د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


يوميات الأخبار

متى تعتذر أوروبا عن جرائم استعمارها؟

د.محمد أبوالفضل بدران

الخميس، 25 يناير 2024 - 04:59 م

ينبغى أن نتحاور وهذا الحوار مفاده نقل ما يتفق مع حضارتنا إلى بلدنا وترك ما لا يوافقنا دون تجريح

ليس دفاعاً عن أوربا

الأحداث الأخيرة فى غزة جعلت أوربا فى مرمى الجماهير العربية وربما خفف من استدعاء الحقبة الاستعمارية فى أذهان الناس ما رأيناه من مظاهرات حاشدة تطفو بها ميادين مدن أوربية تناصر الشعب الفلسطينى وتدعو لوقف الحرب ولإقامة الدولة الفلسطينية؛ وحينما أفكر فى علاقة العالم الاسلامى بأوربا أراها علاقة مضطربة فى حاجة إلى مكاشفة لأنها حوت مزيجا من الكراهية والحب، إن أوربا هى الحقبة الاستعمارية والغزو الثقافى والأعجب أن التقليديين والتنويريين والجالسين على الحواف يعشقون أوربا لكنهم يلعنونها علناً؟ ترى هل لذلك من سبب؟ فهى إن حافظت على المخطوطات العربية اتهمناها بأنها سرقتها من بلادنا وكلنا يعرف حال المخطوطات العربية فى بلادنا..

وإن فتحت متحفا لرأس نفرتيتى فى برلين لمومياوات الفراعنة فى متاحفها اتهمناها بسرقة تراثنا الإنسانى والجميع يدرك ويرى أحوال ما تبقى من آثار فى بلادها الحقيقية ..

نأتى كى نتعلم فى أوربا حتى نرجع لنهاجمها، نتعلم من المستشرقين ونتهمهم بعدم الحياد، نركب سياراتهم ونستخدم تقنياتهم الحديثة ونرى أنهم أساس الشر وسبب تخلفنا الصناعى والفكري.. إننا نتعلم منهم حرية الفرد والجماعة لكى نجرب نحن الحرية فى شتمهم وتعرية نقائصهم..

هل وقعنا فى مرمى ما بعد الاستعمار؟ لماذا لدينا القابلية للاستعمار بأشكاله المختلفة؟ إننا نضع الغرب فى سلة واحدة وهذا خطأ يقابله خطأ أوربا فى تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا واليمين المتطرف.

الأنا والآخر المغاير

أعتقد أن «الآخر» غير واضح المعالم لدى الطرفين فما يزال الغرب عقدة فى نفوسنا لأننا لم نجرب أن نخرجه من دائرة «الآخر المغايِر» إلى «الآخر المقارِب» لقد جربنا الحروب مع أوربا من منطلق الآخر المغاير الذى ينبغى كفاحه وقد كانت حروبنا من أجل الاستقلال عادلة، لكن أن نعيش على الغرب ونلعنه أظن أن هذا منطق الشحاذ الذى كان يقف على ناصية قريتنا قائلا: هات حسنة لسيدك!! وعندما أقول ذلك لا أنبهر بأوربا وإنما أحاول أن أصنف الذات فى مقابل الآخر المقارب؛ إن العالم اليوم ليس مجالا للصراعات الحضارية كما يدعى صامويل هانتجنتون وليس مجالا للصراع بين الأديان، كما نادى صرب البوسنة ولكن العالم الآن فى حاجة إلى المقاربة؛ هذه الحاجة ينبغى أن توجد لدى الطرفين..

أوربا والوافدون إليها

هل يعود الموفدون إلى أوربا إلى أوطانهم متحسرين على ما بهم من تخلف فتتحول لديهم الحرية التى لمسوها فى أوربا إلى حرية ضد أوربا، وتتشكل لديهم رؤية الآخر الذى لم أسبقه تقدما ولن ألحق به. أعتقد أن الأمر فى حاجة إلى مناقشة، هنا أسباب بالتأكيد تدعو إلى الخوف من أوربا، لكن المواطن الأوربى باستثناء اليمينيين لا يحتاج للصراع، إنه مواطن من زاوية « الأنا» وهى زاوية يحرص المرء على المسالمة فيها مع الغير والخوف منه أيضا بينما ننطلق نحن من زاوية الأنا الذى يحرص على التوجس من «الغير»؛ قد تكون هذه الأحكام قاسية لكن حين نتطلع إلى أن معظم الذين يجاهرون بكراهية أوربا هم من الذين قبلتهم أوربا لاجئين سياسيين بعد أن هجروا أوطانهم، أو من الذين تعلَّموا أو يُعلِّمون بها فيلعنونها فى صحف لها من الحرية أن تنتقد البلد فلا تُصادر لقد ظن هؤلاء أنهم عندما لا يستطيعون أن يهاجموا سلبيات بلادهم أنهم قادرون على مهاجمة أوربا..

فى العقلية الأوربية يوجد النازيون الجدد الذين يكرهون كل ما ليس أوربيا لكن حجم هؤلاء قليل إذا قيس بمن يحبون السلام والصفاء مع الشعوب...

إن ألعاب السياسة ليست دائما بأقدام الشعوب، ولذلك ينبغى أن نتحاور وهذا الحوار مفاده نقل ما يتفق مع حضارتنا إلى بلدنا وترك ما لا يوافقنا دون تجريح ودون أن نُخرج انكساراتنا ضد أوربا.

بين الطرفين

إن عقلانية الأشياء تدعوننا إلى المصالحة، كل الشعوب على مدار التاريخ كانت مستعمِرة حينا وأحيانا مستعَمرة؛ لكنى أطالب أن تدفع أوربا تعويضات عادلة عما اقترفته فى حق شعوب الأرض ، من حق الأحفاد أن يروا اعتذارا أوربيا عن الحقبة الاستعمارية مصحوبا بتعويضات لأحفاد الضحايا ودون هذا وذاك فلن تنفتح القلوب والعقول العربية على أوربا،.أما القول إن أوربا تلقى بيننا البغضاء والتفرقة فهذا قول حق من جانب لكنه فى جوانب أخرى ينبغى علينا إن نعلن أن من يرض أن يكون عرائس متحركة فعليه أن يطيع الخيوط ولا يلعن الأصابع الخفية التى تحركه. هل يستطيع مثقف عربى أو فى كل العالم أن يُعرض عن التقنية الصناعية التى صاغها الغرب؟ هل نستطيع أن نتجاوز ونتغاضى عن تراث كانْت وهيجل وديكارت وجوتة وشيلر وبتهوفن ونيوتن وباخ وشوبرت وسارتر وبروست وميشائيل إنده وكافكا وغيرهم. نحن بحاجة إلى أوربا كما أنها فى حاجة إلى حضارات أخرى لأنها لن تكوّن حضارة واحدة بمفردها وهذا ما ينبغى أن تعيه أوربا قبل أن تتبوأ مكانتها الحضارية المستقبلية خلفا لقوى كبرى انهارت، وليست أوربا خطرا علينا بقدر خطورة أنفسنا على أنفسنا... إن أوربا فى حالة الوعى بالآخر ونحن فى حالة اللاوعى بالآخر، وهذا يجعلنا نكره أوربا ونحقد عليها أو نحبها ومن الحب ما قتل. ولو أن أوربا تخلصت من عتق الارتباط بأمريكا لبدت أكثر قربا من العرب وأكثر تقبلا لقيم الحق والعدل.إنها تدفع ثمن الارتباط بأمريكا من جهة وثمن رعايته للكيان المحتل من جهة أخرى.

الصورة النمطية لدى كل طرف

قالت لى إحدى الألمانيات ذات يوم إنكم تضربون النساء ليل نهار وجنتكم محرمة على النساء، هكذا قرأت وهكذا تكوّنت صورة العربى فى أذهانهم؛ لقد أوضحت أن كل طرف يحاول صنع صورة العدو المقابل ولكن ذلك لن نجنى منه سوى الحروب، وإن المصالح الاقتصادية مشتركة كذلك؛ إن عادم السيارات فى القاهرة أو فى أى عاصمة مزدحمة بالعالم تتأثر البشرية به فنحن فى قارب واحد رغم الحدود الجغرافية والاقتصادية وعلى مدى التاريخ قامت حروب كثيرة وسقط قتلى من جميع الأطراف، والإنسان- بكل أسف- غير قابل فى هذا الموضوع للتحضّر، إن دوافع الحرب رغم مآسيها تستهويه، إن المرء لا يتعلم من الماضى ولا الحاضر، لقد مرت حقب طويلة وكل يصنع ويدبر الفخ للآخر ليسقط فيه فى النهاية منتصرا أو منهزما وما نراه من تدمير دموى لغزة شاهد على أنهم لم يتعلموا مما فعله هتلر بهم فجاؤوا كى يعيدوه على الفلسطينيين الأبرياء..

لقد خرجت المستشرقة الألمانية أنَّمارى شيمِل من وسط الحضارة الأوربية لتعلن انتماءها إلى الحضارة الإسلامية وتقديسها لها والاعتراف بما أهدته الحضارة الإسلامية للعالم من علوم وآداب اتكأ عليها الغرب فى نهضته لأنها أسهمت فى تنويره؛ لتكن حرب غزة منعطفا جديدا فى العلاقة بين الشعوب العربية والأوربية بعيدا عن السياسة التى قطعت وشائج الإنسانية فى الغرب الذى فقد منظومة القيم وساسته يشاهدون الإبادة فى غزة فلا يحركون ساكنا وأطراف منه تقف علانية ضد وقف النار؛ وليكن الغرب شجاعا فى الاعتراف بمآسيه الاستعمارية ودفع التعويضات لأحفاد الضحايا ليفتح العالم العربى صفحة جديدة.
فى النهايات تتجلى البدايات

معلقة الرحيل

ودعتُكمْ شَكْلا، قد جئتــكمْ كهلا
فى البُعدِ والقُربِ كنتمْ دائمًا أهلا
ها قد رجعتُ وعاد الشـيبُ يصحبني
يا أيها الشـيبُ لا أهلًا ولا سهلا
ها قد رجعتُ، علامَ الآن تســألني
وإنْ ســألتُ على خِلٍّ يُقالُ: خَلا
يا أيها الغِرُّ : ماذا أنتَ فاعـلُهُ؟
بالأمسِ فى غُرْبةٍ، واليومَ جئتَ بِلا
كم كنتُ بدءَ حيـاتى عاقلاً ، قَنِعاً
واليوم صـار عُقَيْلى طامعاً ، جدلا
كأن عمرى صـخور رحتُ أرفعها
«سِيزِيفُ» فى صخره قد باتَ منشغلا
ها قدْ بنيتَ جبـالا رحتَ ترسـمها
من الثلوجِ فجاءَ السّـيلُ قد حملا
يا لهْف قلبى إذا ما جئتُ ســـائلَهُ
عن تلكَ هذى التى كانتْ لنا حِوَلا
هَبْنى خطئتُ، كأنى لم أكن بشـرا
أنا القتيلُ ، ولكنْ كنـتُ مَن قتلا
«أوْدَعْتُ قلبى إلى مَنْ ليس يحفظهُ»
ما وَدّعَ القلبُ يومًا مَنْ سَلاهُ قِلَى
كمْ قلتُ للقلبِ؛ ليتَ القلبَ طاوعني
لا تسلكِ البحرَ،واسلكْ يابساً سُبُلا
فى الحبّ أوردنى ما كنتُ خائفَهُ
لـمّا رجعْتُ أضعتُ الخُفَّ والجَمَلا
يامَن رأى غَرِقاً فى مـــاءِ مَدْمَعِهِ
يا من رأى حَرِقًا من دمعه اشـتعلا
ولو أجــودُ بروحى قلتـمُ أجَلٌ
ولو أجــود بقلبى كنتُ من بخلا
أنَّى رحلتُ لكــم فى العينِ مُتّكَأٌ
كأنكمْ بجفونى صـــرتُمُ ظُلَلا
أنَّى رحلتُ فقلبى ليـسَ يتبعني
وإن ســألتُ عليه ردّ من سألا
كمْ ذا رضيتُ من الأشياءِ أشبهَها
فما وجدتُ لأيامــى هنا بدلا
ما كنتُ إلا حروفًا فى الهوا نُثرتْ
فشكّلَ الحرفُ سُحْبَ الوجْدِ والغَزلا
كمْ ذا نُصِحْتُ وما أُذنى بصاغيةٍ
حسْبى من الغُنْمِ صارَ العَوْدُ لى أملا
غادرتُ أبغى علوماً كنتُ أجهلُها
فعدتُ بالعلمِ مُزدادًا به جهْلا
فقلتُ : هاتِ كنوزاً رُحتُ أَجمعُها
كيْما يُقـالُ : غَنِيٌّ خلّفَ الجبلا
كَيْما يقالُ ؛ وما قولٌ ســينفعني
ولنْ يجئَ سِــوى ما رُمْتُهُ عملا
طَوّفتُ فى الأرضِ مثلَ الخضرِ، أنهبها
«باللهِ، ما حَمَلَتْ رِجلاك» يا رجلا ؟
ماذا جمعتَ؟ حطاماً ؛ سـوف أتركهُ
يا أيها الغِرّ حقًا، لم تُهبْ عقلا
عفواً كتبتُ فلمْ أبدأْ على طللٍ
لأنّ روحيَ صارتْ بعدكم طَللا
أقتاتُ أخْيـلةً راحـتْ تطـاردني
ركضَ السرابِ،ويجرى العمرُ مُرتحلا
جاوزتُ نصف طريقٍ لستُ أعرفها
وَرُبّ مُنْتَصَــفٍ قد جاء مُكْتملا

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة