محمد درويش
محمد درويش


وجدانيات

جابرو الخواطر والحق المكتسب

الأخبار

الخميس، 11 يناير 2024 - 07:38 م

زمان كان يطلق على المجرمين الهاربين من العدالة وصف «المطاريد» وأشهرهم كان خط الصعيد فى الأربعينيات وعزت حنفى فى بدايات القرن العشرين الحادي والعشرين الذين كانوا يتخذون من الجبال مأوى لهم وعلى رجال الشرطة مطاردتهم أو انتهاز فرصة نزولهم من الجبل للمدينة واصطيادهم.

ومع تراكم خبرات السنين اكتشفت أن جابرى الخواطر أصبحوا أيضاً من المطاريد! فما إن تجبر بخاطر أحدهم خاصة فى الجبر المادى إلا وترى المجبور قد اعتبر جبر خاطره حقاً مكتسباً، وتصبح مطارداً منه مهما كانت أحوالك والظروف التى تمر بها أو طارئ يعتريك يجعلك مثله تبحث عمن يجبر خاطرك! ولكنه لا يأبه بكل ذلك ولا علاقة له بالظروف التى تحول دون استمرارك فى جبر خاطره.

خذ مثلاً من سافر للعمل فى الخارج خاصة فى دولة خليجية، فى أول إجازة له يحمل ما استطاع من هدايا للأقارب والأصدقاء وفى إجازة العام التالى إذا لم يفعل مثل ما فعله فى إجازة العام الأول فستلاحقه علامات الاستياء والازدراء المصاحبة لاستقبال فاتر وكأن ما حدث فى العام الأول صار حقاً مكتسباً لا حيلة له فى التراجع عنه حتى لو كان قد استقال أو انتهى عقده وعاد بشكل نهائى إلى أرض الوطن.

قس على ذلك الموظف فى مصلحة حكومية الذى يحرص على اتقاء ربه فى عمله ويجبر خاطر كل المتعاملين، تجد مكتبه مكدسًا بأصحاب المعاملات حيث تسرى سيرته العطرة بين رواد المكان فيأبى أكثرهم إلا اللجوء إليه وعليه أن يدفع ثمن جبره للخواطر وهى عبادة كما وصفها الإمام الشعراوى أنها أسمى العبادات. اتذكر موظفاً وضع لافتة خلف مكتبه «لا تعتبر كرم أخلاقى حقاً مكتسباً».

وعلى المستوى المهنى فى الصحافة تجد المسئول عن تلقى أعمدة الكتاب من الزملاء الصحفيين أو الكتاب من الخارج يحاول مرة تلو المرة تنبيه بعضهم إلى أن ما ينقلونه من نسخ حكايات تتداولها مواقع التواصل، أنه لا مانع من أن يتضمنها مقاله بتمهيد مثل هذا من أجمل ما قرأت على الفيس بوك أو موقع اكس «تويتر سابقاً» ولا حياة لمن تنادي، يدعى أنه وصلته رسالة من قارئ أو قارئة وهى بحذافيرها المنشورة على الصفحة الخاصة به أو بها. ولا تملك ألا أن تيأس من إصلاح الحال ولتستسلم خصوصاً لأحدهم أن يقدم مقاله أسبوعياً «كوبى بست»، من المواقع عن الحدث الذى يتناوله. الاستسلام هل هو يأس أم جبر خواطر أم أن الخجل يمنعك من مواجهة صاحب الاسم الكبير سناً وأحياناً مقاماً؟ لست أدرى.

ونأتى لبيت القصيد كاتب الخارج الذى يلجأ إليك عبر خاصية الخاص «الماسنجر»، دون سابق معرفة به ويسأل السماح بالمساهمة فى يوميات الأخبار تطلب منه إرسال ما يريد ليجرى تقييمه وتخبره بمحدودية فرصة النشر خاصة أن لليوميات جدولاً لا نحيد عنه وفرصة النشر نادرة ولكن من باب جبر الخواطر لا يمكن أن ترفض طلباً لكاتب خاصة إذا أجمع مجلس التحرير على قبول مقاله.

وما إن يتم النشر، إلا واعتبر ما حدث حقاً مكتسباً وقد يرسل فى نفس اليوم مقالاً آخر وتحاول إيضاح أن قائمة الكتاب خارج الجدول مكتظة ولابد من أن يمنح فرصة لغيره، هنا يعتبر ذلك إهانة لذاته العليا ولا يسمح لأى كائن مهما كان بأن يهينه!! ولا ينتظر رداً.

قلت له فعلاً كلامك لا يستحق رداً.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة