فهد العتيق فى المقهى الثقافى
فهد العتيق فى المقهى الثقافى


فهد العتيق ..عن أمسيات الشريك الأدبى والمقهى الثقافى بالسعودية:الأدب والثقافة للجميع

أخبار الأدب

الجمعة، 01 مارس 2024 - 02:31 م

أرى أن النقلة النوعية التى حققتها مبادرة الشريك الأدبى فى السعودية، فى كونها حولت الأدب والثقافة الى اهتمامات يومية لعامة الناس ولم تعد للنخبة الأدبية فقط. فى السابق كانت الجهات المهتمة بهذا الموضوع هى الأندية الأدبية الرسمية وكانت تقيم أمسيات أدبية شهرية تقليدية حول القصة والقصيدة والرواية والنقد فقط ويحضرها فى الغالب كتاب وكاتبات ونقاد، بينما تقام أمسيات الشريك الأدبى يوميا فى المقاهى والمكتبات ويحضرها عدد كبير من المهتمين والمهتمات والقراء والقارئات وجيران هذه المقاهى، ولهذا تنوع الحضور وتنوعت الموضوعات الثقافية والأدبية بحيث دخلت فى التفاصيل الصغيرة حول المكان واللغة والتاريخ والموضوعات فى النص الأدبى وحول الجديد فى حياتنا الثقافية وفى وسائل التواصل..
 

وكذلك تنوعت الأماكن وتعددت لتكون مقاهى ومكتبات داخل الأحياء، تقيم أمسيات وتطرح أسئلة حول قضايا أدبية وثقافية منوعة.

اقرأ أيضاً | شهاب طارق ..شطب مع سبق الإصرار هدم قبة أثرية نادرة بعد أيام من التوصية بترميمها!

والشريك الأدبى الان يهتم أيضا بإصدارات الجيل الجديد من الكتاب والكاتبات فى مختلف أجناس الثقافة والأدب ويقدم لها مراجعات نقدية فى الأمسيات، وهو الجيل الأدبى الجديد الذى جدد روح الحياة الأدبية وصار يشارك فى المناسبات الأدبية ويقدم إبداعه وصوته ورؤيته الجديدة، جيل يقدم لنا كتباً جديدة ومتجددة فى رؤيتها تحتاج إلى قراءة واهتمام وإلى مراجعات نقدية تليق بطموحها.

هذا الجيل يكتب فى الغالب بلغة مغايرة وهادئة فيها رصد لليومى برؤية عفوية وممتعة متجاوزًا نبرات الصوت العالية والتكلف فى كثير من التجارب الأدبية السابقة له.



وحين انطلقت هذه المبادرة فى عدد كبير من المقاهى والمكتبات والمدن شعرنا وكأن الحياة الثقافية الحيوية والفاعلة قد بدأت الآن من هذا الجو الثقافى المتعدد والمتنوع فى الزمان وفى المكان وفى الموضوعات والأسئلة والاهتمامات.

تجربة شخصية
وقد كان لى فرصة مشاركة ممتعة أسعدتنى مع هذا البرنامج الثقافى المبدع، بعد دعوة من مقهى تشكيل نهاية العام الماضى، وذلك فى أمسية أدبية حول فن الكتابة فى القصة والرواية ليكون الموضوع متوافقًا مع هذا الكم الكبير من الإصدارات الروائية المفرحة فى السعودية والعالم العربى، وهى روايات متفاوتة المستوى ما بين رفيعة وجيدة ومتوسطة وضعيفة وهذا طبيعى، لكن يغلب عليها طابع الكتابة بطريقة آلية مباشرة تضعف قيمة الفن فى النص، وكذلك عدم الجدة والأصالة وتشابه بعض الكتب والنصوص فى عمليات تناص واضحة، مع ملاحظة أن الرواية العربية والسعودية لا تعانى من نقص فى أغلب نماذجها الجيدة، لكنها تعانى فنيا من الأحمال الزائدة.

وهذا له علاقة بالكتابة الإنشائية التى تضعف النص الأدبى. وقد تضمنت الأمسية الأدبية قراءة لبعض النصوص، بالإضافة إلى إضاءة نقدية لأسئلة حول خصوصية النص الأدبى وبصمة الكتابة، عناصر أدبية مهمة مثل المكان واللغة والتخييل الذاتى فى فن الكتابة الأدبية.

وهى ربما من أهم العناصر التى تقود إلى خصوصية الكتابة أو بصمة فن الكتابة وتعبر عن شخصية الكاتب الأدبية التى لا تشبه أحدًا سواه، فى إشارة إلى عنصر المكان أولا وهو من أهم عناصر خصوصية وبصمة النص، ذلك أن الحكاية فى القصة والرواية تبدأ من روح هذا المكان، من الذين مكثوا هنا ثم غادروا وتركوا أثرًا لا يُمحى من حكاياتهم ومنحوه من أرواحهم، الذين مرُّوا من هنا وتركوا أثرًا من خطواتهم لتظل ذاكرة فردية وجماعية لا تمحى بسهولة. ثم أسئلتنا حول اللغة، كيف أكتب بلغتى وأسلوبى وليس لغة وأسلوب أحدٍ سواى، وهذا له علاقة بمدى حساسيتنا تجاه اللغة وموسيقاها الداخلية. كيف يمكن الكتابة بلغة بسيطة وسلسة وممتعة.

البساطة والعمق يشكلان المعادلة الصعبة، بحيث تصل إلى الجميع، إلى عامة القراء وليس النخبة من الكتاب والكاتبات والنقاد فقط، نطرح هذه الأسئلة بعد أن انتبهنا إلى حساسية اللغة، وإلى أن الإيحاء فى الكتابة موسيقى، عكس المباشرة، وحتى فى اللحن، فى الموسيقى، فى الشعر، الإيحاء وضوح، كتابة بصوت خافت وهادئ وعميق، الإيحاء من عطايا موسيقى الكتابة، موسيقى الحياة.

ثم تعلمنا من التجربة والقراءة أن قيمة أى قصة أو رواية أو قصيدة ليس فى إثارة مشاعر القارئ بموضوعات مثيرة عابرة ولكن فى إثارة أسئلته وفى الاقتراب من أسئلة ومشاهد حياتنا اليومية، فى لغة ممتعة ومفكرة بلا تكلف أو استعراض تقدم المشهد بكل هدوئه وأسئلته وحواراته وصمته.

اللغة تستطيع تحويل الكتابة إلى فن رفيع أو فن متوسط المستوى أو كتابة ضعيفة، هذا يؤكد لنا أن اللغة كائن مفكر وليست مجرد وسيلة لتوصيل صورة أدبية، لغة قادرة على تحويل المشاهد العادية والمألوفة إلى مشاهد غير عادية، ذلك أن نبرة الصوت العالية والصارخة فى القصة والرواية تكشف تكلفها وانفعالها. يقول المفكر والناقد شوبنهاور إن «أسلوب الكاتب هو تقاطيع الذهن وملامحه والمنفذ إلى الشخصية والأكثر صدقا ودلالة وإن اللغة التى يكتب بها هى بمثابة تقاطيع الوجه من الأمة التى ينتمى إليها. أما محاكاة الكاتب لأسلوب غيره فهى أشبه بارتداء قناع ما يلبث أن يثير النفور لأن القناع موات لا حياة فيه».

ثم أخيرا التخييل الذاتى وهى كتابة تعتمد على تقنية التكثيف والإيجاز وتعميق المشاهد والحالات فى المكان البطل. حين نكتب عما نعايشه وما نشترك فيه وما نشعر به عن الذات والناس وذاكرة وحكايات المكان والزمان. حين نكتب عما نعرفه وما مررنا به بطريقة التخييل الذاتى دون الاضطرار إلى المبالغة فى البحث عن موضوعات كبيرة مثيرة واختراع حكايات تقليدية متخيلة. وهى كتابة تعتمد أيضا على تقنية المعلومة المخبأة التى تعنى حذف الزوائد وحذف ما يعرفه القارئ والإبقاء على ما نشعر أن القارئ لا يعرفه، عملية الحذف هى تقنية الإيجاز والتكثيف.

أسلوب حياة
برنامج الشريك الأدبى مبادرة ثقافية فاعلة ومهمة قدمتها وزارة الثقافة السعودية ممثلة فى هيئة الأدب والنشر والترجمة فى مارس 2021 من خلال عقد شراكات أدبية مع المقاهى والمكتبات. وهى محاولة لجعل القراءة والثقافة أسلوب حياة. ورؤيتها الواضحة تتجه نحو تعزيز قيمة الأدب فى حياة الفرد، ودعم انتشار الكتاب وتعزيز دور مؤسسات القطاع الخاص للنهضة بالقطاع الثقافى وإلهام الأفراد للإنتاج الأدبى والثقافى، وقد وفرت المبادرة منصات متعددة للنشاط الأدبى السعودى والعربى بمساهمة فاعلة من مؤسسات القطاع الخاص لتحقيق تواصل أكبر بين عموم أفراد المجتمع وبين المؤلفين والكتاب السعوديين والعرب.

هذا البرنامج أعطى الفرصة للشركاء بمواكبة النشاط الأدبى وابتكار الأنشطة والفعاليات الجاذبة للجمهور كما هيأ الفرص للمؤلف السعودى للتواصل مع شرائح اجتماعية أكبر.

هذا بالإضافة إلى برنامج معتزلات الكتابة، وهو مبادرة ثقافية أو مشروع ثقافى يهدف إلى رفع معدل الإنتاج الأدبى من خلال توفير بيئات ملهمة ومنعزلة، يتم فيه استضافة كتَّاب من مختلف الجنسيات العربية والصديقة فى إحدى مناطق المملكة، حيث يرافقهم مرشد خبير بأحد الأجناس الأدبية.

يشمل برنامج المعتزل أوقاتا مكرَّسة للكتابة وورش عمل وحلقات نقاشية وزيارات ميدانية للتعرف على المنطقة والاستلهام منها فى إقامة الكتَّاب، بهدف خلق فرص تبادل التجارب والخبرات بين الكتَّاب المحليين والعالميين وتحقيق التواصل الثقافى الدولى من خلال تمازج الثقافات الأدبية المختلفة، مع توفير مناخ أدبى محفز على الكتابة والإبداع.

وقد كانت لى تجربة المشاركة فى معتزل الكتابة فى القصيم 2022. عشت أيامًا ممتعة مع كتاب وكاتبات من السعودية والعالم العربى، قرأنا فيها حوالى ثلاثين نصاً قصصيًا لكاتبات وكتاب المعتزل. كتابات مبدعة ومتنوعة. وفى الأمسيات الحوارية تعرفنا على آراء أدبية منوعة فى أمور وأسئلة فن الكتابة الأدبية ورؤية كل كاتبة وكاتب حول هذه القضايا الأدبية والفنية. استمتعنا واستفدنا فى أسبوع أدبى تاريخى رفيع ومبدع لا يُنسى.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة