محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

ملامح غائمة لعام جديد

محمد بركات

الثلاثاء، 09 يناير 2024 - 09:10 م

كنا نتمنى أن نودع كل الأزمات وكافة المشاكل مع وداعنا للعام الماضى،..، ولكن ذلك لم يحدث للأسف، فقد انتقلت كلها معنا إلى العام الجديد.

رغم انتهاء عام «٢٠٢٣» منذ عدة أيام بأحداثه المريرة، التى كان لها طعم العلقم عند الكثيرين منا نحن المصريين، إلا أننا لا نستطيع التكهن أو التنبؤ بأن العام الجديد «٢٠٢٤»، الذى بدأت بعض ملامحه الغائمة تطل علينا من خلال أيامه الأولى، التى خضنا ونخوض فيها ومعها منذ الاثنين قبل الماضى،..، سيكون مماثلا لسابقه فى الألم والمرارة، أم أنه سيكون مختلفا فى وقعه علينا بحيث يكون أكثر حنوا وأقل ألما ومرارة من سابقه؟.

وفى ظل هذا الغموض وعدم الوضوح الطبيعى لا يستطيع أحد أن يجزم أو يدعى العلم بما سيأتى به العام الجديد لنا وبما ستحمله إلينا أيامه القادمة.

ولكن رغم ذلك نستطيع القول بأننا جميعا كنا ومازلنا نرجو، أن ندخل عتبات العام الجديد ونحن أكثر تفاؤلا مما نحن عليه الآن،..، وأن نستطيع القول بثقة أن هناك من الدلائل ما يوحى بشيء مختلف، وأن هناك إرهاصات يمكن أن نتوقع على أساسها، أن يكون عام «٢٠٢٤» عاما لانفراج الأزمات، وزوال الآلام التى ألمت بنا فى ظل الأزمات المحيطة بنا وبالمنطقة وبالعالم خلال العام المنصرم.

والمؤكد أننا للأسف لا نستطيع قول ذلك أو الإطمئنان إلى توقعه، من خلال ما نراه ونشاهده من مجريات الأحداث والوقائع فى بدايات العام الجديد وأيامه الأولى.

الأزمات والمشاكل

نعم كنا نتمنى أن نودع كل الأزمات وكافة المشاكل مع وداعنا للعام الماضى، ولكن ذلك لم يحدث للأسف، فها هو العام المنصرم ينقل إلى العام الجديد جميع الأزمات وكل المشاكل، التى أصابتنا وعانينا منها خلاله، وها هى كل الملفات قد لحقت بنا وأبت ألا تتركنا بدونها.

وأحسب أن هذه طبيعة الأمور وطبائع السنين والأيام، فالزمن حبل متصل لا انفصام فيه ولا انقطاع بين حلقاته، بل كل متواصل متشابك فى سلسلة واحدة متعددة الحلقات، تضم فى سرمديتها وسريانها أحداثا ووقائع وتطلعات وأمنيات وأحلاما، تمثل لكل منا أفراداً وجماعات ومجتمعات وشعوباً، الماضى والحاضر والمستقبل، وهى لكل منا ولنا جميعا تعنى الأمس واليوم وغدا.

وفى هذا الإطار، وعلى الرغم من ذلك كله، دعونى أصارحكم القول بأن علينا أن نأمل ونتمنى، أن يكون عامنا هذا عاما جديدا ومختلفا فى شكله ومضمونه ومحتواه عن سابقه.

ورغم ما قد يتصوره البعض من أن ذلك نوع من الإغراق فى الأمانى صعبة المنال أو التحقق، أو أنه نوع من الهروب بعيدا عن الواقع المعاش على الأرض،..، إلا أننى متمسك بهذا الأمل وذلك التوجه، إيمانا منى بأن هناك وسيلة مؤكدة ووحيدة لتغيير الواقع بواقع آخر مختلف، يتوافق مع ما نريده وما نأمله ونتمناه، رغم كل الصعوبات وجميع المعوقات، وهذه الوسيلة تقوم فى أساسها على إرادة التحدى لدى الشعوب والأفراد والمجتمعات، وتعتمد على الإصرار الجمعى لدى الجماهير على تغيير الواقع الذى يرفضونه إلى واقع جديد أكثر جودة وإشراقا،..، وهذا يبدأ أولا بالإرادة والأمل، ثم يتحقق بالعمل الجاد والجهد المتواصل والمكثف.

المرارة والألم

ولا أذيع سراً إذا ما قلت فى إطار البوح والفضفضة التى هى سمة من سمات اليوميات، بأننى قد وجدت صعوبة بالغة مساء الأحد قبل الماضى، الذى كان هو آخر أمسيات العام الماضى «٢٠٢٣»، بأن أقول ما جرت العادة الدارجة على قوله فى مثل هذه المناسبة، التى تتكرر مع نهايات السنين وبدء سنة جديدة فى عمر البشر، «وهو أننا نودع هذا العام بخيره وشره، وبحلوه ومره، كى نسلمه إلى ذمة التاريخ بكل أحداثه ووقائعه، يحكم هو عليها ويدخلها فى الخانة التى تناسبها وفقا للتصنيفات المتوافق عليها.. إن خيراً أو شراً.

ومصدر الصعوبة فى هذا الشأن، هى أن الذاكرة لم تسعفنى فى تذكر ولو قليل من السعادة أو السرور بأحداث أو وقائع جرت فى العام الذى كان فى نزعه الأخير مساء الأحد، حيث كانت ذبالة ضوئه الأخيرة على وشك الزوال.

وللحقيقة لقد وجدت أن المرارة والألم هما الغالبان فى كل وقائع وأحداث ٢٠٢٣،..، خاصة من خلال المآسى الدامية واللاإنسانية الجارية فى غزة، على وقع حرب الإبادة وجرائم القتل والهدم والتدمير، التى تشنها قوى العدوان الإجرامى لجيش الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين فى القطاع، برعاية وتأييد ومشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية، ووسط عجز دولى شامل وسقوط فج للضمير الإنسانى العالمى الذى استسلم لغيبوبة طويلة وعميقة، تحت وقع نظام دولى مهترئ ومتعسف وغير عادل، سيطرت عليه قوى الشر والعدوان وظلم أصحاب المعايير المزدوجة.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك العبء الثقيل للأزمة الاقتصادية التى عانينا منها فى العام المنصرم، فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، الناجمة عن الانعكاسات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية التى أحاطت بالمنطقة والعالم كله، ونحن جزء منه،..، نجد أن العام الذى مضى كان بالفعل ثقيلاً وشديد الوطأة علينا جميعاً.

ومن هنا وعلى الرغم من كراهيتى للنظر للأمور بمنظار معتم أو الركون إلى الأخذ بأكثر الخيارات تشاؤما، إلا أننى أجد نفسى مضطرا إلى القول بأن عام «٢٠٢٣» الذى لملم أوراقه المتناثرة عبر سنة كاملة وتجاوز بها زمننا الحاضر، ودخل بها فى الماضى وذمة التاريخ، لم يكن بكل الأحوال عاما سعيدا لكل المصريين،..، وهو ما لا يدع مجالا لنا لكى نحزن على فراقه، أو نأسى للابتعاد عنه أو افتقاده.

بل وأستطيع أن أقول أيضا إنه كان عاما شديد الوطأة على دول وشعوب كثيرة فى منطقتنا العربية وفى العالم بطوله وعرضه، ويكفى أن ننظر إلى ما يجرى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وما جرى فى زلزال تركيا وسوريا، والزلزال القوى الذى ضرب المغرب الشقيق،..، لوجدنا أنه كان عاما للكوارث والألم والعنف فى الكثير من مناطق العالم.. وعالمنا العربى والشرق الأوسط بصفة خاصة.

ولكن وعلى الرغم من ذلك كله.. إلا أننا يجب ألا نسقط فى خطأ التعميم أو التأكيد على أن الصورة كلها متماثلة فى كل مكان، وأن كل البشر فى كل الدول والشعوب كانت أحوالهم واحدة، أو مشاعرهم متماثلة مع الأحوال والمشاعر التى سادت عندنا سواء فى مصر أو المنطقة العربية والشرق أوسطية.

لذلك ضمن اللازم والضرورى أن نسارع إلى القول، بأنه قد يكون لدى البعض من الشعوب والدول الكثيرة المتناثرة على خريطة العالم بطول وعرض الكرة الأرضية، أحوال مغايرة لأحوالنا ومشاعر مختلفة عن مشاعرنا نظرا لاختلاف الظروف وواقع الحال.

وهذا ليس مقصوراً فقط على الدول والشعوب الأخرى، بل حتى بالنسبة لنا.. قد يكون لدى البعض منا على المستوى الشخصى، بعض لحظات من السعادة طرأت عليه أو استطاع أن يقتنصها أو يختلسها من بين أنياب الكآبة العامة، التى فرضت وجودها علينا جميعا، وأحاطت بنا جميعا فى ظل مشاعر الألم، التى سيطرت على الكل جراء الدمار والخراب وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، الجارية فى غزة ليل نهار،..، ولكن يبقى أن هذه اللحظات من السعادة إذا وجدت، فهى تظل شأناً شخصياً حدث للبعض منا، ولا يمكن تعميمها أو الأخذ بها أو القياس عليها بوصفها ظاهرة عامة.

رؤى وانطباعات

وفى هذا الشأن، وفى إطار ما ذكرته من وجوب الحذر من السقوط فى خطأ التعميم، فمن الواجب أن أشير إلى ضرورة الانتباه إلى أن ما ذكرته عن رؤيتى للعام الماضى هو رؤية شخصية وانطباع ذاتى عن حدث عام عايشه كل إنسان على هذه الأرض، ولكل إنسان فى هذا العالم رؤيته وانطباعه عما عايشه، وهذه الرؤية لا تنفى بالتأكيد رؤى الآخرين أو انطباعاتهم،..، كما أنها لا تعنى ولا تشير إلى أنها الترجمة الصحيحة أو الوحيدة لما جرى وما كان فى العام الماضى، الذى ودعنا ورحل عنا بكل ما كان فيه من أحداث ووقائع،..، وهذا بالتأكيد ينطبق أيضا عما ذكرته بخصوص العام الجديد، الذى مازالت ملامحه غائمة وفى علم الغيب ولا نستطيع الحكم لها أو عليها بأى حال من الأحوال.

لكن على الرغم من ذلك لا نستطيع ان نتجاهل على الإطلاق، ما نراه ونتابعه من أحداث ووقائع طافية على سطح العام الجديد، وصبغت ولونت أيامه الأولى بألوان قاتمة ومعتمة لا تبشر بخير كثير ولا تدعو للتفاؤل، ولا تختلف كثيرا عن ذات الألوان والصبغات التى كانت سائدة فى العام الماضى.

فها هى حرب الإبادة اللاإنسانية مستمرة وقائمة فى قطاع غزة، ومازالت الحرب الإسرائيلية الإرهابية الغاشمة تحصد الاطفال والنساء والشيوخ من الفلسطينيين فى كل ساعة وكل يوم بلا توقف دون ذنب أو جريرة، ومازال العالم عاجزاً عن التحرك الفعال لوقف عمليات القصف وجرائم القتل والدمار، ومخطط الإبادة الجماعية الممنهج للشعب الفلسطينى، وماتزال أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون يتجاهلون أبسط حقوق الإنسان الفلسطينى، ويغمضون أعينهم عن حقهم فى العيش فى أمان وسلام داخل دولة حرة مستقلة وذات سيادة،..، بل وينكرون عليهم أبسط وأول حقوق الإنسان.. وهو الحق فى الحياة.

عين التفاؤل

وفى ذات المنطقة العربية والشرق أوسطية نرى ونتابع فى أيام وبدايات العام الجديد، اضطرابات فى البحر الأحمر ومنطقة الخليج، فى ظل تنامى وازدياد التهديدات للسفن والناقلات العابرة، وتصاعد حوادث القرصنة والاعتداءات التى تتعرض لها هذه السفن وتلك الناقلات، وما صاحبها ونجم عنها من مخاطر تهدد الملاحة فى هذه المنطقة الحيوية من مجرى النقل البحرى، من باب المندب وحتى قناة السويس فى ظل التهديدات المتصاعدة من الحوثيين، وعمليات القرصنة البحرية التى عادت للنشاط بالقرب من الشواطئ الصومالية، وما صاحب ذلك كله من تصاعد التوتر بين أمريكا وإيران،..، وكلها أحداث ووقائع تحمل فى طياتها بوادر اضطرابات وقلاقل محتملة ومتوقعة فى عامنا الحالى «٢٠٢٤».. ولكن دعونا نحاول أن ننحى التشاؤم جانباً.. ونحاول النظر إلى العام الجديد بعين التفاؤل.. فهل نستطيع؟!


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة