عبدالله البقالي
عبدالله البقالي


حديث الإسبوع

ما وراء التقارير الأمريكية

الأخبار

السبت، 30 ديسمبر 2023 - 07:57 م

بقلم: عبدالله البقالي

لا يمكن أن يكون ما حدث محض صدفة عابرة، بل إن التزامن فى الخروج إلى الوجود فى توقيت واحد يكتظ بالمؤشرات، ويكشف عن جزء مهم من الحقائق المتسرعة وراء هذا التزامن.

فقد بادرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية قبل أيام قليلة من اليوم بنشر تقرير مفصل، استعرضت فيه مجمل وأهم الأحداث المتوقعة سنة 2024. فى نفس التوقيت الذى نشر فيه موقع (ستر اتفور) الاستخباراتى الأمريكى تقريرا مماثلا بسط من خلاله توقعاته المتعلقة بالأحداث المرتقبة سنة 2024 .
المثير للاهتمام أن التقريرين الأمريكيين لم يختلفا فى استعراض أهم التوقعات، بل اتفقا حتى على قراءة ملابسات وحيثيات هذه التوقعات، فى اتجاه واحد، يبدو أنه منسجم تماما مع القراءة الأمريكية الرسمية للأوضاع العالمية السائدة فى إطار نظام عالمى أحادى القطبية، ووفق ما تتطلبه مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.

وهكذا اقتصر التقريران على نفس التوقعات على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية. فهما معا يضفيان الشرعية الكاملة على حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، و يجمعان على أن الحرب فى غزة ستتواصل، وأن  إسرائيل  ستتمكن من احتلال قطاع غزة وبسط نفوذها عليه، و قد يكون الاحتلال الإسرائيلى  فى حاجة إلى قوة سياسية ناعمة تحكم القطاع، وأن المقاومة الفلسطينية ستواصل عملياتها، خصوصا من جنوب لبنان ومن الضفة الغربية، فى إشارة واضحة إلى أن سنة 2024 ستكون حاسمة، بأن تصبح منطقة خاضعة للاحتلال الإسرائيلى مع استعمال قفازات سياسية، قد تتمثل فى فصائل فلسطينية تقبل بذلك. وهو المعطى الذى أشار إليه تقرير (ستر اتفور) حينما أكد «أنه سيكون على إسرائيل أن تكافح للعثور على شريك مدنى قادر على حكم غزة» وأن «إسرائيل ستواصل احتلالا عسكريا متجددا للقطاع سيضعها أمام مسئولية إعادة الإعمار والإدارة المدنية للقطاع».

وهذا التوقع الذى أجمع عليه التقريران هو الذى يجسد المواقف الأمريكية والإسرائيلية التى تضع القضاء على المقاومة واحتلال غزة وتحرير الرهائن، أهدافا رئيسية لحرب العدوان التى تخوضانها ضد الشعب الفلسطينى. إذ بعد فشل مشروع التهجير القسرى فى إعادة لما حدث خلال نكبة 1948، حدد العدوان أهدافا جديدة هى التى توقع التقريران حدوثها،  والمتمثلة فى السيطرة الأمنية والعسكرية على غزة مع إيجاد شريك مدنى من الفلسطينيين يقبل بإدارة شئونها المدنية .

التقريران يلتقيان أيضا فى التوقعات المرتبطة بالجانب الاقتصادى، حيث يتفقان على تسجيل تباطؤ فى الاقتصاد العالمى وهيمنة المخاوف الأمنية على القرارات الاقتصادية. 

وكان لافتا بأن ركز التقريران على موجة الانتخابات التى ستجرى خلال سنة 2024 فى مختلف أقطار العالم، و ربطاها بالتقلبات التى ستهز العالم « قد تكون تداعياتها عميقة وطويلة، حيث سيتوجه إلى صناديق الاقتراع أكثر من مليارى شخص فى حوالى خمسين دولة، بما فى ذلك الهند و أندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية والدول السبع و العشرون الأعضاء فى البرلمان الأوروبى، وإجمالا يمثل المشاركون فى الانتخابات لعام 2024، ما نسبته 60 بالمائة من الناتج الاقتصادى العالمى وفى الديموقراطيات القوية ، و يبدو من خلال مضامين التقريرين فى هذا الجانب أن الأوساط الأمريكية النافذة لا تخفى مخاوفها من الآفاق الاقتصادية العالمية فى ضوء ما ستفرزه هذه الانتخابات، التى تتميز ظروف إجرائها بتدنى معدلات الثقة فى الحكومات الوطنية، وفى تآكل مصداقية المؤسسات التى تفرزها الانتخابات. خصوصا أن القوى الشعبوية فى جميع هذه الأقطار متربصة بالحكم، بما يهدد بالتأثير السلبى على معدل نمو الاقتصاد العالمى .

وتركيز التقريرين الأمريكيين على الانتخابات المتوقع إجراؤها فى سنة 2024، يكشف إرادة الإدارة الأمريكية فى الإبقاء على الأوضاع السياسية فى جزء هام وكبير من العالم بما يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية فى الكون، وهذا ما هو محقق إلى اليوم، حيث نصبت واشنطن نفسها قائداً وحيدا ورئيسيا لأحادية قطبية مركزية متحكمة فى العالم، وقبلت القوى الإقليمية والجهوية فى مختلف مناطق العالم، خصوصا فى أوروبا الغربية، بأن تبقى فى وضعية تبعية مذلة للولايات المتحدة الأمريكية، فى وضع شاذ وغير مسبوق.

لذلك كله وغيره كثير، فإن التقريرين الأمريكيين اللذين خرجا إلى العلن فى توقيت موحد يكتسيان أهمية كبيرة وبالغة، ليس بسبب ما تضمناه من توقعات، بل لأنهما يكشفان عما تقتضى المصالح الأمريكية حدوثه خلال السنة المقبلة وقراءتها للأحداث الوازنة التى تهز أركان العالم فى الوقت الحالى.
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة