سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الاخبار

لا شرقية.. ولا غربية!

الأخبار

الأحد، 04 فبراير 2024 - 07:39 م

سمير الجمل

العرب جعلوا إسبانيا دولة حاضنة للجميع المسلم والمسيحى واليهودى بحرية تامة بلا تعصب وارتقى الفن وازدهرت العلوم وتأسست الجامعات

عندما سأل الجد حفيده الشاب عن الاندلس كانت إجابته:
- دى حديقة حلوة جداً فى القرب من ميدان التحرير بالقاهرة وهى أيضا «كافيه» جلست فيه مع بعض اصدقائى.. وابلغى أحد اصدقائى انها كانت سينما درجة ثالثة بمنطقة العباسية وتحولت إلى چراچ..!!
 وقبل أن يستطرد الحفيد كان واجباً على الجد وقد كان مدرساً للتاريخ قبل تقاعده.. أن يحكى للفتى عن أمجاد العرب فى أوربا وكيف كان الفتح مبيناً ورغم حالات التآمر من الداخل والخارج.. لكن الشواهد حتى وقتنا هذا تقول بما لايدع مجالاً للشك: ما تزال روائح العرب والإسلام حاضرة فى الأندلس وإن رحلوا عنها عام ١٠١٧ ميلادية.. حتى أن الكاتب الإسبانى «بلاسكو ابانيز» نشر مايشبه النعى: وهو الذى توفى عام ١٩٢٨ وقد جاء فيما كتب:
 لم يأت تاريخ إسبانيا من الشمال ولا من الكنيسة كما تظنون بل جاء من الجنوب ومن العرب ومعهم جاءت الحرية.. لشعبنا الذى كان مقيداً تحت ملوك الدين ومطارنة الحرب وما استولى عليه العرب من أعوام قليلة استغرق ٨٠٠ سنة لإخراجهم منه ذلك لانهم لم يلقوا مقاومة شديدة عند فتحهم بلادنا. لأن الشعب الإسبانى كان يشعر أن هذا الفتح ليس استعمار سلاح بل استعمار تمدن جديد وحرية دينية جديدة لم ترها إسبانيا لا من قبل ولا من بعد فالعرب جعلوا إسبانيا دولة حاضنة للجميع المسلم والمسيحى واليهودى بحرية تامة بلا تعصب وارتقى الفن وازدهرت العلوم وتأسست الجامعات.


وقال الكاتب «يعن بول»: أنا لنلمس فضل العرب وعظم آثار مجدهم حينما نرى بإسبانيا الاراضى المهجورة القاحلة التى كانت فى أيام المسلمين جنات تجرى من تحتها الانهار تزدهر بما فيها من الكروم والزيتون وسنابل القمح الذهبية وحينما نذكر تلك البلاد التى كانت فى عصور العرب تموج بالعلم والعلماء وحينما نشعر بالركود العام بعد الرفعة والازدهار.


ولم يعرف الاسبان عندما اخرجوا العرب من بلادهم أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم ولم يدركوا انهم قتلوا الأوزة التى تبيض الذهب!!

(إيه الحكاية)
قيمة الأندلس.. أنها نقطة الوصل بين الشرق والغرب.. وزادت أهميتها وقيمتها بالحضور العربى.. ومع ذلك ظلت زيتونة لا شرقية ولا غربية.. والحضارات والثقافات تتأثر ببعضها البعض. تأخذ وتعطى ولاتقف موقف المتفرج السلبى.. الذى تقلبه الأهواء والمستجدات ذات اليمين وذات الشمال وإلا ذهبت فى مهب الريح نسياً منسياً.

 

(المشهد الأول)
عندما تقدم عمرو بن العاص لفتح مصر كان الهدف تأمين الشام من البيزنطيين.. لكن التهديد ظل مستمراً من ناحية الشمال الافريقى وكانت هذه نقطة البداية فى الاتجاه إلى المغرب ووصلت جيوش عمرو إلى حدود طرابلس وجاء بعده عبدالله بن سعد بن أبى مسرح وهزم الوالى الرومانى جريچوار لكنه أكتفى بأخذ الغنائم وعاد من حيث جاء.. لذلك تقول معظم المصادر التاريخية أن فتح المغرب العربى بدأ تحديداً فى عام ٥٠ من الهجرة النبوية المشرفة فى عهد معاوية بن أبى سفيان على يد عقبة بن نافع وهو أحد رجال بن العاص وحارب معه ونجح عقبة وكان رجل قوة أكثر منه رجل سياسة واستحق لقب «قاهر الروم والبربر» على عكس ذلك جاء «أبوالمهاجر دينار» الذى كان يجيد فنون السياسة فإذا به يهادن البربر ويستعين بهم ضد الروم حتى إن الغالبية منهم دخلوا إلى الإسلام مع قائدهم «كسيلة» زعيم البربر البرانس (نسبة إلى ارتداء البرنس).


وبعد دينار واستشهاده تولى حسان بن النعمان حتى جاء «موسى بن نصير» وانضم البربر إلى جيوش المسلمين.. وكان العرب يستخدمون السياسة الرشيدة مع اليهود والمسيحيين والبربر وبدأت اللغة العربية تزدهر فى الشمال الإفريقى حتى إذا ما انقضى القرن الهجرى الأول كان الشعب البربرى قد صار عربيا لغة ودينا وعادات وتفوق عددهم فى جيش بن زياد على العرب.


وتختلف كتب التاريخ حول الأسباب التى دفعت العرب نحو الأندلس وعبور المتوسط فيقال إنها الخلافات بين القادة الإسبان ومنهم من استعان بقوة العرب ضد خصمه. وكان الصراع على أشده بين «يوليان»  و«رودريك» وقد استأذن موسى بن نصير الخليفة الوليد بن عبدالملك فى العبور إلى الشاطئ الآخر.. ولم تتم هذه الخطوة إلا بعد أن وثق بن نصير من ولاء «يوليان».. وصدرت الأوامر إلى «طارق بن زياد» لإنجاز المهمة فى جيش يقدر عدده بـ١٢ ألفا من المقاتلين.. وجرى فتح الأندلس بعد سلسلة من المعارك استغرقت نحو أربع سنوات وكان من الممكن أن تتواصل الفتوحات الإسلامية لكى تشمل أوربا كلها حتى قالت كتب التاريخ: لو انتصر العرب فى معركة «تور» لكان القرآن يتلى ويفسر فى اكسفورد وكامبردج وتور هذه تقع على بعد ٧٠ كيلو مترا من باريس.. وخاض العرب هذه المعركة ضد الفرنجة بقيادة «شارل مارتل».
ورغم الفتح إلا أن الخلافات كانت قائمة بين العرب والفرنجة من ناحية وبين بعض العرب وبعضهم وبين العرب والبربر بين حين وحين. حتى كانت الانطلاقة الكبرى فى عهد عبدالرحمن الداخل أو صقر قريش مؤسس دولة بنى أمية فى الأندلس.. وتواصل البناء والمعمار والتحضر والشموخ والعلم حتى أصبحت الاندلس فوق الجميع ودولة عالمية بكل المقاييس.

المشهد الأخير
توالى على حكم الأندلس بعد «الداخل».. هشام بن عبدالرحمن ثم الحكم بن هشام يليه عبدالرحمن الأوسط وصولا إلى عبدالرحمن الناصر ثم الحكم المستنصر وهشام الثانى وكانت الانطلاقة الثانية فى عهد المنصور «محمد بن عبدالله بن أبى عامر» حتى بدأ المنحنى من بعده ينزل ويهبط وبدأ عصر الطوائف ثم الموحدون ودولة بنى الأحمر أو مملكة غرناطة وتشتت الشمل الواحد وتضاربت المصالح فى وقت تكتلت فيه أوروبا وتحالف فرديناند الذى ساعده اختراع البارود والمدافع ومد يده إلى عدوته «إيزابلا» أو الاتحاد بين مملكتى اراجون وقشتالة.. فى وقت اشتعلت فيه الخلافات بين قادة العرب وتحولت الحرب إلى صراع ديني.. الصليب الاوربى فى ناحية والهلال الإسلامى فى ناحية أخرى.. حتى كان الاستسلام العربى على يد السلطان ابن عبدالله المعروف بالمشئوم وكانت وثيقة التسليم التى تضمنت ٦٧ شرطاً.


ووافق المسلمون على هذه الشروط ولم يكن فى مقدورهم إلا أن يوافقوا ونزل السلطان أبوعبدالله عن آخر معقل للمسلمين بالأندلس ووقف فى ثلة من فرسانه بسفح جبل الريحان فلما مر موكب فرديناند وإيزابلا تقدم فسلم مفاتيح المدينة ثم لوى عنان جواده واستدار عائدا ووقف من بعيد يودع ملكا قد ذهب ومجدا قد ضاع.. تحقق بالوحدة والقوة والسياسة والعلم.. وتلاشى بالخلافات والأطماع والأحقاد.
وكانت كلمات أم السلطان له هى خير ما يقال ويلخص الأمر كله فى هذا المقام وقد رأته يبكى فقالت:
ابك مثل النساء ملكا ما ضاع إلا لأنك لم تحافظ عليه مثل الرجال.
ونقض الفرنجة شروط ومواثيق العهد وبنود الاستسلام وبينما كان اسقف غرناطة «هرناندو»، متسامحا واسع الأفق كان الكاردينال «شيمينيس» متعصبا وأصدر أوامره لكى يخير العرب بين التنصر أو مغادرة البلاد وأغلق المساجد وأحرق المخطوطات الإسلامية.. والكاتبة الروائية «رضوى عاشور»، لها رواية ثلاثية عن «غرناطة»، أبدعت فيها ورسمت الصورة كاملة بمشاعر وتفاصيل ووقائع.. مزجت فيها بين الحقيقى والمتخيل.. تعد من أجمل ما جاء فى سرد الأيام الأخيرة لمملكة العرب الكبرى فى الأندلس.


إنه التاريخ الذى نحتاج أن نقدمه لأنفسنا حتى نعرف أين كنا وكيف أصبحنا.. وقد قدمت الدراما العربية العديد من المسلسلات عن الأندلس وأبطالها ومعاركها وصعودها وسقوطها.. وأشهر من كتبوا فى ذلك محفوظ عبدالرحمن ويسرى الجندى ومحمد جلال عبدالقوى وطه شلبى والدكتور وليد سيف الأردنى الذى قدم مع المخرج حاتم على رباعية الأندلس قدما منها ثلاثة أجزاء. أولها صقر قريش وثانيها ربيع قرطبة وثالثها ملوك الطوائف.. لم يقدر للجزء الرابع أن يظهر.
لكن ما جاء فى موسوعة المؤرخ الكبير عبدالله عنان عن الأندلس يكفى لمئات المسلسلات وما أحوجنا إليها.. لكى تعرف الأجيال الشابة إننا لسنا أمة على هامش الدنيا.. بل صانعة للتاريخ والحضارة فى وقت كان الظلام يعم أوروبا وليس عيبا إن نتعلم جميعا كبيرنا وصغيرنا من الماضى والحاضر.. لكى نبلغ المستقبل ونحن أكثر رشدا ووعيا بما حولنا.. وبمالنا وما علينا لأن التاريخ مدرسة وصدق الشاعر «أبوالبقاء» عندما قال:
لكل شىء إذا ما تم نقصان.. فلا يغر بطيب العيش إنسان..


هى الأيام كما شاهدتها دول.. من سره زمن ساءته أزمان
 وهذه الدار لا تبقى على أحد.. ولا يدوم على حال لها شان.
 فهل أمجادنا العربية وقوتنا العربية وحضارتنا العربية.. أمل صعب المنال؟ !.. أقول لا.. إنهم يرونها بعيدة ..ونراها قريبة بإذن الله.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة