خالد محمود
خالد محمود يكتب: طارق عبدالعزيز .. عاش بجناحى الإنسان والفنان
الأحد، 03 ديسمبر 2023 - 02:01 م
في كل اللحظات التي التقينا بها، لم أشأ يوما أن افرق بين طارق عبدالعزيز “الإنسان والفنان”، عمق المشاعر ودفء اللقاء في الحياة وعلى الشاشة، الضحكة الطيبة تسري في وجداننا بتلقائية، حتى في عز المواقف الصعبة كان يكررها بهدوء، أول لقاء بيننا كنت أنا والصديق محمود موسى بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، حيث كان يعرض له فيلمه الروائي القصير “600 كيلو”، وقفنا نتبادل الحوار حول الدور المؤثر الذي قدمه، تطرقنا إلى الحياة ودوره في فيلم “اشتباك” الذي عرض في مهرجان “كان”، عقب ذلك اللقاء كان عندما يشاهدني ينادي علي بحب وود، وجدته يعيش عالمه وأحلامه التي تتجدد يوم بيوم .
اعترف أن خبر رحيله كان بمثابة صدمة لي، خاصة أنه كان يتوق إلى مرحلة جديدة بشغف، يصور مسلسله الجديد “وبقينا أتنين” وقد تجاوز محنة القلب، لكنه لم يتجاوز محنة الحياة التي اسكنت نبضاته .
نعم رحيل طارق عبد العزيز أشعرني بالحزن، لأنه كان إنساناً وفناناً وكانت علاقته بالوسط الفني ودودة جداً، كما كان يحب عمله ويتفانى فيه.
لم تؤرقه النجومية، وعلى الرغم من أدواره التي كانت بعيدة عن البطولة، فإن ظهوره كان مؤثراً، وقد برع في أداء العديد من الشخصيات المختلفة، سواء الكوميدية أو الدراما الصعيدية، كان يمر بظروف مرضية، لكنه كسب رهان حب الجميع له، وكان متعاوناً مع كل المخرجين ويستطيع تطويع الشخصيات، وساند كثيراً من النجوم الشباب بمشاركته لهم في أدوار مساعدة، وهو نموذج خاص ومؤثر بأعماله السينمائية والتلفزيونية.
اتذكر أعظم إبداعاته في فيلم “ساعة ونص”، ما هذا الحضور الطاغى واللهجة الصعيدية وهو يجسد دور المحامي (شكري المحامي) من محافظة المنيا، الذي يتواجد في قطار العياط، الذي يأتي من الصعيد إلى الجيزة، وهو القطار الذي تعرض كل من بداخله لحادث أليم.
الفيلم يعد نقلة فنية مهمة بالنسبة له، خاصة أنه من واقع قصة حقيقية من المجتمع المصري، فضلاً عن امتلائه بعدد من النجوم الموهوبين.
“ساعة ونص” يتناول حادث القطار الشهير الذي اشتعلت فيه النيران بالعياط جنوب الجيزة، حيث يسرد مجموعة متشابكة من الحكايات والقصص الإنسانية المختلفة، تسلط الضوء على مشاكل الفقراء وسلبيات المجتمع، وينتمي الفيلم إلى نوعية أفلام اليوم الواحد، حيث تدور جميع أحداثه في يوم واحد فقط.
في فيلمه “فبراير الأسود” الذي قدمه مع رفيق الدرب، خالد صالح، وجدته منطلقا بشخصية مليئة بالحيوية يشاركنا واقع مليء بالتحايل من أجل الحياة.
حيث جسد من خلاله دور “صلاح” عالم كيمياء وأستاذ الجامعة الذي ينتهي به المطاف للعمل في تصنيع “الطرشي”، حيث حول هو وزوجته معملهما إلى مصنع “الطرشي”، يحدث لهما موقف مأساوي يجعلهما يفكران جديًا بالهجرة خارج البلاد بصحبة زوجتيهما وأبنائهم، أو تزويج الابناء من أبناء الطبقات الثرية ذات النفوذ.
فانتازيا طارق كانت حاضرة بقوة دون افتعال .
قدم طارق أيضا شخصية كالحياة في مسلسل “اعمل إيه؟”، آخر عمل عُرض له، إذ قدم من خلاله شخصية “شوقي المحامي” أمام خالد الصاوي وصابرين.
كان تلقائيا للغاية في دور الصديق الوفي الذي يتمناه أي إنسان بجواره ليطيب خاطره أمام مفاجأت الزمن وغدره.
في واحدة من أجمل الشخصيات، قدم طارق شخصية الكاتب “كامل الشناوي” في مسلسل “أم كلثوم”، واستطاع أن يتعامل مع فكرها بعمق وسلاسة في آن واحد .
اتذكر واحد من أعظم المشاهد التي جمعته بالراحل خالد صالح، الذي جسد شقيقه الشاعر “مأمون الشناوي”، يتحدثان فيه عن الموت والتشاؤم، حيث يقول مأمون لشقيقه كامل: “ماحدش يعرف إنك بتكره الليل علشان كده بتسهره كله”، ليرد كامل: “أنا مابكرهش الليل أنا بكره النوم بحس إني لو نمت هموت”، فرد مأمون: “لا كلنا لازم ننام يا كامل والموت لازم هيجي لوحده”، ليختتم كامل الحديث: “بلاش السيرة ديه وحياة أبوك”.
الحوار القصير بين الشقيقين كان يعبر عن نظرة كل من مأمون وكامل الشناوي، للحياة، واختلاف وجهة نظرهم عن التشاؤم والتفاؤل في الحياة، لكن المفارقة، أن النجمين رحلا عن عالمنا في عز تألقهما بسبب المرض.. نعم طارق عبد العزيز عاش بجناحي الإنسان والفنان.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة