أسامة عجاج
أسامة عجاج


يوميات الأخبار

حديث مع شهيد

أسامة عجاج

الخميس، 01 فبراير 2024 - 07:44 م

قد تكون من المرات النادرة، التى استخدم نفس العنوان، والفرق بينهما ٢٣ عاما، الأولى كانت فى ٢٠٠١، بعد زيارة لقطاع غزة، ولم أجد أفضل منه، للحديث عن استمرار النضال الفلسطينى حتى الاستقلال.
 

قفزة النصر الشهيرة التى قام بها أحد مقاتلى عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، بعد أن تمكن من تدمير دبابة إسرائيلية وهو يصيح فرحا (ولعتها)، أعادت إلى ذاكرتى وقائع واحدة من أهم الرحلات الصحفية، التى قمت بها فى صيف عام ٢٠٠١، وقد أشرت إلى جزء من تغطيتى لها فى اليوميات السابقة، وكانت بمناسبة مرور عام على الانتفاضة الفلسطينية فى عام ٢٠٠٠، أى منذ حوالى ٢٤ عاما، حيث سعيت بإلحاح مع كل من التقيت بهم، من قادة حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية فى قطاع غزة، إلى الاطلاع عن قرب ومعايشتى لعناصر من كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكرى لحركة فتح، وصاحبة التاريخ والبداية فى النضال الفلسطيني، والعمود الفقرى للسلطة، بعد تشكيلها فى أعقاب اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣، وهو ما نجحت فيه بالفعل، وتمكنت يومها من معايشة مجموعة منهم لعدة ساعات.

فى معسكر الشهداء

(كلنا مستعدون للشهادة، نبحث عنها ننتظرها مع طلعة كل شمس، مع كل عملية يتم تكليفنا بها)، هذا ما قاله لى قائد المجموعة التى التقيت بها فى أحد معسكراتهم فى مدينة غزة، بعد رحلة قصيرة نسبيا من داخل المدينة إلى خارجها، بدأت من أحد مقرات قيادة حركة فتح البديلة، بعد ضرب المقر الرئيسى مرتين أثناء الانتفاضة الثانية، كانت المفاجأة مذهلة، فالمشهد الخارجى يختلف جذريا عما يجرى فى الداخل، هنا حركة نشطة، وتدريبات مكثفة، رغم أن الموقع عبارة عن حديقة واسعة، تتنوع فيها الأشجار والنخيل، والتى توفر حماية من أى رصد، حتى عندما أبديت ذلك لـ «أبو مصطفي» مرافقى فى الرحلة، قال لى (الوضع تحت السيطرة البيوت المحيطة، وسكانها معروفون لنا أمنيا، الظروف هى من دفعتنا إلى ذلك، فكان من الضروري، البحث عن معسكرات بديلة، ومتنقلة خوفا من رصدها)، أعمار المقاتلين تتراوح بين ١٨ عاما حتى الثلاثين، أجسام فتية زادتها شرف المهمة قوة وقدرة، لا يظهر منهم سوى القناع الأسود، وعيون تشع بالأمل فى غد أفضل، بعد تحرير الأرض من الاحتلال، وراء كل منهم قصة، قائد المجموعة قال لى (نعم أنا متزوج، ولى ستة من الأولاد، وأتمنى أن يرزقنى الله إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة)، وعندما سألته (والأولاد والأسرة)، كانت إجابته حاضرة (الله سبحانه وتعالى أفضل منى لهم)، عندها شعرت بالخجل، فيبدو أنهم من عالم آخر يختلف عن الدنيا التى نعيش فيها، يومها سأله زميل الرحلة المصور المبدع مكرم جاد الكريم، (هل فى أسرتك شهداء إخوة أقرباء؟ قال: كثيرون منهم الأخ وعدد من الأقرباء)، وقد فهم من السؤال أن مشاركته قد تكون رغبة فى الانتقام والثأر لهم، فقال (مشاركتى فى كتائب شهداء الأقصي، أبعد ما تكون عن فكرة الثأر الشخصي، ولكنها لله أولا، ثم تحرير وطن مسلوب) وإذا كان أعضاء حركة فتح بالآلاف، هم من يسيطرون على الشارع فى ذلك الوقت فى القطاع والضفة، إلا أن اختيار عناصر التنظيم يخضع لاشتراطات، وهى وفقا لما قاله لنا أبو مصطفى قائد المجموعة، (النقاء الأمني، والإيمان بالقضية، والاستعداد للشهادة وتزكية بعض أعضاء التنظيم بعد إجراء تحريات أمنية عنه، وعن محيطه العائلي) مع المنع الكامل للحديث عن انضمام العضو حتى داخل البيت، مع عدم المشاركة فى أى أنشطة لحركة فتح على المستوى السياسي، فالمهمة مختلفة، تسليح المجموعة يتنوع كما شهدنا، بين بنادق الكلاشينكوف، والرشاشات إم ١٦ وطرازات أخرى مع القنابل اليدوية، وقليل من قذائف الهاون، التى سببت رعبا للإسرائيليين، فهى صناعة فلسطينية خالصة، وكذلك العبوات الناسفة، التى تتكون من مواد متفجرة يتم تزويدها بمسامير أو قطع حديد صغيرة، لزيادة تأثيرها وأحيانا ما يتم ربطها بدائرة كهربائية تساهم فى تفجيرها عن بعد.

مقاومة جماعية

وحقيقة الأمر أن العمليات التى شهدتها الانتفاضة الثانية، ارتبطت بالعديد من تنظيمات المقاومة، وإن كان انضمام كتائب شهداء الأقصى جاء متأخرا، بفعل تبعيتها للسلطة الوطنية الفلسطينية، وجاءت فى المرتبة الثانية بعد الجناح العسكرى لحركة حماس وسجلت أقل من خمس الخسائر البشرية التى لحقت بالجيش الإسرائيلي، وسبقها فى العمل كتائب عز الدين القسام، تيمنا بالمجاهد عزالدين القسام أحد رموز المقاومة الإسلامية، والتى تأسست عام ١٩٧٨، وكان أول بيان لها فى ١١ ديسمبر من نفس العام، وهى من أطلقت مصطلح الانتفاضة، كما أنها تبنت منذ اليوم الأول العمل المسلح، وكانت عملياتها وراء انسحاب إسرائيل، وإخلاء مستوطناتها من القطاع عام ٢٠٠٥، وهناك أيضا سرايا القدس الجناح العسكرى لحركة الجهاد الإسلامي، والتى تم الإعلان عنها فى نفس العام، ناهيك عن أجنحة عسكرية لتنظيمات سياسية أخري، ومنها كتائب أبو على مصطفى الجناح العسكرى للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومنها أيضا كتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وجميعهم شارك، كل حسب قدراته وما يزال فى النضال ضد الاحتلال، وكان من السهل معرفة المسئول عن كل عملية من طبيعتها، العمليات الاستشهادية كانت السمة الأساسية لكتائب عز الدين القسام وسرايا القدس، أما بقية التنظيمات فركزت عملها على السيارات المفخخة.

قدرات الكتائب

وعودة من جديد إلى كتائب شهداء الأقصى، والتى تأثرت ومازالت بالتطورات السياسية على صعيد القضية الفلسطينية، خاصة أنها تمثل الجناح العسكرى لحركة فتح، العمود الفقرى للسلطة الوطنية الفلسطينية، فقد تم حلها مرتين، رغم دورها التاريخى فى النضال الفلسطيني، الأولى بعد اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣، وبدء عمل السلطة الفلسطينية، والذى خلق آمالا عريضة، باعتبارها الخطوة الأولى فى إقامة الدولة المنشودة، حيث قامت بتشكيل أجهزة أمنية متعددة تابعة لها، وكشفت فترة السنوات السابع حتى الانتفاضة الثانية فى سبتمبر ٢٠٠٠، تنصل إسرائيل من كل التزاماتها الواردة فى اتفاقية أوسلو، خاصة المتعلقة منها بمباحثات الوضع النهائي، مع استمرار سياسات استهداف السلطة، ووجودها ومحاولة تهميشها، وكذلك الاقتحامات والاعتقالات، وزيادة عمليات الاستيطان والاعتداء على المسجد الأقصي، فكانت الانتفاضة هى الحل، والتى بدأت فى سبتمبر ٢٠٠٠ ومعها عادت كتائب شهداء الأقصى للعمل، فالمقاومة فعل أصيل لا يوثر فيه الانضمام إلى السلطة، حيث تصدرت المشهد النضالي، وبأمر من الشهيد الزعيم ياسر عرفات، وبتنفيذ من بطل تلك الانتفاضة، مروان البرغوثى الذى تم القبض عليه ٢٠٠٢ وحكم عليه بالسجن خمسة مؤبدات بتهمة القتل والشروع فيه، إلى أن نجحت إسرائيل بعد حوالى أربع سنوات، وكان من الطبيعى تعرض كتائب شهداء الأقصى للتغيب القسرى من جديد، بعد الإعلان الرئاسى فى ٢٠٠٧، بحل كافة التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية، أيا كان تبعيتها، وحظر القيام بأى أنشطة سرية أو علنية، وتوعد من يختلف ذلك بالمساءلة والعقاب، ولكنها تجاوزت قرار القيادة السياسية لفتح، واستمرت خلاياها فى العمل النضالي، رغم افتقارها للحاضنة السياسية والتمويل المادي، بل وسعت للنهوض بمستوى أدواتها، وتطوير أساليبها، وتنويع شكل العمليات، العسكرية التى نفذتها، وقامت بعمليات استشهادية فى الضفة وغزة إضافة إلى اقتحام المستوطنات.

العودة إلى النضال

وكان الزلزال الذى شهدته الساحة الفلسطينية، منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي، وراء عودة الكتائب إلى المشهد الفلسطينى المقاوم، وساهمت فى العمليات النضالية، رغم غياب الإعلام الكافى عن مثل هذا الدور، ومنها الإعلان عن تسليمها عددا من الأسرى لديها، منذ السابع من أكتوبر إلى الجهات المعنية، دون الكشف عن طبيعة هذه الجهات، وفى منتصف شهر يناير الماضي، أعلنت الكتائب تشكيل مجلس عسكرى موحد، يضم عناصر المقاومة على اختلاف مسمياتها، تحت قيادة واحدة، لإدارة المعارك مع الاحتلال، على كافة الجبهات، وأشار بيان لها فى ذكرى مؤسسها رائد الكرمي، استمرارها فى المقاومة المسلحة والدفاع عن الشعب الفلسطيني، وكانت تلك التطورات محل اهتمام من الجيش الإسرائيلي، فى ظل مخاوف من لحظة الحقيقة وانفجار الأوضاع فى أنحاء الأراضى الفلسطينية ساعتها كما تتوقع إسرائيل انضمام حتى قوات الأمن التابعة للسلطة إلى المقاومة، ويظهر هذا فى إعلان نتنياهو منذ أسابيع أن إسرائيل مستعدة لاحتمال شن حرب ضد قوات أمن السلطة، فى مناقشة مغلقة جرت فى لجنة الشئون الخارجية والأمن القومي، عندما سأله الأعضاء عن إمكانية حدوث سيناريو معاكس، وتوجيه قوات السلطة بنادقها إلى الجيش الإسرائيلي، أجاب (سيناريو الانقلاب مألوف لدينا، وهو مطروح على الطاولة، ونحن نناقشه ولا نريد أن نصل إلى مثل هذا الوضع، ولكن إذا حدث، ففى غضون دقائق قليلة سيكون هناك طائرات هليكوبتر فى الجو للرد).

وبعد، فالفعل الفلسطينى المقاوم مستمر، ودائم وشامل، ويشارك فيه الجميع بقدر، سواء كانت كتائب القسام أو شهداء الأقصى وغيرهم، فهل تصل الرسالة، ومضمونها: هناك شعب يتوق إلى الحرية والاستقلال، والعيش بأمان داخل دولته وعاصمتها القدس.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة