د.سارة الذهبي
د.سارة الذهبي


يوميات الاخبار

التربية بالرشوة

الأخبار

السبت، 10 فبراير 2024 - 06:39 م

كتبت: د.سارة الذهبي

أجمل حاجة إن دايمًا فى سبيل لتصحيح المسار وخدوها قاعدة «ما لا يُدرك كله.. لا يُترك كله»..

من أكتر الأخطاء التربوية شيوعًا هي «التربية بالرشوة» بيلجأ إليها أغلب المُربيين بدون قصد بسبب اعتيادنا على الطريقة دى لإنها مُعتمدة وتتوارثها الأجيال.. 
أكيد كلنا سمعنا الجمل دى فى بيوتنا:
- لو خلصت أكلك هتاخد شيكولاتة
- لو ذاكرت من غير ما تتعبنى هتلعب على الموبايل
- لو سمعت الكلام واحنا خارجين هخليك تروح الملاهى..
توارثنا الطريقة دى بحُسن نية.. ظنًا مننا إن دى طريقة بنشجع بيها ولادنا على السلوك الصح..
ولكن مع اطلاعنا أكتر على طرق التربية الحديثة، وجدنا أن الطريقة دى اسمها الصحيح هو «الرشوة» وليس تشجيع..
والرشوة لها تأثير سلبى خطير على شخصية الطفل وسلوكياته وتأثيرها بيصاحب الشخص طول حياته..

أهم مساوئ استخدام طريقة الرشوة : 
أنها تُنتج طفل عديم الصبر، خُلقه ضيق ومش طايق حد.. مُتسرع وأعتقد دى شكوى من كل أمهات الجيل ده.. الطفل مستنى دايمًا المكسب السريع اللحظى.. هيخلّص أكله، فا هياخد شيكولاتة حالا، وللأسف الدنيا مش كده.. لما هيكبر هيحتاج يتعب ويشقى ويبذل مجهود وقت طويل إلى أن يجد نتاج مجهوده وتعبه.. وبالتالى الطفل هيصطدم بالواقع لما هيكبر وهيدخل فى نوبات من الإحباط  والاكتئاب.. وأى مهمة هتتطلب منه طولة بال وانتظار للنتائج هيتخلّى عنها حتى لو ده هيأثر على مستقبله بالسلب.. هو عايز يرّيح دماغه وخلاص..

ثانيًا: الطفل هيكون مادى لأبعد حد.. عمره ما هينجز أى حاجة إلا لو فى مقابل، هيقايضك على كل حاجة، وسقف توقعاته كل يوم هيعلى عن اليوم اللى قبله واللى كان بيرضيه انهارده مش هيرضيه بكرة.. وهيكبر بنفس الأسلوب.. هيرفض يقوم بأى مهمة إلا لو كان فى تمن هياخده، حتى لو المهمة دى خاصة بيه وهو المستفيد الأوحد منها.. وحتى لو ده هيضر بمصلحته وهيعطله فى حياته.. والمشكلة إن الطفل ده لو منعتى عنه الرشوة فى مرة هيلومك وهيعتبرك أم مقصرة وبتحرميه من حقوقه.. ولو منعتيها عنه وهو مراهق هتدخلى معاه فى حرب من التمرد والعند وممكن تصل للعقوق..

المشكلة إن طريقة الرشوة لا تسمح للطفل بتعلم أى قيمة من خلالها أو أنه يستوعب ليه السلوك ده صح وليه ده غلط.. مُحركه الرئيسى هو المكسب فقط..

لإن بطريقة الرشوة بنربط الطفل بالمكافأة فا بيكون كل تركيزه عليها؛ المكافأة هتكون إيه وهياخدها امتي.. بدون أدنى تركيز على القيمة اللى وراء السلوك اللى عمله..

مثال بسيط.. لو حضرتك قولتى لإبنك لو كنت مهذب وصوتك واطى عند الضيوف هشتريلك لعبة.. هو هيكون مهذب فعلاً بس مش عشان اتعلم سلوك صح، إنه المفروض يكون صوته واطى لإن ده دليل على حُسن أخلاقه ولإن دينيًا المفروض نوطى صوتنا.. هو كل تركيزه أنا هوطى صوتى عشان ماما تشتريلى اللعبة..

وثقى تمامًا إنك لو وقفتى الطريقة دى معاه هتختفى كل السلوكيات اللى كان بيعملها لإن المكافآت اختفت.. وهيتعمّد يعمل عكسها باعتبارها وسيلة ضغط عليكى للرجوع لطريقة الرشوة تاني..

طيب هنشجع ولادنا إزاي؟ 
لازم نعرف إن أى سلوك عشان يتغير محتاج وقت.. متخصصى التربية قالوا إن أى سلوك بيحتاج لتكراره من ٢١-٦٠ مرة لتغييره والوقت بيعتمد على طبيعة كل طفل.. وخلوا بالكم احنا بنغير طريقة الطفل اتعود عليها، فالتغيير هياخد وقت ومجهود وهيحتاج طولة بال..

كل متخصصين علم النفس والتربية أجمعوا إن الكلام الإيجابى من أهم وسائل التشجيع للأطفال وحتى للمراهقين مع إن كتير من الأهالى ممكن يشككوا فى قدرة الكلام الإيجابى على تشجيع ولادهم وحثهم على أداء المهام المطلوبة منهم..

ولكن المتخصصين حذروا من المدح الزائد عن اللازم لإنه بيخلق طفل مغرور، أناني، ذو نظرة متعالية على الآخرين ..
فا الصح إننا نركز فى كلامنا الإيجابى على السلوك أكتر منه على الشخص.. بدل ما تقول لابنك أنت ذكى جدًا ومفيش منك اتنين - مع إنه أنجز مهمة بسيطة- قوله أنا مُقدر جدًا لمجهودك وتعبك واهتمامك عشان تحل الواجب صح، أنت فعلاً شخص ذكى.. 
هنا احنا ركزنا على تقدير المجهود أكتر من تركيزنا على المدح الزائد عن الحد..

الطفل اللى بيترّبى إنه فذ.. فريد من نوعه.. لا جه قبله ولا بعده مع إنه بيعمل نفس اللى بيعمله غيره من الأطفال بيكبر وهو مستنى نفس المعاملة من كل اللى حوليه.. هيستنى تمجيد فى الشغل رغم إنه مبيعملش إلا المطلوب منه وبس ومعملش حاجة استثنائية.. هيستنى من مراته تعظيم وتبجيل لكل كلمة بيقولها لإنه اتربى إنه أذكى شخص على الكوكب.. إن هو الوحيد اللى بيفهم..ومحدش بيفهم غيره..

ولما مش هيلاقى ده من اللى حوليه هيتصدم وتتولد جواه مشاعر الغضب والسخط والتمرد.. وهيخسر علاقات كتيرة فى حياته..

فى طريقة معتمدة فى تشجيع الأطفال وأثبتت نجاحها هى استخدام «الملصقات/ الستيكرز».. الطريقة دى بينصح بيها متخصصى التربية لتشجيع الطفل على اكتساب سلوك جديد عليه، مثلاً مساعدته على التخلص من الحفاضة «potty training».. أو إنه يتعود على النوم فى غرفته بشكل مستقل..

بس حددولها شروط: 
- بنختار الطريقة دى لسلوك واحد فيه تحدى للطفل، لعدم تشتيته ولا يتم استخدامها بشكل متكرر عشان الطفل يكون متحمس وتجيب نتائج.
- بيتم تحديد عدد معين من الستيكرز الطفل بيجمعها بناءا على عمره «ستيكر لكل سنة من العمر» لإعلان نجاحه فى إتمام المهمة.. لو ابنك عنده ٣ سنوات المفروض يجمع ٣ ستيكرز.
- لو الطفل لم ينجح فى يوم فى أداء المطلوب منه «رفض النوم فى غرفته» ممنوع ناخد منه ستيكر حصل عليه فى السابق لإننا كده بنعلمه إن السلبيات بتمحى الإيجابيات وده بيصيب الطفل بإحباط شديد ونتائجه سلبية.
- لازم خلال استخدامنا للطريقة دى نشجع الطفل باستمرار ونظهرله قد إيه احنا مقدرين مجهوده وتعبه لإن ده هو الهدف من النشاط بالكامل.
- بعد انتهاء الطفل من جمع عدد الستيكرز المطلوب، المكافأة قد تكون لعبة - ثمنها معقول- يختارها الطفل ولو اختار لعبة غالية نعرض عليه ٣ اختيارات مناسبة من وجهة نظرنا

لإن الهدف من المكافأة بيتحقق باللعبة اللى تمنها معقول ولو اشترينا اللعبة الغالية يبقى بكده بنطبق طريقة الرشوة.

قد تكون المكافأة وقت مخصص نقضيه مع الطفل «quality time» بدون وجود شخص تانى وبدون وجود مشتتات.. مثال: مكافأة الطفل انى ألون معاه لإنه بيحب التلوين جدًا بدون ما أكون مشغولة بموبايلي، تركيزى كله يكون مع الطفل، اتكلم معاه وألعب معاه كإنى فى عمره بالظبط مش كإنى والدته.. والوقت الخاص ده بيؤثر بشكل فعال فى علاقتنا بأولادنا..

قد تكون المكافأة الذهاب للنادي.. مشاركة الطفل فى تناول الآيس كريم فى مكانه المفضل..
وبكده أكون عززت علاقتى بأولادى وشجعتهم بدون اللجوء للرشوة..

فى غلطات تربوية متكررة وقعنا فيها كلنا تقريبًا، متلومش نفسك بزيادة، زمان مكانش فيه فرص التعلم اللى موجودة دلوقتى ولا كان فى الوعى اللى موجود عند الأهالى دلوقتي.. بس أجمل حاجة إن دايمًا فى سبيل لتصحيح المسار وخدوها قاعدة «ما لا يُدرك كله.. لا يُترك كله» ،

التربية محتاجة استعانة بالله ومرونة وسعة صدر.. شجّع نفسك وخُد خطوات إيجابية وثق إن تعبك مش هيروح هدر بإذن الله.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة