صورة تكشف عن حجم الدمار الذى أصاب قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلى
صورة تكشف عن حجم الدمار الذى أصاب قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلى


بعد الوصول إلى «حافة الهاوية»

المنطقة فى طريقها للتهدئة.. وتراجع احتمالات الحرب الإقليمية

أسامة عجاج

السبت، 03 فبراير 2024 - 07:01 م

«طبول الحرب تقرع أحيانا كثيرة لمنع اندلاعها وليس العكس» وهذا هو الحال فى المنطقة ونحن هنا لا نسبح عكس التيار بل نحاول تقديم قراءة متأنية للواقع الذى تعيشه منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية وتداعيات العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة والتى خرجت من إطارها الثنائى بين إسرائيل وجماعات المقاومة بل تعددت ساحاته ليصل إلى الضفة ولبنان وسوريا والعراق ويهدد بمواجهة يخشاها الجميع من تحولها إلى حرب إقليمية إذا دخلت إيران على الخط وعلى عكس كل ماجرى فإن الهجوم على قاعدة على الحدود بين الأردن وسوريا بمسيرات من المقاومة الإسلامية فى العراق التى أعلنت مسئوليتها عن الهجوم وأوقع ضحايا أمريكيين بمقتل ثلاثة وإصابة العشرات مثل وصول الأمور إلى حافة الهاوية التى تنذر بعواقب وخيمة على جميع الأطراف فعلى الرغم من أن الجماعات المسلحة قامت بأكثر من ١٠٠ هجوم على القواعد العسكرية الأمريكية خلال الأشهر الماضية ولكنها المرة الأولى التى يقع فيها ضحايا وهو أمر بالغ الحساسية لدى المواطن الأمريكي والإدارة فما بالك إذا جاءت الضربة فى عام انتخابى بامتياز يسعى فيه الرئيس بايدن إلى إعادة انتخابه من جديد وكان من الضرورى على الجميع أن يعيد حساباته من جديد خوفا من أى خطوات أخرى غير محسوبة بدقة تساهم فى إفلات الأمور وأن يتراجع الكل إلى الخلف قليلا. 

اطراف النزاع الرئيسية 
ودعونا نشير إلى حقيقة مهمة أن أمر الحرب الإقليمية مرتبط بجهات أربع رئيسية وأخرى فرعية أو ليست فاعلة بصورة كبيرة وهى تحديدا أمريكا وإسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة ثانية ومواقف هذا المربع بأطرافه شهدت عودة كبيرة إلى الخلف والأمر يحتاج إلى مزيد من التفاصيل وهى كالتالى: 
أولا: إيران وحزب الله وقد كشف تقرير نشر منذ أيام فى نيويورك تايمز عن وقائع اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومى والذى يضم الرئيس ووزير الخارجية وقادة القوات المسلحة واثنين من مساعدى القائد الأعلى للبلاد منتصف الأسبوع الماضى وتم نقل نتائجه إلى القائد الأعلى آية الله خامئنى والذى أمر بشكل واضح بتجنب حرب مباشرة مع أمريكا وإيجاد مسافة بين إيران والجماعات التى تورطت فى قتل الأمريكيين وبعدها بدأت إيران فى تحرك دبلوماسى نشط ظهر بنفى أى علاقة لها بضرب القاعدة الأمريكية على الحدود الأردنية السورية وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانى ناصر كنعانى ان هذه الاتهامات غرضها سياسى وتهدف إلى قلب الحقائق فى المنطقة وذلك ردا على بيان وزير الخارجية البريطانى ديفيد كاميرون ودعوته إلى وقف التصعيد وقالت الخارجية إنه اتهام باطل ولا أساس له من الصحة وهى مؤامرة لمن فى مصلحتهم جر أمريكا إلى معركة بالمنطقة وعلى نفس المسار توعدت طهران بالرد الحاسم والفورى على أى هجوم يستهدفها على خلفية تهديدات الرئيس الأمريكى بايدن باتخاذ قرار ردا على الهجوم على القاعدة الأمريكية وقال قائد الحرس الثورى الإيرانى «نسمع تهديدات أمريكية ونقول لهم إنكم اختبرتمونا من قبل ويعرف بعضنا البعض الآن ولن نترك أى تهديد من دون رد، وقال «نحن لا نسعى إلى الحرب ولكن سندافع عن أنفسنا ولا نخاف من الحرب» كما أن إيران وضعت جميع قواتها فى حالة تأهب قصوى مع تنشيط أنظمة الدفاع الجوى على طول الحدود مع العراق وكشفت مصادر المعارضة السورية عن أن الحرس الثورى الإيرانى وجه الفصائل الموالية له فى سوريا بإيقاف أى هجمات لها على القواعد العسكرية الأمريكية وسحبت مستشارى الحرس الثورى من هناك مع قادة كبار وعشرات الضباط من الرتب المتوسطة.

تحركات موازية

وعلى صعيد حزب الله والمواجهات مع الجيش الإسرائيلى والمستمرة منذ الثامن من أكتوبر الماضى فقد ظلت فى إطار قواعد الاشتباك المعروفة بين الجانبين سوى مرة واحدة باستهداف صالح العارورى نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس والذى تم فى مبنى للحركة فى الضاحية الجنوبية معقل حزب الله وظلت الأمور تراوح مكانها رغم وجود تقارير حول الإعداد لاجتياح إسرائيلى للبنان بعمق سبعة كيلو إلى عشرة كيلو وقد استعدت إسرائيل لذلك بحشد ثلاث فرق ٣١٩ والفرقة ٩١ والفرقة ٣٦ والتى سبق سحبها من قطاع غزة معززة بعدة ألوية ووحدات خاصة ووحدات احتياط بحيث فاق عدد الحشود ١٠٠ ألف جندى وتستهدف إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضى اللبنانية عن طريق قصف جوى مكثف قد يستمر أسبوعين بهدف إخلاء منطقة الشريط الحدودى من السكان وقطع الطرق بين بلدات وقرى الجنوب وبعدها تبدأ عملية التوغل باتجاه مدينة صور وبنت جبيل وكفر شوبا وتشير المعلومات إلى أن رئيس الأركان هارتسى هاليفى سلم خطة الهجوم إلى وزير الدفاع جالانت والذى بدوره عرضها على مجلس الحرب المصغر وتمت الموافقة عليه فى انتظار تحديد ساعة الصفر. 

وكان لمواقف الطرفين الأساسيين إيران وحزب الله تبعاته فى الساحتين العراقية والسورية وشهدت تحركات الجماعات المسلحة المدعومة من إيران تراجعا ملحوظا أبرز مظاهره حزب الله فى العراق الذى أعلن تعليق العمليات العسكرية والأمنية ضد القوات الأمريكية وقال بيان له «سنبقى ندافع عن أهلنا فى غزة بطرق أخرى» وأضاف «نوصى مجاهدى كتائب حزب الله بالدفاع السلبى مؤقتا إن حصل أى عمل أمريكى عدائى تجاههم» وقد تم هذا الموقف بالتنسيق مع الحكومة ورفع الحرج دون أن يعنى هذا توقف كل الجماعات المسلحة فالمقاومة الإسلامية فى العراق مكونة من حركة النخباء وكتائب حزب الله العراق وكتائب سيد الشهداء وميليشيات أنصار الله الأوفياء واثنان منهما أعلن عدم الالتزام ومنها فيلق الوعد الصادق الذى قال فى بيان له «نقدر موقف بعض الفصائل التى علقت عملياتها العسكرية إلا أننا نعلن استمرارنا بالعمليات» وكذلك حركة النخباء التى أعلنت هى الأخرى عدم التزامها بالتهدئة ويبدو أن التوترات التى تشهدها المنطقة ساهمت فى بدء التفاوض حول إمكانية الانسحاب الأمريكى من العراق ولو جزئيا بعد رسالة الحكومة العراقية بهذا الخصوص وعقد اجتماع ثنائى لهذا الغرض فى بغداد وواشنطن وفى حقيقة الأمر إن العراق غير مستعد اقتصاديا أو عسكريًا للانسحاب الأمريكى الفورى حتى إيران لاترغب فى فك الارتباط بين واشنطن وبغداد لأنه قد يؤثر على التدفقات المالية من الدولارات إلى العراق وهو مايضر بالاقتصاد الإيرانى أما فى سوريا فقد كشفت مصادر فى واشنطن عن أن الإدارة تدرس إمكانية سحب القوات الأمريكية فى سوريا بشكل كامل وأنها لم تعد مشغولة بمهمتها هناك وتعدها غير ضرورية ولكنها عادت نفت ذلك.

خطوة إلى الوراء

ثانيا: ويستدعى الأمر رصد موقف الجهة الأخرى والتى تضم كلا من واشنطن وتل أبيب ورغم وجود خلافات بينهما يجمعهما معا الحرص الشديد على عدم وصول الأمور إلى نقطة الصفر والوصول بالأمور إلى الحرب الإقليمية فقد أعلن الجيش الإسرائيلي تقليص قواته المتمركزة فى المناطق الحدودية المتاخمة مع لبنان، والجنود المقاتلين المتمركزين فى المنطقة مع الإبقاء على قوات الاحتياط المحلية التى من المفترض التعامل مع أي محاولة للتسلل على الرغم من أن وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت أعلن أن الجيش سيتحرك قريبا جدا إلى الشمال عند الحدود مع لبنان وأبلغ الجنود أنه سيتم تعزيز القوات فى الشمال.

ولعل الموقف الأمريكى المنضبط من الرد على الهجوم على القاعدة الأمريكية على الحدود السورية الأردنية أبلغ مثال فقد تكررت التصريحات على لسان العديد من كبار المسئولين فى واشنطن بأن الرد على الهجوم سيكون بهجمات على قواعد ومصالح تابعة للجماعات المسلحة المدعومة من إيران متتابعة وليست مرة واحدة وقد تكون لأسابيع وحدد أماكنها فى العراق وسوريا ولبنان على اعتبار أن هجماته مستمرة على اليمن واستثنى فى تلك التصريحات وهذا هو اللافت فى الأمر أي هجمات داخل إيران وقال بايدن «لانريد حربا أوسع نطاقا فى الشرق الأوسط» وهو ماقامت به بالفعل مساء أول أمس الجمعة فى نفس توقيت مشاركة الرئيس بايدن فى مراسم تشييع جنازة الجنود الأميركيين فى محاولة لحفظ ماء الوجه وامتصاص غضب الشارع الأمريكى من سقوط ضحايا من الجنود.

وبعد فإذا كان الهجوم المباشر على إيران غير مطروح أصلا فإن الحرب على لبنان خط أحمر أمريكي مازالت إسرائيل مقيدة بها حتى الآن وليس هناك رغبة دولية في مثل هذا التصعيد كما أن قدرة حزب الله سياسيا على الأقل محدودة فى تجاوز قواعد الاشتباك المتعارف عليها فهو قرار إقليمى يتعلق برأى إيران وهى ليست فى وارد التورط المباشر فى الصراع الدائر حاليا.
هذه مؤشرات مهمة باتجاه رغبة كل الأطراف فى عدم الذهاب إلى حرب لا يسعى إليها أحد وتخشى عواقبها الجميع.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة