أمانى ضرغام
أمانى ضرغام


يوميات الأخبار

ياسين وبهية .. جدى وجدتى ؟

أماني ضرغام

السبت، 06 يناير 2024 - 09:06 م

كانت الحياة حلوة والحكايات حلوة .. الله يرحم الجميع يارب 

نشأت فى بيت يقرأ .. وتعلمت القراءة من قصص كانت أمى تحضرها ملونة ذات صفحات كبيرة وتحكى لنا منها وأوقات تغنى.. مابها من أحداث.. وكانت تعجبنى جدا قصص جيلفر فى بلاد العجائب وجيلفر فى بلاد الأقزام وكنت أقوم مفزوعة من نومى خوفا على جيلفر !

الخميس :

ذات يوم

لم أعش فى منزل به أبى وأمى سوى 11 سنة من عمرى ولكن كل ذكريات طفولتى وجزء من شبابى ظل محصورا فى هذه الفترة سنوات ، فقد تزوج أبى وأمى عن قصة حب عظيمة وكانا نموذجين للشباب فى قرية تعدادها كبير والمتعلمون فيها النسبة الأغلب من أهل القرية كانت والدتى قد قضت معظم عمرها وتعليمها فى الإسكندرية حيث بيت أجدادها وعائلتها ماعدا بيت جدى الذى قرر أن يستقر فى بلدة مجاورة فيها أرضه وتجارته، لذلك كانت أمى سيدة مميزة عن أهالى القرية فى كل شىء حتى فى طريقة تربيتها لنا ، وهى الصارمة دوما والمحفزة على طول الخط ...وكانت تقيم لى ولأخوتى حصة قراءة يوميا بما أنها مدرسة ...وعندما بدأت القصص التى تقرأها لى أمى تتحول فى خيالى الطفولى إلى أضغاث أحلام فأصبحت أفزع فى نومى لدرجة الصراخ خوفا على جيلفر من أن يقتله اللصوص مثلا أو تتآمر عليه الأقزام ، وكان أبى رحمه الله يمازح أمى دوما ويقول لها أحك لنا قصة ياسين وبهية جدك وجدتك ، ولأن أمى بالفعل فى اسمها ياسين كنت مقتنعة تماما أن قصة ياسين وبهية هى قصة أجدادى لأمى ، وأتذكر أننى فى المرحلة الثانوية بحثت عن رائعة نجيب سرور ياسين وبهية حتى أستطلع تاريخ عائلتى، ولكن للأسف وجدت القصة لا تتناسب أبدا مع حال أسرة أمى ، فهى أسرة ميسورة الحال لديهم أملاك فى الإسكندرية والبلد ولا توجد أى آثار لإقطاعى فى المنطقة ، وذهبت يومها لأبى وأنا زعلانة أقول له شفت أكيد أنت وماما زعلتم علشان قلت لها ياسين وبهية جدك وجدتك ، فضحك أبى وابتسم وقال لى اتصلى بماما أسأليها ، وسألتها بالفعل فضحكت هى الأخرى وقالت : لا طبعا مش جدى وجدتى لكن جدى وجدتى كانوا أولاد عم واسمهما ياسين وبهية وكان جدى بيحب بنت عمه وزوجته جدا ، لدرجة أن العائلة وقتها كانوا يشبهونهما بالجزء الذى يشبههم فى القصة .
كانت الحياة حلوة والحكايات حلوة ....الله يرحم الجميع يارب.

الجمعة

فى مستشفى سموحة الدولى ذهب الأشقاء ليزوروا شقيقتهم المريضة ...أصغر الأشقاء ، وثلاث من الشقيقات هم من تبقوا من عائلة أمى الكبيرة .. قال الطبيب حالتها تسمح بأن نزيل عنها التنفس الصناعى والمخدر الموضوع فى المحاليل لمدة ساعة حتى تفوق وتتحدث مع أشقائها وأبنائها ..ساعة من عمر الزمن هنأ بها الجميع بكلمات طيبة وابتسامات باهتة 

حتى أن أخى قال لى أنا خايف مش دى عينين ماما اللى متعودين عليها ، فطمأنته بأن ماما مريضة من 2017 ، ولكنها دائما تقول أنا بحب الحياة وبحبكم ومش عاوزة أسيبكم ، قلت له بكل ثقة أمك جبل متخفش حتعدى زى اللى فات ما عدى ...نقول يارب وربنا حيسلم ، هذا هو يقينى فى كل وقت « نقول يارب « ويفعل الله مافيه الخير دائما ، بعد يومين ...توفى خالى ..كانت الصدمة توفى من جاء وسافر ليزور شقيقته ويطمئن عليها ويمازحها حتى تضحك ..توفى خالى وتم العزاء وفى الصباح الباكر لليوم التالى أخبرنا المستشفى بوفاة أمى ...لا حول ولا قوة إلا بالله ...وذهبنا لثانى يوم إلى نفس المقابر مقابر عائلة أمى لترقد وفق وصيتها وسط أهلها ، أصعب شىء أن تدفن أمك ، أن تتركها وتمشى وأنت تعلم أنك لن تراها مرة أخرى ، أن تشعر أن من كنت تطمئن لمجرد وجودها فى الدنيا ذهبت ولن تعود ، نظرت للمكان حولى وكأننى أراه لأول مرة ..وسألت ابنة خالى هى أيه العمارات دى ؟ مش المكان ده كان سور حديقة منزل جدى ممتد إلى بداية سور مقابر عائلته ؟فقالت لقد تم بيع الحديقة منذ سنوات واقتصر خالى على حديقة صغيرة لبيته لأسباب كثيرة ليست مادية ، شعرت وقتها أن ليست أمى فقط هى من ذهبت ولكن ذكريات طفولتى كلها قد انمحت 

فقد كان لمنزل جدى حديقة غناء كبيرة جدا فيها من كل أنواع أشجار الفواكه 11 شجرة يعنى 11 مانجو ومثلها برتقال ومثلها جوافة ثم رمان وكل أنواع البلح واليوسفى والتين 

أما العنب فكانت له تكعيبة كبيرة تحتها ( قعدة ) من الأرائك التى تسمح لك وأنت جالس أن تأكل من أصناف العنب المختلفة ، وأتذكر أن كان فى جانب من الحديقة مكان لتربية أفراخ الرومى والتى كانت جدتى رحمها الله تطعمه البيض المسلوق بيديها ولا تعتمد على اللاتى يساعدنها فى المنزل فى ذلك ، وكانت سعادتى كبيرة وأنا طفلة عندما تسمح لى جدتى أن أضع أجزاء البيض المسلوق فى يدى ليأكل منها طيور الرومى البلدى ...ولو سألنى شخص لماذا 11 شجرة ، أقول أن لجدى كان 6 بنات و3 رجال من الأولاد وهو وجدتى لذلك كان لكل واحد منهم شجرة من كل نوع باسمه ، وأتذكر أن خالاتى كن يمزحن حول تفضيل جدى لابنه البكر فى الأولاد عادل رحمه الله فالأشجار الحلوة ذات الطرح الوفير دائما لعادل .

السبت :

 الدنيا اتغيرت 

كثير من الناس عندما كتبت أن المنطقة التى بها قبر أبى تغيرت وأنشئ ملعب ملاصق للمقابر قالوا لى أنت مبترحيش من زمان ، لكن بالعكس أنا بروح على طول ولكن الزحف على الأراضى الزراعية كان فى فترة من 2009 الى 2013 يفوق الخيال ، ومن كان فى الريف يملك حديقة لمنزله رمى جيرانه بها القمامة حتى يضطر لبيعها لهم ، وهكذا تغيرت صورة القرية المصرية تماما ، ولكن أعتقد أن مشروع حياة كريمة يمكنه أن يغير شكل الريف المصرى ويجعله بصورة أحسن وإن كان من الصعب أن يتعامل مع ملايين المخالفات من البناء لكن يكفى من وجهة نظرى وجود مدارس وملاعب ومراكز شباب وتأمين صحى ، فقد مررت منذ فترة قريبة على مبنى الحضانة التى كنت أذهب إليها ماقبل المدرسة وكانت فيلا صغيرة تابعة وقتها للشئون الاجتماعية فوجدتها مغلقة ويمكن كمان أيلة للسقوط ، وسألتهم هى آخر مرة كانت حضانة أمتى ؟ قالوا لى من 40 سنة وهى مقفولة !

الأحد :

عائلتى الكبيرة 

هل عيلتك وأهلك اللى أتربيت وكبرت بينهم ولا اللى عايش وبتشتغل معاهم ؟ سؤال دايما يتبادر لذهنى لما أقول ده أخويا بجد أو دى أختى بجد فيمصمص أحدهم شفتيه أخواتك ولاد أمك وأبوكى ، طبعا أخواتى أولاد أمى وأبويا وأعمامى وعماتى وكذلك أخوالى وخالاتى وهم قبيلة الحمد لله ربنا يديمها نعمة ، لكن أيضا الصديقات والأصدقاء من الصحفيين والإعلاميين والعاملين بأجهزة الدولة المختلفة ، والذين يمثلون المجتمع المصرى بكل طوائفه ، وهنا أقول كلمة حق....مازلنا فى الملمات نساند بعض ونسرع الخطى فى نجدة البعض ، الحقيقة ماحدث لى الأسبوع الماضى بوفاة خالى ثم أمى فى يومين متتاليين كالعادة أكد لى نفس المعنى كل وأقول كل بلا استثناء الزملاء الكبار قبل الصغيرين سنا ومقاما كانوا بجانبى ...لو كتبت كلمات شكر لن أستطيع أن أوفى كل الناس حقهم . شكرًا لله على نعمة الناس الطيبين 
 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة