أسامة عجاج
أسامة عجاج


إسرائيل وغطرسة القوة

أسامة عجاج

الخميس، 28 ديسمبر 2023 - 07:48 م

أقامت إسرائيل (القبة الحديدية)، فوصلت صواريخ المقاومة إلى كل مدنها بما فيها تل أبيب، طورت من (المغرفة الحديدية) للتعامل مع أنفاق غزة، فلم تجد نفعًا

فى السابع من أكتوبر الماضى، قامت قوة من قوات النخبة فى كتائب عز الدين القسام، من اقتحام عشرات المواقع والمستوطنات، وفتح ثغرات فى الجدار الفاصل، يقدرها البعض بـ ٤٥٠٠ مقاتل ٣٠٠٠ فى الاقتحام و١٥٠٠ فى الدعم والمساندة، توزعت على خلايا عنقودية لحماية العملية، نظرًا لكثرة المنخرطين فيها، وكان الهدف فرقة غزة الموجودة فى ١٥ موقعا، فضلا عن الهجوم على ١٠ نقاط تدخل عسكرى، وفصائل الحماية الموجودة فى ٢٢ كيبوتس، وتوسعت العملية لتشمل عددا من القواعد العسكرية ونقطة التدخل البحرى ومراكز طوارئ، تم هذا وبتزامن مع هجوم سيبرانى، استهدف أجهزة الإنذار المبكر والقبة الحديدية، والكاميرات على الجدار العازل بين غزة وغلافها، حيث تم تعطليها، وبعدها بدأ المقاتلون فى عملية الاقتحام عبر الطائرات الشراعية.

وبعض الكوماندوز البحرى، واستهدفت العملية الهجوم على القاعدة العسكرية القريبة من الحدود، والنقاط العسكرية وأبراج المراقبة الممتدة على طول الحدود، وكذلك استهداف ٢٠ مستوطنة إسرائيلية، واقعة فى غلاف غزة، داخل ما يسمى (الخط الأخضر)، وتمكنت أفراد المقاومة من اقتحامها، وفرض السيطرة عليها، وعلى نفس المستوى، تم إشغال القوات الإسرائيلية بإطلاق ٣٠٠٠ صاروخ من مختلف العيارات، وبتنوع فى المدى وصلت إلى كل مدن إسرائيل، مما أصاب الجميع على المستوى العسكرى والسياسى بالشلل.

، وأفقدها القدرة على اتخاذ قرار بالتدخل السريع، لاستعادة تلك المواقع والمستوطنات، العملية كانت محاطة بالسرية الكاملة، مما أعمى عيون إسرائيل عنها، حتى إن بعض قيادات الصف الأول من المقاومة، لم يكن على علم بها، وتم إخطار حركة الجهاد الإسلامى بها قبل العملية بقليل، لتمكين سرايا القدس جناحها العسكرى من المشاركة.
لقد كشفت عملية طوفان الأقصى التى يطلق عليها بعض المراقبين ظلمًا وبهتانًا بأنها ١١ سبتمبر الإسرائيلية، عن هشاشة الجدار الأمنى، الذى بنته إسرائيل حول غزة.

وراهنت على قدراته فى منع تسلل عناصر المقاومة، بينما تم الاختراق من ٢٠ موقعًا على طول الحدود المشتركة، وبأعداد كبيرة، وقد بدأت إسرائيل منذ الانسحاب الأحادى من القطاع فى عام ٢٠٠٥ فى بنائه من الأسمنت المسلح، بطول ٦٥ كيلو مترا، وبعمق سبع أمتار، وقامت بنصب أحدث أجهزة رقابة الكترونية، وتزويده بأبراج المراقبة، كما فشلت قوات الجيش فى حماية حفل ترفيهى، حضره الآلاف من الشباب، والذى أقيم فى منطقة مفتوحة، تبعد عدة كيلومترات من الجدار، رغم حصول المنظمين على كل التصاريح الأمنية اللازمة.

سقوط مهين

خطورة ما حدث أنه أصاب عناصر العقيدة القتالية الإسرائيلية فى مقتل، وهى تعتمد على عاملين، الأول (الردع) وهو ما سقط منذ اللحظة الأولى للهجوم، والذى مثل قرار المقاومة بالقيام بهكذا عملية، ونجاحها المبهر فيها، استهانة كبيرة بجيش الدفاع الإسرائيلى. والثانى هو (الإنذار المبكر).

حيث سجلت عمليات طوفان الأقصى فشلًا ذريعًا ومهينًا، لكل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فى توقع العملية أو الوصول إلى معلومة بشأنها، رغم أنها بدأت من قطاع غزة، الذى يخضع للرقابة وتجميع المعلومات عنه على مدار الساعة، وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا، تقريرًا عن إهمال قادة إسرائيل، لتقارير استخبارية منذ عام، كشفت عن استعداد المقاومة للقيام بعملية مشابهة لما جرى فى طوفان الأقصى، ولكن اعتبرتها غير واقعية.

لم يقتصر الفشل الإسرائيلى عند حدود ما حدث فى السابع من أكتوبر الماضى، بل تعداه إلى غياب أى معلومات مؤكدة، عن شبكة الأنفاق فى قطاع غزة، مما صعب من مهمة قوات النخبة فى الجيش الإسرائيلى منذ بداية عملياتها البرية، التى بدأت فى السادس والعشرين من أكتوبر الماضى، فوفقًا لبعض التقارير الغربية.

فإن أنفاق غزة هى مدينة كاملة، تضم حوالى ١٣٠٠ نفق بطول ٥٠٠ كيلو تستخدم لتخزين الأسلحة والمواد الغذائية والوقود، وتوفر ظروفا معيشية كاملة، ولفترات طويلة، حفر الأنفاق يبدأ من داخل مكان مغلق، مما يصعب مهمة اكتشاف المخلفات الناتجة عن الحفر، أو تحديد مخارجه، معرفة مساره، ولم يكتشف الجيش الإسرائيلى خطورتها سوى فى عدوان ٢٠١٤، ومنذ ذلك التاريخ ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو يتحدث عن تدمير الأنفاق كهدف رئيسى لأى عملية.

وجدد ذلك الأمر فى عام ٢٠٢١، ومن قبلها وفى عام ٢٠١٨ تحدث وزير الدفاع الإسرائيلى جالانت عن ضعف قدرة المقاومة العسكرية، وعجزها عن الاستمرار فى بناء الأنفاق، وقال فى (العام التالى لن تكون هناك أنفاق فى غزة) وعلى عكس تلك التصريحات ومازالت الأنفاق وحتى الآن عصية.

وخلال كل تلك المدة من العملية التى تقترب من شهرها الرابع لم يكتشف الجيش الإسرائيلى سوى مجموعة محدودة منها، بعضها انتهت صلاحيته، خاصة الأول الذى قال عنه الجيش الإسرائيلى أنه يمتد بطول أربعة كيلو مترات، ويصل عمقه إلى ٥٠ مترا، وينتهى قبل ٤٠٠ متر من معبر أيريز على الحدود بين القطاع وإسرائيل، وكانت العملية جزءا من علاقات عامة لرفع الروح المعنوية للجنود، حيث سارع وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف غالانت، إلى التقاط صور وتسجيل مقاطع فيديو مع جنود فى أحد الأنفاق فيها، واستثمرت المقاومة بذكاء وأحبطت السعى الإسرائيلى للإيحاء بانتصار ما قد تحقق، بالرد ليس بالنفى، ولكن بنشر فيديو عن استخدامها العظيم للنفق فى السابع من أكتوبر الماضى، خاصة مع قربه من الحدود مع إسرائيل، مصحوبا بكلمة (وصلتم متأخرين المهمة أنجزت).

مواجهة مع أشباح

لقد أثبت عملية طوفان الأقصى فشلًا جديدًا، فى التعامل مع الأنفاق، على الرغم من أن الجيش يعمل على تطوير منظومة منذ سنوات أطلق عليها (المغرفة الحديدية) تهدف إلى اكتشاف أى عمليات حفر من خلال أجهزة استشعار.

ومن ثم تدميرها، باستخدام جيل جديد من الروبوتات، وفى عام ٢٠١٦ بدأت فى إنجاز المرحلة الأولى من عملية مكافحة الأنفاق الهجومية، وأطلقت عليها اسما كوديا «توهج الجنوب»، وتجاوزت تكلفته مليار دولار، وتهدف إلى اكتشاف أى عمليات حفر من خلال أجهزة استشعار ومن ثم تدميرها باستخدام جيل جديد من الروبوتات، ضمن مشروع من ثلاث مراحل، تم خلالها تشييد جدار بطول القطاع ٦٥ كيلو، وتركيب أنظمة رقابة واستشعار تحت الأرض وفوقها، وأنشأ أيضا مختبرًا تكنولوجيًا لكشف الأنفاق، وتحديد مواقعها.

وقد تم تشكيل قوات متخصصة فى الحروب تحت الأنفاق ضمن سلاح المهندسين العسكريين وبلغ عددها ضعف ما كان عليه الأمر فى ٢٠١٤، وتعتمد الجيوش على الطائرات فى هدم الأنفاق، وفى حالة عدم القدرة تدمر منافذها أو وتغلقها على الأقل، وهى لم تنجح رغم أن إسرائيل استهدفت عشرات الآلاف من العمليات منذ بداية عملية طوفان الأقصى، وقد تستخدم القنابل الخارقة للتحصينات، والتى زودتها بها واشنطن تتراوح زنتها ما بين ٢ ونص طن إلى أربعة.

وتحدث حفرة فى الأرض عقمها ٣٠ إلى ٥٠، من أجل الوصول لمراكز أنفاق المقاومة السرية وتدميرها، واحتاطت المقاومة لذلك فبعض مراكزها الرئيسية أعمق من هذا المدى بحوالى النصف، وبعضها متعدد الطوابق، ولم يجد نفعا التنقيب الحركى حتى سيناريو إغراقها بالمياه، يحتاج حوالى ١٥ مليون متر مكعب من المياه ولشهر كامل من الضخ، واستعدت المقاومة لذلك بتطوير قدراتها ومنها تصميم حفرة فى بداية النفق لمنع تسرب المتفجرات السائلة أو المياه إليها.

زمن الحساب

وبعد فإن فشل المنظومة الأمنية فى أكتوبر الماضى، فاق فشلها فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، والذى يطلق عليه فى المصطلح الإسرائيلى التقصير (همحدال)، ومهما كانت نتيجة الحرب، فسيكون هناك تحقيقات واسعة حول المسئولية عن هذا الفشل، بدأت بالفعل منذ يومين كما صرح بذلك مراقب الدولة فى إسرائيل نتانياهو انجلمان، وهو تابع للكنيست، وقد يدفع ثمنها الكثيرون، ومنهم أعضاء (كابينت الحرب)،الذى يضم نتانياهو ووزير الدفاع ووزير الأمن يوآف غالانت، ومعهم قادة الأجهزة الأمنية.
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة