الجمعة، 26 يناير 2024 - 02:52 م

قبل سنوات كان مصطلح «المجالس العُرفية» غير دارج على مسمع ومرأى الكثير، لكن مع بدء انتشار مقاطع مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتلك المجالس العرفية بدأت تحصد الآلاف من المشاهدات والتعليقات، لما لها من نظام خاص وصارم يصعب التمرد عليه أو كسره، بدأ ذلك المصطلح يلقى رواجًا.

وتعد "المجالس العرفية" من العادات والتقاليد المتورثة منذ قديم الأزل وهي التي يلجأ لها الأهالي للفصل فى مختلف المنازعات ومن أبرزها الخصومات الثأرية، حيث تنتشر في المناطق الريفية والصعيد.

وانتقلت "بوابة أخبار اليوم" إلى محافظة القليوبية، حيث التقت بأشهر محكمي المجالس العرفية وهما ربيع أبو حمد وفيصل البدوي، حيث كشفا عن العديد من أسرار تلك المهنة وكيفية تصفية الخصومات بالقضاء العرفي، وأسانيد إصدار الأحكام وكيفية تقييم الإصابات وقيمة الدية.

اقرأ أيضا:حكايات| تريد الزواج.. ستختطف زوجتك وستقاتل لتحريرها وسيُحرم عليك الأكل مع والديها.. ما القصة؟

أسس عقد التجمعات العرفية

من جانبه، تحدث الشيخ ربيع أبو حمد عن كواليس "المجالس العرفية" وأسس عقد تلك الجلسات، مشيرا إلى أنها توجد منذ زمن طويل، وهناك أسس لعقد تلك التجمعات العرفية وهناك أماكن مخصصة لعقدها، إذ يجب أن يتسم صاحب الجلسة بالسيرة الطيبة والمعاملة الجيدة.

وأردف: "يجب أن يكون قويًا في الحق ولا يخاف لومة لائم، حيث يتم اللجوء لهم للتحكيم في قضايا بين أسر وعائلات ذات صيت كبير، حيث يقوم أصحاب المشاكل برفع القضايا للقضاة العرفيين الذين اختاروهم، إذا لم يتمكن الطرفان أو أحدهما من عرض قضيته ببلاغة ووضوح في الجلسات العرفية، فيحق لهما أن يحضرا آخر، المعروف باسم (اللسان)، حيث إن هذا الشخص يمكنه شرح القضايا بإيجاز للمحكم.

وأضاف أن المحكم يتم تحديده من قبل أطراف النزاع وكل طرف يقوم بإحضار المحكمين الخاصين بها، وإذا كان هناك خلاف بين المحكمين فالغلبة لصاحب المنزل الذي انعقد فيه المجلس العرفي. 

أحكام المجالس العرفية

وتابع: "الأحكام في المجالس العرفية تختلف فعلى سبيل المثال الجرح في مكان ظاهري تختلف عقوبته عن جرح آخر غير ظاهري، وأما في حالة القتل تكون الدية طبقا للشريعة الإسلامية وتقدر بحوالي 4 كليوجرامات من الذهب أو ما قيمته من الإبل أو أموال ويكون ذلك في حالة ثبوت واقعة القتل عن طريق الحجج وشهادة الشهود بعد القسم على المصحف الشريف".

ويوضح في حديثه، أن الجلسات العرفية في القديم كان يتم إستقطاع مبلغ من المال من طرفي النزاع ويطلق عليه «الرزقة» ويتم صرفه على لوازم الجلسة من مأكولات ومشروبات لكن هذا النظام أصبح غير مألوفًا في الوقت الحالي لأنه سبب العديد من المشاكل.

نظام محدد لمجالس الصلح

كما أكد أبو حمد على أن هناك نظام محدد لمجالس الصلح والتحكيم حيث يتم كتابة محضر المجلس إلى جانب قيام كل طرف بالتوقيع على إيصالات أمانة على بياض وفي حالة الإخلال بنظام الجلسات يتم توقيع غرامة فورية على الطرف المتسبب في الإخلال بنظام الجلسات تكون العقوبة موضحة مسبقا قبل بدء الجلسة العرفية.

معاملة خاصة للسيدات

ويشير إلى أن السيدات والأطفال لهم معاملة خاصة خصوصا وإن لم يصدر منهم أي فعل مُشين في الواقعة محل مجلس التحكيم، وتحصل السيدة في هذا الحالة على ما يطلق عليه «الحق المربع»، فعلى سبيل المثال لو قتلت سيدة وهي في منزله دون التدخل في مشكلة وكانت الدية المفروضة مليون جنيه تصبح أربعة مليون جنيه.

ويضاف أبو حمد أن هناك طرق عديدة من أجل استقطاع الحقوق لأصحابة فبعد انتهاء الجلسة يتم السماح بمهلة حوالي 40 يوم يقوم خلالها الطرف المخطئ بسداد قيمة العقوبات التى نطق بها المحكمين وفي حالة المماطلة في السداد يتحمل تلك العقوبات «الكفيل» ويكون هوالملتزم أمام المجلس العرفي بالسداد حال المماطلة

ويوضح أن «البشعة» من الأدوات التى يستخدمها المحكمين في القضايا العرفية حيث يخشى بعض الناس منها وينهار معترفًا لكنه يمتلك رأيًا آخر وهي أنها لا تساعد في الوصول إلى الحقيقة لانها تعتمد بالأساس على التخويف ولكن الأفضل هو الاحتكام لكتاب الله وسنة رسوله الكريم والشهود الموجود في مكان الواقعة.

يسرد لنا الشيخ ربيع واقعة حدثت منذ ما يقرب من نصف قرن حيث أتهم أحد الأشخاص من قرية شرف الدين بسرقة مواشي من أحد الأهالي وبعد اللجوء إلى البشعة ظهرت بعد العلامات على لسان ذلك الشخص وثبتت عليه الجريمة فتوجه هذا الشخص إلى أحد مشايح التحكيم العرفي بقرية جزيرة النجدي التابعة لمركز قليوب وأكد له انه لم يسرق تلك المواشي وتم اتهامه ظلما فكلف شيخ العرب مجموعة من الأشخاص بالبحث وتحري الدقة بشأن الواقعة وبعد التدقيق اكتشف المحكم العرفي براءة هذا الرجل بعد اعتراف السارقين بسرقة المواشي

في سياق متصل، أوضح الشيخ فيصل البدوي أن المحالس العرفية كقبائل عربية هي متوارثة، موضحا: "من حب والدي في المجالس العرفية قام بتسميتي (فيصل) وبعد أن التحقت بكلية الأداب أصر والدي على الاتجاه لدراسة الحقوق.

وقال البدوي أن العرف هو أحد مصادر التشريع إن لم يخالف هذا العرف الشرع، ويعتبر القضاء العرفي مثل القضاء المدني العادي فإحترام القاضي العرفي واجب على طرفي الخصومة، ففي القضاء العرفي أطراف الخصومة هم من يحددون المحكمين في القضية على عكس القضاء المدني العادي ما يلزمه قبول الحكم دون منزعة جديدة 

وأوضح أن التحكيم العرفي يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الأمن والاستقرار الاجتماعي، إذ يتمثل دوره في إيجاد الحلول لكثير من القضايا قبل أن تدخل مرحلة التقاضي المعروفة، مما يفسح المجال أمام قضايا أخرى
  
وأشار أيضا انه الشاهد أمام المجالس العرفية لا يلقي شهادته أمام الحضور ولكن في غرفة المشاورة التى يجتمع فيها القضاه العرفين حتى لا يقع تحت تأثير المجلس أو الحضور ومنعا لنشوب عداوة جديدة بين الأطراف.

واستطرد: "تقدير العقوبات في الجروج مختلف حيث إذا كان الجرح أصاب الجلد فقط فله عقوبة وإذا أصاب اللحم لها عقوبة اخرى وإذا كانت الإصابة بالعضم تكون لها قيمة مختلفة وكل ذلك العقوبات موجودة في العرف وطبقا للقرآن والشريعة الإسلامية".