توماس جورجيسيان
توماس جورجيسيان


يوميات الاخبار

سليم حسن .. وفجر الضمير

الأخبار

السبت، 20 يناير 2024 - 08:54 م

يكتبها اليوم : توماس جورجيسيان

أعاد للمتحف المصرى مجموعة من القطع الأثرية كان يمتلكها الملك فؤاد ـ ورفض طلب الملك فاروق باسترجاعها فيما بعد؛ ولذا تعرض لمضايقات أدت الى تركه لمنصبه

الاثنين:
لا شك أنَّ اختيار الأثرى المصرى الرائد سليم حسن ليكون شخصية العام لمعرض القاهرة للكتاب عام ٢٠٢٤ يعد فرصة لنا جميعا لكى نقترب من عالمه؛ وذلك لكى نتعرف عليه أكثر ونتحدث عن تفاصيل حياته، وأن نقوم بتسليط الأضواء على اكتشافاته الأثرية، والأمر الأهم طالما نأتى على ذِكر معرض للكتاب أن نقرأ إرثه المعرفى التاريخى المتميز والخاص بمصر القديمة.. إنها فرصة مهمة وضرورية لكل من لا يعرفه ولا يعرف تفاصيل مصر القديمة، وأيضا لتثقيف الأجيال الجديدة وتوعيتها.


الأثرى سليم حسن (١٩٦١-١٨٨٦) قدَّم لنا بجانب اكتشافاته للآثار المصرية القديمة كنزا معرفيا ضخما ومتميزا يسمى «موسوعة مصر القديمة» بأجزائها الـ ١٨. وهذا الأثرى الرائد بعد أن تناول مصر القديمة تاريخا ومكانا وزمانا وإنسانا عبر السنين اهتم أن ينقب فى كنوز ما أسماه بالأدب المصرى القديم فى الجزءين الـ١٧ والـ١٨ متمثلا فى القصة والحِكَم والأمثال والتأملات والرسائل الأدبية. وأيضا فى الشعر وفنونه والدراما.
ويجب أن أذكر هنا أن سليم حسن بأسلوبه الشيق والجذاب فى عرض معرفته بمصر القديمة عندما يدخل عالم الدراما والفنون لدى قدماء المصريين لا يفوته شىء، إذ مثلما يصف دراما حور على أعدائه (على جدران معبد إدفو) يتناول الأناشيد الدينية والأغانى الغزلية ومدائح الملوك وأغانى العمال أيضا. الجزء الأول من هذه الموسوعة صدر عام ١٩٤٠ أما الجزء الأخير (الـ١٨) فقد صدر عام ١٩٤٥.


«عاشق المحروسة» كما تصفه سناء البيسى فى كتابها «سيرة الحبايب» عندما سألوه قبل رحيله بخمسة أيام ( فى الـ٧٥ من عمره) وكان وقتها يعمل لمدة ١٢ ساعة يوميا: متى تنتهى من تأليف موسوعتك عن النيل التى طلبها منك جمال عبد الناصر؟ فأجاب وابتسامة غامضة على شفتيه: بعد أن أنتهى من كتاب كليوباترا.


ـ ومتى تتم كليوباترا!؟
ـ لا أدرى، فهناك شعور داخلى يهمس لى بأنى لن أتم كتابتها.. ويزيد عدد الكتب التى ألفها سليم حسن على ٣٠ كتابا بالعربية والفرنسية والانجليزية. موسوعته بالإنجليزية عن حفريات منطقة الجيزة لم تتم ترجمتها بعدُ. كان سليم حسن أول مصرى يتولى منصب وكيل عام لمصلحة الآثار المصرية. وأعاد للمتحف المصرى مجموعة من القطع الأثرية كان يمتلكها الملك فؤاد ـ ورفض طلب الملك فاروق باسترجاعها فيما بعد؛ ولذا تعرض لمضايقات أدت الى تركه لمنصبه.
الحديث عن كافة جوانب حياة سليم حسن العلمية والخاصة بالتأكيد سوف يأخذنا الى عالم ثرى مليء بالتجارب الإنسانية المتميزة التى عاشها الأثرى المصرى والتحديات التى واجهها فيما اكتشفه أو حاول الحفاظ عليه.. أو فيما كتبه ووجد تجاهلا أو إهمالا من معاصريه.


وبكل التأكيد أقف هنا تقديرا واحتراما لما قام به أيضا سليم حسن من ترجمته إلى العربية الكتاب القيم الفريد من نوعه «فجر الضمير» الذى كتبه ونشره عالم الآثار الأمريكى جيمس برستد. هذا الكتاب صدر فى يناير ١٩٣٣. والترجمة العربية كانت فى يناير ١٩٥٦ أى بعد ٢٣ عاما من صدور الكتاب.. وحسب وصف سليم حسن فإن «هذا الأثرى العظيم (برستد) بكتابه هذا قد أظهر للعالم أجمع بأن المصدر الأصلى لكل حضارات الإنسانية، هى مصرنا العزيزة». وفى ختام مقدمة كتبها سليم حسن لترجمته العربية بتاريخ يناير ١٩٥٦ ذكر:


«أحب أن أذكر أن الأستاذ «برستد» قد قال فى مقدمة كتابه:
إنه يجب على نشء الجيل الحاضر أن يقرأوا هذا الكتاب الذى يبحث فى تاريخ نشأة الأخلاق بعد بزوغ فجر الضمير فى العالم المصرى.
لذلك رأيت أنه إذا كان المؤلف يحتم على شباب العالم الغربى أن يقرأوا هذا الكتاب فإنه يكون من ألزم الواجبات على كل مصرى مثقف أن يستوعب ما احتواه؛ لأنه تاريخ نشأة الأخلاق فى بلاده التى أخذ عنها كل العالم.


وإنى أرجو فى النهاية أن أكون قد قمت ببعض ما يجب عليَّ نحو بلادي، كما أرجو أن يهتم كل مصرى يحترم نفسه ويقدر منزلة بلاده بقراءة هذا الكتاب؛ لعل فى ذلك باعثًا لإحياء الماضى المجيد الذى لا يزال العالم الغربى يَرِد مناهله ويسير على هداه منذ أقدم عهده حتى يومنا هذا دون أن يشعر أحد منا بذلك حتى أبرزه لنا الأستاذ «برستد» فى «فجر الضمير»، أو كما أسميه «مصر أصل مدنيات العالم».
سليم حسن له بصماته المميزة فى تاريخنا وإرثنا. وأيضا فى فهمنا وادراكنا لأهمية هذا الإرث وقيمته.
الأربعاء:
إبراهيم عويس .. وقصة ثقافتين
لأكثر من ٤٠ عاما كان د. إبراهيم عويس أستاذ الاقتصاد فى جامعة جورجتاون العريقة فى العاصمة الأمريكية. ومن طلابه كان الرئيس الأمريكى السابق «ويليام جيفرسون كلينتون» الذى ظل لسنوات طويلة يتذكر كيف أنه حضر محاضرات الدكتور عويس عام ١٩٦٧ عن الاقتصاد العالمي. وكيف أن أستاذه هذا بجانب تدريسه لتفاصيل اقتصاديات العالم وتأثيرها على المجتمعات وخصوصا فى مجال النفط قام بمشاطرة فهمه وإدراكه للعالم العربى وشرح الأسباب الرئيسية للنزاع العربى الإسرائيلي.


ما كان يتذكره الرئيس الأمريكى السابق كتبه فى مقدمة كتاب A Tale of Two Cultures «قصة ثقافتين» من تأليف د. إبراهيم عويس والكتاب صدر باللغة الإنجليزية عام ٢٠١١. ويضم «سيرة ذاتية» لمصرى أمريكى أو أمريكى من أصل مصري.
كلينتون رأى أن أستاذه فى كتابه هذا مثلما كان فى حياته يعد مثالا للمعلم الحكيم وأيضا الكريم والمثابر دائما. وحسب كلمات «كلينتون» فى مقدمة الكتاب أنه «تجسيد لأفضل القيم فى الثقافات التى شكلته وأنه يحث قراء هذا الكتاب على ضم هذه القيم لهم وجعل العالم مكانا أفضل».


د. عويس ابن الإسكندرية تركنا ورحل عن عالمنا فى نهاية نوفمبر الماضى.. من كان معنا بحضوره المميز والجميل كأستاذ جامعى وشخصية عامة. من كان معنا بعلمه الوفير فى الاقتصاد وشبكة اتصالاته الواسعة مع أصحاب النفوذ والقرار فى أمريكا والدول العربية ودول أخرى. وأيضا من كان معنا ومع طلابه بقدرته ورغبته المتجددة فى التواصل مع الأجيال المتتالية وسعيه لمشاطرتهم فى تحقيق أحلامهم. وهذا الأمر بالذات كان لافتا لنظر مئات الطلاب وكل من عرفه عن قرب.


د. إبراهيم عويس صاحب أكثر من ستين إصدارا أكاديميا وهو الذى صك فى قاموس الاقتصاد عام ١٩٧٤ كلا من مصطلحى الـ»Petrodollar» (بترودولار) و»Hostage Capital» (رأسمال الرهين). كما أن الرئيس السادات فى عام ١٩٧٧ قام بتعيينه رئيسا للبعثة الاقتصادية المصرية فى نيويورك.. ولد ابراهيم عويس بالاسكندرية عام ١٩٣١ وعاش وتعلم بمصر ثم غادرها يوم ٢٠ فبراير١٩٦٠ بالباخرة ـ وعبر المتوسط وعبر الأطلسى وصل الى أمريكا. تفاصيل الوطن والسفر والحنين والغربة وأيضا اكتشاف الذات والانغماس فى التعلم والتفوق تجدها على صفحات كتاب السيرة الذاتية.


د. عويس عايشته على مدى ثلاثة عقود. وخلال تلك السنوات كان دائما بالنسبة لى الأستاذ الكريم والأب العزيز والصديق الودود والمصرى الإسكندرانى ـ يفتح لى قلبه ويحكى حواديته. وأسأل عن نصيحته ووجهة نظره.. نجيب معا فى سيرة نجيب الريحانى وعبقريته فى صنع البهجة وتزويدنا بدروس الحياة. وبالطبع نتبادل ذكرياتنا عن الزمن الجميل والإسكندرية التى كانت.. والمصرى اللى دهن الهوا دوكو.. وخرم التعريفة. أكثر من مرة قلت له: حضرتك.. يا د. عويس ابن بلد بـ «بابيون». وعندما بدأ يكتب سيرته الذاتية تناقشنا كثيرا حول مشواره ومحطات حياته!
سوف أفتقدك يا د. عويس.


الخميس:
القراءة حياة وخيال وبهجة .. نقول كمان؟!
وأنا ألجأ لأبجدية الكتاب وألوذ بمفرداتها لأقول لك:
خليك دايما كتاب مفتوح..
صفحاتك مفتوحة ومستعدة لاستقبال كل ما ينور حياتك ويزين دنياك. وسطورك تسير بك وأنت فرحان بها.. وأنت فى طريقك للمعرفة والحكمة.
وإذا كانوا قد قالوا إن الكتاب «بيتعرف من عنوانه».. فأنت نفسك بتتعرف من الكتاب اللى بتقراه.. والكتاب اللى عايز تقراه.. والقراءة عمرها ما كانت عقوبة.. وشر لا بد منه.


وطبعا القراءة تاج على رءوس القراء لا يراه الا القراء.. الأصحاء أنفسهم..
ويراه كمان كل من يجنى ثمار القراءة والمعرفة.
وطبعا كمان اللى بيحس انه مش لوحده فى الدنيا دى طالما معاه خير كتاب وبالتالى مش حاسس «إنه اتولد امبارح» أو «إنه داخل الدنيا صفحة بيضاء».
ونعم، الانسان القارئ لا يهزم بسهولة. واللى بتشوفه العين ـ وأنت بتقرأــ مش بس بيتكتب عالجبين..
إنما بيتكتب فى دماغك وذاكرتك وتجربتك.. وجينات المعرفة عندك.


واوعى تفتكر انك لوحدك وأنت قاعد بتقرأ فى كتاب أو إن عصر الكتاب ولى وانتهى.
واللى بيقولوا كده ــ علشان خاطرى ابعد عنهم وغنيلهم.
ده قُصر ديل وقُصر نظر.


وأنت ببساطة طوّل بالك.. ومد ايدك وهات كتاب واقراه.
وهات كمان مكتبة مرصوصة فيها كتب نِفسك تقراها.
كتب تقراها بكره وبعده.. وبعد بعده كمان.
كده مش بس حتنور دماغك.. دانتا حتنورنا كمان.
وهو فيه حد بيكره النور؟!


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة