محمد درويش
محمد درويش


وجدانيات

كبارى المشاة.. من غير ليه

الأخبار

الأربعاء، 29 نوفمبر 2023 - 10:20 م

عام ١٩٨١ كنت محررًا فى باب «إلى محرر الأخبار» تحت إشراف أستاذنا الراحل أحمد الجندى مدير التحرير، الباب اليومى كان يخصص له يوم الجمعة نصف صفحة طولية والنصف الآخر «جريدة الجمعة» التى تحولت إلى صفحة كاملة مازالت على اسمها منذ نشأتها فى السبعينيات.

يوم الجمعة كان مخصصًا لعرض أربع فقرات تصاحب كل فقرة صورة تعبر عن قضية أو مشكلة ما، وأجمل ردود فعل القراء تمثلت فى تجاوب الكثيرين منهم مع الصفحة حيث يرسلون أسبوعيًا تقريبًا صورة مصاحبة لتعليق عن مشكلة ما يتعرضون لها فى مدينتهم أو الحى الذى يقطنونه وأذكر منهم اثنين من كوم إمبو كانا يتواصلان عبر البريد بإرسال صورة أسبوعيًا ترصد حالة ما فى مدينتهما، ولنا أن نتخيل أيامها تكبدهم لشراء أفلام التصوير وتكلفة تحميضها وطبعها فى ذلك الزمان.

المهم كنت أصطحب أحد الزملاء المصورين فى جولة يوم الثلاثاء كل أسبوع بعد فرز الخطابات التى تأتى بالبريد يشير أصحابها إلى موقع ما يستحق التصوير واستعراض المشكلة.

كانت من بينها رسالة من أحد سكان بولاق الدكرور يطالب فيها باسم الأهالى بإنشاء كوبرى مشاة فوق مزلقان ناهيا ليتسنى لهم عبور المزلقان فى أمان وتجنبًا للحوادث التى تكاد تكون يوميًا يذهب ضحيتها المشاة سواء قتيلًا أو مصابًا.

ذهبت مع زميلى المصور الراحل «أليكس» أحد رواد جيل المبدعين فى قسم التصوير، ومن حسن الحظ أننا سمعنا صوت قطار جاء بسرعته للمرور مما أدى لتجمع المشاة وكل يعبر المزلقان حتى الثانية الأخيرة لبدء عبور القطار والغريب أننا فوجئنا بكوبرى مشاة قائم بالفعل ولكنه يبعد عن المزلقان حوالى نصف كيلو وعلى من يستخدمه أن يمشى ذهابًا وإيابًا للعبور إلى الطرف الآخر من أمام المزلقان.
كانت صورة رائعة حيث جمع هائل من الناس وفى الخلفية كوبرى المشاة خاليًا تمامًا من أى عابر.

بمجرد نشر الموضوع وكان عنوانه «نريد تفسيرًا من أهالى بولاق الدكرور» متسائلًا عن السبب فى عدم ارتياد كوبرى المشاة رغم ما يمكن أن يوفره من أمان لهم.

بمجرد النشر «عينك ما تشوف إلا النور» انهالت الاتصالات الهاتفية والخطابات البريدية تصب اللعنات على الصحفى الذى لا يدرى معاناة الأهالى فى استخدام الكوبرى البعيد العالى..

ومنذ هذا اليوم صرت مترقبًا لحركة المشاة على الكبارى ومثلاً قيامهم بالتجمع على طريق الإسكندرية الزراعى ليطالبوا المحافظة بإنشاء كوبرى مشاة أمام قريتهم، وعندما تستجيب المحافظة لا أحد يصعد الكوبرى!

اكتشفت على مدى أربعين عامًا أن لا أحد يستخدم كوبرى المشاة حتى لو كان شابًا فما بالنا لو كان شيخًا أو عجوزًا بل أحيانًا يرتبط بسلم كهربائى وأيضًا لا يُستخدم!

كل هذا دار أمام عينى وأنا أقرأ عن «قلاب» سيارة النقل الذى أسقط كوبرى مشاة شارع أحمد عرابى بالمهندسين الأسبوع الماضى ولأن أحدًا لا يرتاد الكوبرى فلم ينتج عنه أى ضحايا ولله الحمد.

الحل أن توفر الحكومة على نفسها نفقات إنشاء الكبارى ما دام عدم استخدامها هو سلو بلدنا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة