أمانى ضرغام
أمانى ضرغام


يوميات الاخبار

علم الحيل النافعة

أماني ضرغام

السبت، 03 فبراير 2024 - 07:23 م

جعلوا الغاية من هذا العلم هى: «الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسير»، ويقصد به استعمال الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات، والآلة بديلاً للبدن

( الحضارة الإسلامية )
أنا من عشاق الحضارة الإسلامية، وكانت تلك المادة المميزة عندى فى دراستى وهى المادة الوحيدة التى أقرأ فيها فى المكتبة أكثر من الكتاب المقرر، وبعد تخرجى قدمت لعمل ماجستير بها فى كليتى ولكن للأسف حال بعد المسافة بين سكنى فى مدينة نصر وبين جامعة القاهرة وزحمة الشوارع دون أن أستكمل دراستى وإن كنت عملت بعد ذلك الماجستير ولكن فى الإعلام من جامعة عين شمس، المهم أن شغفى بالقراءة فى الحضارة الإسلامية والأيام الزاهرة لتلك العصور لا يتوقف ...خلال الأيام القليلة الماضية صادفنى مقال رائع للدكتور راغب السرجانى عن الهندسة فى الحضارة الإسلامية، وهو فى المقال العلمى لا يتحدث عن كل فنون الهندسة ولكن يتحدث عن الهندسة الميكانيكية، وهى هذا النوع من الهندسة الذى أطلق عليه العلماء العرب لقب ( الحيل النافعة )، فابن خلدون فى مقدمته كتب بحفاوة بالغة عن علم الهندسة موضحاً مدى الاهتمام به وماذا يقدم، وقد أخذ علماء العرب فى القرن الثانى الهجرى بعض ما وصل إليهم من حضارة مصر فالثابت أن المصريين القدماء أول من عملوا بالهندسة المعمارية والميكانيكية، إذا تصورنا أن رفع الأحجار الكبيرة فى الهرم أو رفع مسلة أو بناء الأعمدة المرتفعة فى المعابد بالصعيد لابد أن يستلزم آلات رفع ذات قدرات عاليه للوصول إلى هذه الارتفاعات وهذه هى الحيل النافعة، المقال طويل وجميل ومسند إلى عشرات الكتب والمراجع، لكنه ضم إلى جانب الكلام العلمى كلاماً يذهب بنا إلى بند الحكايات، وأنا من عشاق الحكايات التاريخية.


( الدهشة والإعجاز )
ومن الحكايات الطريفة فى هذا الموضوع
أن العرب هم أول من فكر فى صنع ساعة وكانت التجربة الأولى فى القرن التاسع الميلادى والثانى الهجرى وقت أن أرسل هارون الرشيدى الساعة إلى ملك فرنسا شارلمان، ومن عظمة هذه الساعة أنها كانت مصممة بحيث يفتح باب من الأبواب الإثنى عشر المؤدية إلى داخل الساعة وتخرج منها فارس يدور حول الساعة ثم يعود إلى المكان الذى خرج منه فإذا جاءت الساعة الثانية عشرة يخرج من أبواب الساعة اثنا عشر فارساً مرة واحدة ويدورون دورة كاملة ثم يعودون من حيث أتوا وتغلق الأبواب خلفهم .


أثارت هذه الساعة دهشة الملك شارلمان وحاشيته إلى حد أن رهبان الملك اعتقدوا أن شيطانا يسكنها ويحركها فحمل كل واحد منهم فأساً وجاءوا إليها ليلاً وحطموها.. وكانت المفاجأة التى تحولت إلى صدمة وتبرم عندما اكتشف هؤلاء الرهبان أن الساعة لا يوجد بها شيء سوى آلاتها وأن خرافة الشياطين والعفاريت كانت سقطة كبيرة من جانبهم.. وقد حزن الملك شارلمان حزناً عميقاً واستدعى حشداً من الخبراء والعلماء والصناع المهرة لمحاولة إصلاح الساعة وإعادة تشغيلها، ولكن المحاولة باءت بالفشل وعندما عرض بعض مستشارى الملك فكرة مخاطبة هارون الرشيد ليبعث فريقاً عربياً لإصلاحها قال الملك شارلمان: إننى أشعر بخجل شديد أن يعرف ملك بغداد أننا ارتكبنا عاراً باسم فرنسا كلها.
ويمثل علم «الحيل النافعة» الجانب التقنى المتقدم فى علوم الحضارة الإسلامية، حيث كان المهندسون والتقنيون يقومون بتطبيق معارفهم النظرية للإفادة منها فى كل ما يخدم الدين، ويحقق مظاهر المدنية والإعمار.


وقد جعلوا الغاية من هذا العلم هي: «الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسير»، ويقصد به استعمال الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات، والآلة بدل البدن.
وهى نزعة حضارية تتسم بها الأمم التى قطعت أشواطاً فى مجالات العلم والحضارة، كما أنها المحور الذى تدور حوله فلسفة أى اختراع تفرزه عقول العلماء يومياً، سعياً وراء تحسين حياة الإنسان، ورفع المشقة عنه قدر الإمكان
( الإسلام والأخلاق )
علم الهندسة الميكانيكية أو علم الحيل النافعة زى ما أطلق عليه المسلمون القدامى مش بس اقتصر استخدامه على اختراع الساعة ولكن كان وراء استخدامه قصة رائعة تبين عظمة الأخلاق الإسلامية وهنا لازم نعرف إن الأبعاد الأخلاقية قادت العقل الإسلامى فى اتجاه الإبداع والتفرد فى مجال الحيل النافعة، فالشعوب السابقة على المسلمين كانت تعتمد على العبيد، وتلجأ إلى نظام السُّخرة فى إنجاز الأعمال التى تحتاج إلى مجهود جسمانى كبير، دون النظر إلى طاقة تحمّل أولئك العبيد.. فلما جاء الإسلام نهى عن السخرة وكرّم العبيد، فمنع إرهاقهم بما لا يطيقون من العمل، فضلاً عن تحريم إرهاق الحيوانات، وتحميلها فوق طاقاتها.. إذا عرفنا ذلك وأضفنا إليه ضرورات التعمير والبناء «بكل أشكالها» التى صاحبت اتساع الحضارة الإسلامية.. فسوف ندرك جانباً هاماً من دوافع هذا السبق الفريد فى مجال التكنولوجيا عند المسلمين، أو قل: «الحيل النافعة»


فبعد أن كانت غاية السابقين من علم الحيل لا تتعدى استعماله فى التأثير الدينى والروحى على أتباع مذاهبهم، مثل استعمال التماثيل المتحركة أو الناطقة بواسطة الكهان، واستعمال الأرغون والموسيقى وغيره من الآلات فى المعابد، فقد جاء الإسلام وجعل الصلة بين العبد وربه بغير حاجة إلى وسائل وسيطة أو خداع بصري، وأصبح الهدف خدمة الإنسان وليس التأثير على الإنسان باستعمال آلات متحركة (ميكانيكية) هو الهدف الجديد لتقنية «الحيل النافعة ولعل من أهم إنجازات الهندسة الميكانيكية (أو علم الحيل النافعة) ما ظهر واضحًا فى الإمكانيات التى استخدمها المسلمون فى رفع الأحجار ومواد البناء لإتمام الأبنية العالية من مساجد ومآذن وقناطر وسدود.. فيكفيك أن ترى الارتفاعات الشاهقة لمعالم العمارة الإسلامية فى عصور غابت عنها الروافع الآلية المعروفة فى زماننا.. لتعلم براعة المهندسين المسلمين فى التوصل لآلات رفع ساعدت -ولا شك- على إنجاز تلك الأعمال الخالدة.. وإلا فكيف يمكن أن ترفع مئذنة فوق سطح مسجد سبعين متراً.. أى ما يزيد على عشرين طابقاً..؟
ولا ننسى فى هذا السياق «سور مجرى العيون» فى القاهرة أيام صلاح الدين الأيوبي، والذى كان ينقل الماء من فم الخليج على النيل إلى القلعة فوق جبل المقطم، وكانت هناك ساقية تدار بالحيوانات ترفع المياه لعشرة أمتار ليتدفق فى القناة فوق السور وتسير بطريقة الأوانى المستطرقة حتى تصل إلى القلعة .
( معرض الكتاب )
عقد خلال الأيام الماضية معرض القاهرة الدولى للكتاب والحقيقة لم أتمكن من الذهاب إليه هذا العام لظروف مرضى بالأنفلونزا ...لكنى سعدت جداً برقم الزيارات الذى وصل الى 3 ونص مليون زائر فى التسعة أيام الأولى وهذا الرقم له معان كثيرة ومهمة أولها أنه مهما زادت وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعى وأدواته من ذكاء اصطناعى وشات جى بى تى وغيرهم، تبقى الكلمة المقروءة فى كتاب أو جريدة لها ناسها ولها محبوها، فهذه الأعداد الغفيرة التى زارت المعرض ليست من أبناء القاهرة فقط ولكن من كل محافظات مصر بل وأجانب وعرب من دول صديقة وشقيقة، هذا العرس الثقافى الحافل كان بالفعل رد فعل واضح وصريح على أعداء الكلمة المكتوبة ومروجى شائعات مفيش حد بيقرأ.
لا الناس بتقرأ ومتعطشة للقراءة والكتاب، لكن لى ملاحظات على المعرض بشكل عام منها ما أطالب به من عدة سنوات وهو أن يتجول معرض الكتاب فى محافظات مصر، وليس القاهرة والإسكندرية فقط، ومنها ضرورة فتح مكتبات فى كل محافظات مصر فقد ندر للأسف وجود المكتبة وأنا هنا لا أتحدث عن المكتبات العامة فقط ولكن عن المكتبات العامة والخاصة، التى تتيح القراءة وشراء الكتب، خاصة بعدما أغلقت بعض المكتبات الهامة التى كانت تتبع بعض الهيئات والمؤسسات فى الدولة، الملحوظة الأخيرة والتى أتمنى أن يتدخل فيها اتحاد الناشرين وهى خاصة بمص دم الكتاب والمبدعين من قبل الناشرين، فالناشرون وخاصة الجدد منهم يتعاملون مع المبدع بنظام حسنة وأنا سيدك يعنى مش كفاية أنى نشرت لك كتابك، وأذكر مثلاً أن كتابى الثانى الذى كتبته قبل 15 سنة لم أتقاض عنه مليماً واحداً حتى الآن، رغم أنه طبع خمس مرات، هذا نموذج لما يعانيه المبدعون فالكتاب قد يستغرق العمل به عاماً أو ربما عامين والنتيجة فرحة بشوية صور وحفل توقيع، لابد أن يضع اتحاد الناشرين بروتوكولاً للتعامل مع المبدعين فى مجالات الإنتاج الأدبى سواء مادياً أو معنوياً حفاظاً على مبدعين يعانون الأمرين حتى تظهر كتبهم للنور .


(تاجر الحكايات وشاى بحليب )
من الروايات المهمة التى عرضت بمعرض الكتاب رواية ( شاى بحليب ) للكاتبة الصحفية العزيزة ألفة السلامى ..
وهذا ثالث إنتاج للكاتبة بعد «ثورة جسد» فى ٢٠١٤ عن رحلة الكاتبة فى مقاومة السرطان. تلاه كتابها «كورونيات» فى ٢٠٢٢ عن الجائحة وكيف عرت نفسياتنا وأمراضنا وهزيمة الكثير من الدول خاصة أخلاقياً فى التصدى لأزمة كورونا. ثم جاء كتابها الثالث وهو رواية «شاى بحليب» التى تدور حول شخصية طبيب جراح يُصابُ بمرض الزهايمر مبكرًا قبل الستين ويكشف المرض الكثير من الأسرار فى حياته, وفى الوقت الذى تهزمه جيناته حيث إنه مرض وراثى يستطيع الحب أن ينقذه من التدهور السريع لذاكرته حيث يحظى بدعم قوى من أسرته ومحبيه. الرواية من اسمها السلس قد تتصور بساطة المحتوى ولكن على العكس تماماً البساطة فى السرد السلس والحكاية التى قد تحكى أمامك فلا تنتبه أنك أمام حدث مهم ...الكتابة بسلاسة ومصداقية هو أهم ما يميز ألفة بالإضافة طبعاً إلى أسلوبها المميز فى الوصول إلى الهدف بوضوح وشفافية.. أما كتاب تاجر الحكايات للزميل الصحفى والأديب حسن عبد الموجود، من الكتب المهمة فى معرض الكتاب فلأول مرة تكون لدينا قصة كاملة لها كل عناصر البناء القصصى فى 100 كلمة، وهى تجربة جديدة وشيقة، فالبعض يتصور أن الحكاية فى كلمتين أسهل وأنا أرى عن تجربة فى كتابة مقال من 90 كلمة فقط، أن تلخيص وإيجاز الموضوع فى أقل عدد من الكلمات هو أصعب ما يواجه المبدع.. مبروك لألفة السلامى وحسن عبد الموجود
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة