علاء عبد الوهاب
علاء عبد الوهاب


يوميات الأخبار

اغتيال البراءة.. مؤامرة لـ «وأد» المستقبل!

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2023 - 08:43 م

إنهم حين يغتالون البراءة، إنما يتصورون أنهم يئدون المستقبل، فالطفل شاب الغد، ورجل بعد الغد، ثم إن النساء هن من يحملن الأجنة يعنى أنهن مصانع الطفولة..

أرجو ألا تصيبكم الدهشة، حين أصدقكم القول بعدم دهشتى إزاء ما تشهده غزة الأبية من مذابح ومجازر، غير مسبوقة حتى فى أشد العصور ظلامية وبربرية.

الذين يرتكبون ما تعف أكثر الحيوانات شراسة عن حمل إثمه، يملكون تاريخاً بشعاً يراوح بين الأسود البهيم والأحمر القانى، فلا عجب أن تفضحهم طبيعتهم، وما جبلوا عليه، فتسقط عن عوراتهم أوراق التوت، وعن وجوههم القبيحة كل الأقنعة دفعة واحدة.

«اقتلوا يوسف»

متآمرون، قتلة محترفون، محرفون لكلام الله، لم يسلم من شرهم الأنبياء، ثم لماذا ننسى أن الغيرة القاتلة دفعتهم للتآمر على أخيهم يوسف عليه السلام، وكان طفلا، فحدثتهم أنفسهم الأمارة بالشر: «اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا» وكان حينذاك قرة عين أبيه، وحين خففوا حكم إعدامه، «قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب»!

وبقية المؤامرة المحبوكة سجلها القرآن الكريم فى سورة يوسف.

 كانت تلك صفحة سوداء فى تاريخ اليهود المجلل بالعار.

ثم يأتى القرن الرابع الميلادى، وتصبح المسيحية الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية، ويميل رجال الكنيسة إلى التخلص من اليهود جزاء لِما ارتكبوه من موبقات، وتبدأ المطاردة لإغلاق صفحتهم والتخلص من شرورهم، لكن ثمة اكتشاف مذهل يزيد من ضراوة المطاردات، إذ تفاجأت السلطات يومئذ بجثث أطفال تم استنزاف الدماء من أجسادهم حتى جفت العروق على الطريقة اليهودية، ثم إقدامهم على تسميم الآبار التى يستعملها الرومان للشرب، فكان القرار الحاسم بالإجهاز عليهم تماما

من ثم فإن اليهود بعد هذا الفصل من التاريخ، لا علاقة بينهم، وبين نسل الأنبياء والأسباط بخلاف ما يزعم المعاصرون!
القتل المقدس!!

وعبر تاريخهم كانوا أوفياء للتعاليم التى حوتها أسفارهم المحرفة:

«فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة رجل اقتلوها».

«وحين تقترب من مدينة لكى تحاربها.... فإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف».

«واقتلوا كل ما فى المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف».

ما كل هذا الشر والإرهاب والدموية؟

إنه النهج الذى يسيرون على هديه عبر التاريخ، وتوحد مع عقيدتهم، وشكل ملامح شخصيتهم، وأطر تفكيرهم فى كل العصور.

هل ثمة ما يدعو للدهشة فيما نراه من مذابح ومجازر يرتكبونها بدم بارد، وروح إرهابية مجبولة على الكراهية والغل والحقد، والميل المرضى للتدمير ـ أحفاد، وورثة التاريخ الدموى الأسود؟!

الإرهاب النقى!

لا داعى للدهشة، لأن الإرهاصات الأولى للاستعمار الصهيونى فى فلسطين، قامت على «الإرهاب النقى» قتل وقنص وبطش ونسف وتدمير وحرائق واغتيالات، بقسوة متناهية، لكل وأى فلسطينى طفلا، أو شيخا، امرأة أو رجلاً، إنه العطش للدماء الذى لا يرتوى مهما سالت دماء ضحاياهم العزل والأبرياء المسالمين، أنهارًا وبحارًا!

هل اختلف ما نراه على مدى الزمن الممتد من ٧ أكتوبر حتى الآن أو يفترق عن ممارساتهم كصهاينة، إلا كما وكيفا، بعد أن أصابهم سُعار حاد، فضح زيفهم للأبد، هم، ومن والاهم، وحالفهم؟

لا داعى للدهشة، فالفارق فقط فى حجم التدمير وجنون آلة القتل، التى صنعت مأساة إنسانية غير مسبوقة، لكنها على أى حال تتسق تماما مع تاريخهم الذى ينتصر دائما للدمار والموت!

تجفيف منابع الخصوبة

دائماً كان الصهاينة يستهدفون الأطفال، والنساء، هكذا تفضحهم صفحات تاريخهم منذ مارسوا إرهابهم فى فلسطين، خلال أكثر من قرن من الزمان، وسألت نفسى وأنا أطالع هذا التاريخ الدموى:

لماذا الأطفال؟

ولماذا النساء؟

هل لأنهم الأضعف مثلاً، أو لأن قدرتهم فى الدفاع عن حياتهم أقل من الشباب والرجال؟

ربما يكون الأمر جزئياً يمكن إسناده لمثل هذه الأسباب، لكن بالتأمل فى مغزى، وفلسفة استهداف طفل أو امرأة، لا يصعب استشفاف الحقيقة العارية.

إنهم حين يغتالون البراءة، إنما يتصورون أنهم يئدون المستقبل، فالطفل شاب الغد، ورجل بعد الغد، ثم إن النساء هن من يحملن الأجنة، يعنى أنهن مصانع الطفولة، من ثم فإن استهدافهن يعنى تجفيف منابع خصوبة الشعب الفلسطينى، ومن تلد، فإنه يتحول إلى لوحة تنشين لرصاصة قناص، أو دانة مدفع، أو صاروخ تطلقه طائرة!

.. والأرقام لا تكذب

إن قراءة لدلالة الأرقام المفزعة، منذ انطلقت آلة العدوان والقتل مستهدفة أهل غزة، تؤكد ما نذهب إليه؛ إذ يفوق الضحايا من الأطفال خلال هذه الأسابيع عدد الأطفال الذين قتلوا فى ٢٢ صراعاً مسلحاً حول العالم فى أربع سنوات!

هل يمكن تبرير استشهاد طفل فلسطينى فى المتوسط كل ٧ أو ٨ دقائق، وبمقارنة الأطفال الأوكرانيين الذين قتلوا على مدى نحو ٢٠ شهراً بالحال فى غزة، فلم يتجاوز ضحايا الحرب الروسية الخمسمائة بكثير، يعنى حصاد آلة القتل الصهيونية من أطفال غزة فى أقل من ثلاثة أيام!.

هل يحمل هذا الطفل أو ذاك سلاحاً، أو يمكن الزعم أنه من «حماس»؟

فى حساب القتلة الصهاينة؛ فإن كل طفل إسرائيلى قُتل، يقابله ١٦ طفلاً فلسطينياً واللافت للنظر هذا التركيز على استهداف الذكور، فمقابل كل ذكر إسرائيلى يقتلون ٢٣ ذكراً فلسطينياً، فهل يتم ذلك عشوائياً، بالتأكيد فإن ذلك فى عداد المستحيل؟! ما يحدث له بصمة سبق الإصرار والترصد.

إنها الإبادة الجماعية فى أبشع صورها؛ المنازل، المدارس، المستشفيات، الملاجئ، المساجد، الكنائس،...،..... كل ما يلجأ إليه طفل، أو تحتمى به امرأة، يتم قصفه وتدميره، بل تسويته بالأرض، هل هى صدفة أم أنها سياسة ممنهجة؟

هل حرمان عشرات «الخدج» من حضّاناتهم إلا اجتثاث لمشاريع مقاومين محتملين، إن هم شبوا؟

خيال عدوانى، وعنف عدمى، يتجاوز أى منطق أو قل اللامنطق!

رغم صعوبة تفسير المشهد حتى فى ضوء تاريخ صهيونى حافل بالمجازر، والمذابح، التى تستند إلى توراة محرفة، فإن الأكثر صعوبة ألا يحاول المرء التوصل إلى تفسير يفكك ما يستعصى على العقل استيعابه.

رعب القنبلة السكانية

الكيان الصهيونى ينفرد فى المنطقة بحيازة السلاح النووى، ومع ذلك فإن ثمة قنبلة أشد رعباً للقائمين على إدارته!

محاذير عديدة تحف باللجوء للرادع النووى، بالمقابل فإن القنبلة السكانية الفلسطينية التى يعمل الكيان الصهيونى لها ألف حساب، تصيبه بالجنون، فالأم الفلسطينية «ولاّدة»، تنجب على مدى فترة خصوبتها، وتنذر ذريتها للمقاومة والجهاد، وتحرير الوطن، ترضع فلذات كبدها بروح ثأر ممن سلبه وأجداده وطنه، ولا يكف عن ممارسة تزييفه للتاريخ، والسعى لسرقة المستقبل.

بهدوء وإصرار واستمرارية، فإن قلب مفاعل القنبلة البيولوچية أو الديموجرافية لا يتوقف عن العمل، أرحام الأمهات تنتج كل يوم آلافاً من مشاريع المقاومين فى الغد، صُناع البطولات على طريق التحرير، والصهاينة يخشون، بل يرتعبون من انفجار هذه القنبلة فى مدى غير بعيد.

وما يحدث فى غزة والضفة الغربية، يماثله ما يتم فى الأرض التى ضربتها نكبة ٤٨، فالأم الفلسطينية أينما تقطن من البحر إلى النهر تعى دورها التاريخى تماما، وبحسابات معدلات المواليد الفلسطينية مقابل الإسرائيلية، تؤكد أن الكيان الصهيونى سوف يبتلعه البحر الفلسطينى الناجم عن انفجار القنبلة السكانية القاتلة، وغزة بالذات لها نصيب الأسد، فهى الأعلى كثافة عالميا.

الحل الصهيونى ـ إذاً ـ يتجلى فى الإبادة الجماعية والتهجير القسرى، ولا ثالث لهما.

وليس أمام الفلسطينى الطفل قبل الرجل، والمرأة قبل الشاب، إلا المضى على ذات الطريق المخضب بالدماء الطاهرة عبر عقود طويلة، ليس أمام أصحاب الأرض إلا التشبث بها، والالتصاق بثراها إلى درجة التوحد.

فإذا كان ما يملكه الكيان الصهيونى من ترسانة نووية، يمثل اللجوء إليه، ما يطلق عليه «الخيار شمشون» فإن شعب الجبارين،كما كان يروق لرمز النضال الفلسطينى الشهيد ياسر عرفات أن يصف الفلسطينيين، الذين يحوذون ما هو أمضى وأقوى من القنبلة النووية، هكذا يثمن الصهاينة «القنبلة السكانية الفلسطينية».

.. وسوف تظل تقاوم

ما يظنه المتشائمون مستحيلا، يؤكد الفلسطينى الأعزل أحيانا، أو المقاوم بالحجارة، أو حتى أظافره أحيانا أخرى، أو بأسلحة خفيفة وصواريخ متواضعة حين تسنح له الفرصة والإمكانية، يؤكد هذا الفلسطينى البطل الصامد أن ثورته المستمرة، ونضاله المتواصل عبر عقود سوف يثمر ميلاد حلم وطنه العائد.
تجليات المقاومة، وإبداع آليات بسيطة للنضال تضمن استمراريته، تجعل الرعب يسكن قلوب الصهاينة، ويسرق السكينة المصطنعة من أرواحهم الخربة.
المشهد فى غزة رغم فظاعته وبشاعته، فإن له وجها آخر يكشف معدن شعب مقاوم، يتخلى عن حياته، ولا يبتعد عن أرضه مهما كانت الأثمان باهظة.
«فلسطين تقاوم».. وسوف تظل تقاوم.

فى غزة، فى الضفة، فى الداخل، فى الشتات، حيثما يوجد فلسطينى، فإنه يضيف موقعا على خريطة المقاومة، عمادها وعى إنسانى متجذر بعدالة القضية، وإصرار وعزم لا يلين على استمرار ثورته ونضاله بأساليب وصياغات وآليات لا ينضب معينها، ودون أن تنطفئ جذوتها.
سأظل ومعى ملايين البشر، على ثقة ويقين بأن طول النفس الثورى الذاتى للشعب الفلسطينى، سوف يبلغ فى النهاية غايته مهما كانت التضحيات، ومهما طال الزمن.

بإذن الله فإنها ثورة حتى النصر، بتوقيع أطول حركات التحرر الوطنى عمرًا فى سجل التاريخ الإنسانى.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة