الشيخ محمد متولى الشعراوى
الشيخ محمد متولى الشعراوى


خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى| منزلة رمضان

ضياء أبوالصفا

الخميس، 14 مارس 2024 - 05:38 م

جاء القرآن منهج هداية للقيم، والصوم امتناع عن الاقتيات، فمنزلة الشهر الكريم أنه يربى البدن ويربى النفس، فناسب أن يوجد التشريع فى تربية البدن وتربية القيم مع الزمن الذى جاء فيه القرآن بالقيم، «شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنْزِلَ فِيهِ القرآن». وإذا سمعت «أُنْزِلَ فِيهِ القرآن» فافهم أن هناك كلمات (أنزل) و(نَزّل) و(نزل)، فإذا سمعت كلمة (أنزل) تجدها منسوبة إلى الله دائما: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ القدر» «القدر: 1».

أما فى كلمة (نَزَلَ) فهو سبحانه يقول: «نَزَلَ بِهِ الروح الأمين» «الشعراء: 193». وقال الحق: «تَنَزَّلُ الملائكة» «القدر: 4». إذن فكلمة (أنزل) مقصورة على الله، إنما كلمة (نَزّلَ) تأتى من الملائكة، و(نَزَلَ) تأتى من الروح الأمين الذى هو (جبريل)، فكأن كلمة (أنزل) بهمزة التعدية، عدت القرآن من وجوده مسطورًا فى اللوح المحفوظ إلى أن يبرز إلى الوجود الإنسانى ليباشر مهمته.

وكلمة (نَزَلَ) و(نَزَّلَ) نفهمهما أن الحق أنزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا مناسبًا للأحداث ومناسبًا للظروف، فكان الإنزال فى رمضان جاء مرة واحدة، والناس الذين يهاجموننا يقولون كيف تقولون: إن رمضان أنزل فيه القرآن مع أنكم تشيعون القرآن فى كل زمن، فينزل هنا وينزل هناك وقد نزل فى مدة الرسالة المحمدية؟ نقول لهم: نحن لم نقل إنه (نزل) ولكننا قلنا (أنزل)، فأنزل: تعدى من العِلم الأعلى إلى أن يباشر مهمته فى الوجود.

وحين يباشر مهمته فى الوجود ينزل منه (النَّجْم) يعنى القسط القرآنى موافقا للحدث الأرضى، ليجيء الحكم وقت حاجتك، فيستقر فى الأرض، إنما لو جاءنا القرآن مكتملاً مرة واحدة، فقد يجوز أن يكون عندنا الحكم ولا نعرفه، لكن حينما لا يجيء الحكم إلا ساعة نحتاجه، فهو يستقر فى نفوسنا. وأضرب هذا المثل ولله المثل الأعلى، أنت مثلا تريد أن تُجهز صيدلية للطوارئ فى المنزل، وأنت تضع فيها كل ما يخص الطوارئ التى تتخيلها، ومن الجائز أن يكون عندك الدواء لكنك لست فى حاجة له، أما ساعة تحتاج الدواء وتذهب لتصرف تذكرة الطبيب من الصيدلية، عندئذ لا يحدث لبس ولا اختلاط، فكذلك حين يريد الله حكمًا من الأحكام ليعالج قضية من قضايا الوجود فهو لا ينتظر حتى ينزل فيه حكم من الملأ الأعلى من اللوح المحفوظ، إنما الحكم موجود فى السماء الدنيا، فيقول للملائكة: تنزلوا به، وجبريل ينزل فى أى وقت شاء له الحق أن ينزل من أوقات البعثة المحمدية، أو الوقت الذى أراد الله سبحانه وتعالى أن يوجد فيه الحكم الذى يغطى قضية من القضايا.

إذن فحينما يوجد من يريد أن يشككنا نقول له: لا. نحن نملك لغة عربية دقيقة، وعندنا فرق بين (أنزل) و(نَزَّل) و(نزل) ولذلك فكلمة (نزل) تأتى للكتاب، وتأتى للنازل بالكتاب يقول تعالى: «نَزَلَ بِهِ الروح الأمين» «الشعراء: 193». ويقول سبحانه: «وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ» «الإسراء: 105».

وكان بعض من المشركين قد تساءلوا؛ لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة؟. وانظر إلى الدقة فى الهيئة التى أراد الله بها نزول القرآن فقد قال الحق: «وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً» «الفرقان: 32». وعندما نتأمل قول الحق: «كَذَلِكَ» فهى تعنى أنه سبحانه أنزل القرآن على الهيئة التى نزل بها لزومًا لتثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ولو نزل مرة واحدة لكان تكليفًا واحدًا.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة