كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

أعداء الشتاء وأصدقاؤه حائرون

كرم جبر

السبت، 13 يناير 2024 - 07:28 م

فى كتاب "اللطائف والظرائف" لأبى منصور الثعالبى حديث عن الشتاء: "طول الليل الذى جعله الله سكنًا ولباسًا، وبرد الماء الذى هو مادة الحياة، وانقطاع الذباب والبعوض".. ثم عاد فى موضع آخر يقول: "الشتاء عذاب وبلاء، يعمش العينين ويسيل الأنوف ويقشف الأبدان".

والشاعر محمد الماغوط: "غدًا يتساقط الشتاء فى قلبي، وتقفز من المتنزهات الأسماك والضفائر الذهبية، أجهش ببكاء حزينًا على وسادتي.. جودى علينا يا سماء، قد جاءنا فصل الشتاء".

ومن الأقوال القديمة: "احذروا البرد فقد قتل أخاكم أبا الدرداء".

وأبو الدرداء صحابى وقاض دمشق وفقيه، مات سنه 32 هـ، وأشهر ضحايا البرد "الكاذب"، وفى كتب السيرة عشرات الخطابات عن وفاته، وليس بينها أنه مات بالبرد.

وقال الجاحظ: "الشتاء عند الناس هو الكلب الكَلِب، والعدو الحاضر نتأهب له كما يتأهب الجيش"، وسمى بالجاحظ لبروز ظاهر فى عينيه.

وهكذا الشعراء والمبدعون مختلفون وحائرون، حول حبهم أو كراهيتهم للشتاء.. بعضهم تربطهم بالشتاء قصص حب غامضة، غير مفهوم سرها، فكان البرد والصقيع مصدر إلهامهم، فأبدعوا فى رسائل الشوق والحنين.

نزار قباني: "إذا أتى الشتاء، وحركت رياحه ستائري.. أحس يا صديقتى بحاجة إلى البكاء، على ذراعيك، على دفاتري" ووصل نزار قمة الوعى بقصيدة "لا وسيلة للتدفئة سوى أن أحبك.. لا يقلقنى الثلج، ولا يزعجنى حصار الصقيع، فأنا أقاومه حينًا بالشعر وحينًا بالحب، فليس عندى وسيلة أخرى للتدفئة سوى أن أحبك".

فاروق جويدة: "الوقت ليل والشتاء بلا قمر، نشتاق فى سأم الشتاء شعاع دفء حولنا.. نشتاق قنديلا يسامر ليلنا.. نشتاق من يحكى لنا ولا يمل حديثنا".
 جودى علينا يا سماء، قد جاءنا فصل الشتاء 

فالشوارع أدفى من البيوت، ولم تعد الشقق أماكن آمنة ضد البرد، وأعلنت البطاطين والألحفة عجزها عن حماية البردانين، وأصبح اللجوء للسراير مخاطرة غير محسوبة، الواح تلج.

 أهل الهوى يا ليل فاتوا مضاجعهم 

وإذا اجتمع بيرم التونسى وزكريا أحمد وأم كلثوم ومقام نهاوند، ومعهم الشتاء.. وصل الإبداع منتهاه، والعشق قمته والهيام روعته.

"أهل الهوى يا ليل فاتوا مضاجعهم، واتجمعوا يا ليل صحبة وأنا معهم، يطولوك يا ليل ويقصروك يا ليل، يطولوك يا ليل من اللى فيهم، وأنت يا ليل بس اللى عالم بيهم"، ومقام نهاوند هو سلطان الموسيقى العربية لتوافق طبقته مع صوت الإنسان الطبيعى وسهولة مرافقة الغناء.

أما مقاهى القاهرة فى الشتاء فلم تكن منتجعات للشيشة، ولكن منتديات للسمر والبرد والعشاق، يجتمع فيها أهل الفن والأدب والثقافة، ويبدو -والله أعلم- أن "أهل الهوى" وزعيمهم زكريا أحمد، كانوا يركلون البطاطين والألحفة ويخرجون هائمين على وجوههم، فى شتاء القاهرة الساحر وليلها البديع، ويجتمعون فى مقاهى شارع عماد الدين، قبل أن تتحول، إلى محلات لبيع قطع غيار السيارات.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة