمل الكل وتسعده ـ أو على الأقل تنجح ولو لحين فى ضم شمل الكل. وطبعا النصيحة التى تقدم مع موسم موائد عيد الشكر إلى حفلات رأس السنة ـ «ما بلاش نتكلم فى السياسة!» أو «ابعد عن السياسة وغنيلها!». وأكيد أنت الكسبان أكلا ومرحا وبهجة وراحة للدماغ ووجعه المتجدد مع الواقع وهمومه! بعيدا عن زن من حولك!

ما يلفت الأنظار بالمناسبة أن الصحف الأمريكية الكبرى والصغرى معا ـ اعتادت أن تقدم لقارئاتها وقرائها ملحقا أسبوعيا. وتحديدا كل يوم أربعاء مخصص للأكلات والمشروبات والطبخ وثقافة التذوق والاستمتاع بما لذ وطاب وبكل ما يدخل فى إطار عوالم بالهنا والشفا. لم تعد صفحات الأكل ( غالبا ٨ صفحات) مجرد وصفات وطريقة طبخ وتقديم الأكلات بقدر ما تتضمن ثقافة تلك الأكلات وتفاصيل الاستمتاع بها والتلذذ بمعرفة مكوناتها ومدلولاتها الغذائية والصحية وكيف أنها أحيانا بعد أن ولدت وترعرعت فى مكان ما جغرافيا انتقلت واندمجت مع أكلات مكان آخر ومختلف فتشكلت بشكل جديد وطعم ألذ ـ أكلات بلا حدود. طبق الطعام بما يحتويه ويتضمنه مع مرور السنين وتواصل الشعوب والشيفات والوصفات والمطابخ صار بوتقة خلط لأكلات الشعوب ومذاقها ومزاجها وثقافتها الشعبية.

الحديث عن الأكل بلا شك ممتع ولذيذ وفاتح للشهية. إلا أنه بالتأكيد لا يتساوى مع متعة تناول هذا الأكل أو التهامه والتلذذ به بتمهل وتأن ومزاج .. إنه مزاج المذاق المتجدد ومتعة الاندماج التام مع الطعم والرائحة وأيضا بالصحبة المشاركة فى هذا الاحتفال والاحتفاء بمائدة الطعام وما عليها من أكلات شهية تفتح النفس.. وبالتالى تزيدنا فى الغالب إقبالا على الحياة ودنيانا. إنه مزاج الحكى .. عن ما لذ وطاب!

السبت

الكلام ليك يا ..

الحكاية التى أحب أن أحكيها كلما التقيت بمجموعة من الشباب يدرسون أو يعشقون الصحافة هى حكاية العالم نيوتن وشجرة التفاح وجاذبية الأرض !! ـ
وأبدأ بالقول : كم من البشر على مدى القرون التى مضت استلقوا مرتاحين تحت أشجار التفاح؟

وكم من المرات سقطت تفاحة على من هو مستلق أو مرتاح تحت الشجرة؟

ثم كيف تعامل كل شخص مع التفاحة بعد أن انزعج من سقوطها عليه .. فإما أن آكلها كلها أو آخذ قضمة منها أو رماها بعيدا

لكن الملتفت الأول (صاحب الملاحظة الجيدة) لهذا الحدث أو من فكر فيما حدث بطريقة مختلفة وجديدة ثم قام بربط الأشياء بعضها ببعض كان نيوتن ـ صاحب قانون جاذبية الأرض.وكما نعرف فإن العالم الإنجليزى الكبير اسحاق نيوتن (١٦٤٣ ـ ١٧٢٧) له إسهاماته العديدة والعظيمة فى إثراء المعرفة الإنسانية
والهدف من هذه الحكاية و»الكلام ليك يا صحفي».

(كما اعتدت أن أقول فى نهاية حكايتي) هو أن تكون مصحصحا لما يحدث حولك حتى لو كان ما يحدث شئ بسيط وربما متكرر، ثم الأمر الأهم هو أن تحاول تحليل وتفسير دلائل ما حدث. هكذا يولد الشغف والتشوق والاهتمام والاكتشاف ـ حتى لو ظننا أن كل ما حولنا ومن حولنا «يوووه نفس الأشياء ونفس الوشوش ..ونفس الكلام”ـ

بالمناسبة مش لازم نكون صحفيين عشان نطبق نظرية وأسلوب ومفهوم نيوتن ـ مع التفاحة .. أو مع أى ثمرة أخرى!!ـ

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة