خالد محمود
خالد محمود


خالد محمود يكتب .. مشهد آخر التألق يضرب مبكرا

أخبار النجوم

الخميس، 14 مارس 2024 - 09:29 ص

منذ زمن طويل، لم أشاهد عملا دراميا مصريا بهذا الإبهار الفني، والثراء الفكري، وكأنني أمام عملا عالميا كبيرا، بل ومن وجهة نظري أرى أنه سيسطر صفحة جديدة في تاريخ الدراما العربية، منذ المشهد الأول لمسلسل “الحشاشين” وهناك حالة ما جذبتني  داخل شاشة العرض، لأغوص بعالمها العميق، وربما الصورة والإيقاع، وربما الموسيقى، وربما الأداء وأجواء الحياة المتنقلة من العصور الزمنية بسيناريو غير تقليدي بأحداثه التشويقية، وربما الموضوع الشائك الذي وضعنا فيه المؤلف، لم أشأ أن أعود لنفسي إلا مع مشهد نهاية الحلقة، بل ولم أعد بكامل حالتي، فقد ظللت لأكثر من ساعتين محاطا بمشاعر إعجاب مختلطة بتساؤلات حول أهمية طرح هذا العمل في هذا الوقت، وهذا العمق في الرؤية والفكر، وهذا الإبهار على الشاشة، وأين كانت تلك الإمكانيات الفنية المدهشة والمثيرة.

كان لدي يقين طوال الوقت أن الدراما المصرية يمكنها أن تكون في منطقة أخرى أبعد، لتكون أكثر تأثيرا ومشاهدة، حتى في الدراما التاريخية التي حاول البعض التقليل من قيمة قدرات الفن المصري بها، ومسلسل “الحشاشين” ضربة بداية كبرى في مسار هذا النهج، وكأن هناك إتفاق بين الثلاثي “المخرج بيتر ميمي والمؤلف عبدالرحيم كمال والنجم كريم عبدالعزيز”، لتقديم عملا يكتب تاريخا جديدا في حواره مع التاريخ نفسه.

بالطبع، ستأخذنا الحلقات خلال الأيام المقبلة إلى مفاتيح درامية أكثر سخونة وإثارة وتحفيزا للفكر حول تاريخ العالم الإسلامي ومنطق “الحشاشين” وقلعة “ألموت” وعوالم حسن الصباح، وقد مهد المسلسل بذكاء شديد لتلك العوالم، بدءً بإستعراض تاريخ الدولة الإسلامية منذ بداية القرن الحادي عشر، وصولًا إلى الخلفاء الأربعة، ثم تقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة، ومذاهب ومن خلافة راشدة ورشيدة إلى خلافة أموية، ومنها إلى خلافة عباسية، ثم ظهرت فرق خوارج ومعتزلة وغيرهم، حتى الخلافة العباسية التي حكمت نصف الكرة الأرضية، لكن في القرن الـ11 تدهورت بصورة كبيرة، وصارت بغداد في أسوأ حالتها.

وفي خط موازي، شاهدنا كيف نشأ حسن الصباح كطفل له ملكات خاصة، وكيف كان نابغًا بصورة كبيرة ويمتلك فراسة شديدة في معرفة ما لا يعرفه غيره، ما جعل الأطفال يخافون منه، كما أخبرت عايدة فهمي والد الصباح بضرورة تعريف الابن بالحروف النورانية، وأن يتعلمها ويعيها جيدًا، رغم أن سنه صغيرة، إلا أنه واعٍ بصورة كبيرة وأكبر من سنه، وكمراهق يتفق مع أصدقائه على التمسك بعهد الترابط في المستقبل، وكشاب أرتمى في أحضان من يقفون ضد أي ظلم اجتماعي، والتمسك بتحقيق العدل،   ومن ثم ظهرت مجموعة من الرعاة من بني سَلْجُوق، وكونوا أكبر جيش في الأرض، وأخدوا شريعتهم بأنهم حماة الخليفة العباسي السني، لكن الحقيقة أنهم أمتلكوا سلطة على الخليفة، وفي نفس الوقت كانت الدولة الفاطمية في مصر والمغرب في أضعف حالاتها، وكثرت الفرق والأفكار والمذاهب، والتي كان منها “الباطنية”، والتي ظهر منها رجل هو الأخطر والأغرب، حسن الصباح.

مشاهد عديدة اتسمت بصورة سينمائية مدهشة للمصور حسين عسر، وموسيقى أمين بوحافة الموحية بالتصاعد الدرامي وأجواءه، خاصة مع ظهور حسن (كريم عبد العزيز) الذي بدت له هيبة كبرى بأداء راسخ واعي بمفردات وسلوك تلك الشخصية وتعبيرات ونظرات تعكس حوار طويل لم يقل، تذكروا ظهور مبعوث من ملك فرنسا إلى قلعة “ألموت” التي يقودها حسن الصباح برسالة مفادها طلب ملك فرنسا منهم أن يدينوا بالولاء له هم وكل من في القلعة، إلا أن أحمد عيد الذي يلعب دور الذراع اليمنى للصباح يقول: “قلعة ألموت ولاؤها لسيدها فقط”.

ثم ظهر حسن الصباح ورد على سؤال مبعوث ملك فرنسا حينما استغرب من قوة قلعة “ألموت” بسخرية، وقال: “قلعة بين الجبال قوتها إيه؟”، ليقول حسن الصباح موجهًا كلامه لأحد جنود “الحشاشين”: “أنت تعمل أي حاجة فداء الدعوة”، ويرد الجندي بالسمع والطاعة لصاحب “مفتاح الجنة”، ثم يذهب الجندي لأعلى القلعة ويقول: “روحي فدا صاحب مفتاح الجنة”، ملقيًا نفسه إلى الموت، ويظهر بذلك مدى قوة حسن الصباح في سيطرته على أتباعه وجنوده لتلك الدرجة.

عاد مبعوث ملك فرنسا إليه وأخبره بما رآه بعينيه من طاعة شديدة لأتباع الصباح له، للدرجة التي وصلت إلى إلقاء أحدهم بنفسه من فوق السور لمجرد طلب الصباح منه ذلك.

ثم أخبر الملك شخص من الحاضرين أنه يعلم حسن الصباح جيدًا، وأنه شخصية استثنائية، ليستعرض العمل طفولة الصباح، وبمجرد خروج الصباح إلى الخارج، حتى وجد الأطفال يطاردونه ليقع في بئر، ثم تنجده امرأة من عالم آخر ترمي له حبل وتخبره بأن يختار العيش في الظلام على النور بقية حياته وألا يخاف من الموت أبدًا.

شكلت أماكن التصوير الطبيعية  المتعددة عنصر جذب كبير للعمل من باريس لأصفهان لمصر، وكأنه ديكور للحياة المراد تصويرها، كما عكس الحوار تساؤلات مهمة حول ماضي وحاضر ومستقبل ليس للشخصيات التي نرى حكايتها على الشاشة، لكن أيضا لأمة كبيرة واجهت ولا تزال صراعا كبيرا لترسيخ كيانها.

أداء كريم عبدالعزيز يوحي بأنه سيشكل علامة فارقة في تاريخه، وأيضا المخرج بيتر ميمي الذي استطاع أن يبهرنا بلغة فنية تجاوزت المألوف، وسيناريو عبدالرحيم كمال الذي تعامل مع قصة صعبة بسلاسة وبناء درامي ذكي.. نحن أمام عمل مهم في إطار قضية الوعي بالتاريخ، والتي باتت عنصرا مهما في فهم الواقع ووضع خط لمعيشته.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة