الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي .. مقاييس اختيار شريك الحياة

ضياء أبوالصفا

الخميس، 07 مارس 2024 - 08:23 م

ويتابع الحق فيقول: «وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ». 

إن المقاييس واحدة فى اختيار شريك الحياة، إنها الرغبة فى بناء الحياة الأسرية على أساس من الخير، وغاية كل شيء هى التى تحدد قيمته، وليست الوسيلة هى التى تحدد قيمة الشيء، فقد تسير فى سبيل وطريق خطر وغايته فيها خير، وقد تسير فى سبيل مفروش بالورود والرياحين وغايته شر، ولذلك يقول الحق: «أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» والذين يدعون إلى النار هم أهل الشرك. أما الله فهو يدعو إلى الجنة، والمغفرة تأتى بإذن الله أى بتيسير الله وتوفيقه. ونعرف جميعًا الحكمة التى قالها الإمام (علي) كرم الله وجهه: لا خير فى خير بعده النار، ولا شر فى شر بعده الجنة.

وقوله الحق؛ «لعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ترد كثيرًا، هذا التذكر ماذا يفعل؟ إن التذكر يُشعرك بأن القضية كانت معلومة والغفلة هى التى طرأت، لكن الغفلة إذا تنبهت إليها، فهى تذكرك ما كنت قد نسيته من قبل، لكن إن طالت الغفلة، نُسى الأصل فهذه هى الطامة، التى تنطمس بها المسألة.

إذن فالتذكر يشمل مراحل: المرحلة الأولى: أن تعرف إن لم تكن تعرف، أو تعلم إن كنت تجهل، والمرحلة الثانية: هى أن تتذكر إن كنت ناسيًا، أو توائم بين ما تعلم وبين ما تعمل؛ فالتذكر يوحى لك بأن توائم ما بين معرفتك وسلوكك حتى لا تقع فى الجهل، والجهل معناه أن تعلم ما يناقض الحقيقة.

لقد أراد الله أن يصون الإنسان الذى اختار الإيمان عندما حرم عليه الزواج بواحدة من أهل الشرك. إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يضمن لمن جعله خليفة فى الأرض عقيدة واحدة يصدر عنها السلوك الإنساني؛ لأن العقائد إن توزعت حسب الأهواء فسيتوزع السلوك حسب الأهواء.

وحين يتوزع السلوك تتعاند حركة الحياة ولا تتساند. فيريد الحق سبحانه وتعالى أن يضمن وحدة العقيدة بدون مؤثر يؤثر فيها؛ فشرط فى بناء اللبنة الأولى للأسرة ألاّ ينكح مؤمن مشركة؛ لأن المشركة فى مثل هذه الحالة ستتولى حضانة الطفل لمدة طويلة هى كما قلنا أطول أعمار الطفولة فى الكائن الحي. ولو كان الأب مؤمنًا والأم مشركة فالأب سيكون مشغولا بحركة الحياة فتتأصل عن طريق الأم معظم القيم التى تتناقض مع الإيمان. وأراد الحق سبحانه وتعالى أيضا ألا تتزوج المؤمنة مشركًا؛ لأنها بحكم زواجها من مشرك ستنتقل إليه وإلى بيئته المشركة وإلى أسرته.

وسينشأ طفلها الوليد فى بيئة شركية فتتأصل فيه الأشياء القيمية التى تناقض الإيمان. ويريد الحق سبحانه وتعالى بهذه الصيانة، أى بعدم زواج المؤمن من مشركة، وبعدم زواج المؤمنة من مشرك، أن يحمى الحاضن الأول للطفولة. وحين يحمى الحاضن الأول للطفولة يكون الينبوع الأول الذى يصدر عنه تربية عقيدة الطفل ينبوعًا واحدًا، فلا يتذبذب بين عقائد متعددة.

لذلك جاء قول الحق: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» «البقرة: 221». كل ذلك حتى يصون الحق البيئة التى ينشأ فيها الوليد الجديد.

وعلينا أن نفهم أن الحق سبحانه وتعالى رخص للمؤمنين فى أن ينكحوا أهل الكتاب بقوله الحق: «اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذى أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الآخرة مِنَ الخاسرين» (المائدة: 5).

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة