الشيخ محمد متولى الشعراوى
الشيخ محمد متولى الشعراوى


خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي.. «يسألونك عن الأهلة»

ضياء أبوالصفا

الخميس، 28 مارس 2024 - 07:39 م

يقول الحق فى الآية «189» من سورة البقرة: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».

الأهلة جمع هلال، وسمى هلالاً لأن الإنسان ساعة يراه يهل، أى يرفع صوته بالتهليل، ويجيب الحق سبحانه وتعالى الجواب الذى يحمل كل التفاصيل عن القمر، وهو الكوكب الذى خضع لنشاطات العقل حتى يكتشفه، والعرب القدامى لم يكونوا يعلمون شيئًا عن ذلك القمر، ولكنهم كانوا يؤرخون به، وعلمهم به لم يزد على حدود انتفاعهم به. ولم يصلوا إلى الترف العقلى الذى يتأملون به آيات الله فى الكون، فكل آيات الكون يُنتفع بها ثم ينشط العقل بعد ذلك، فنعرف السبب، وقد لا ينشط العقل فتظل الفائدة هى الفائدة. وأراد الحق سبحانه أن يلفتنا لمبدأ هام، وهو أن يعلمنا كيف نستفيد من الآيات الكونية مثل القمر، لا يكفى ظهوره واختفاؤه، وتغير حجمه، لأن هذه لن يتسع لها العقل، بل نستفيد منه كميقات، ونستخدمه لقياس الزمن.

فإذا كنا ونحن نعيش فى القرن العشرين، لم يعرف العلماء سببًا لظواهر القمر، فكيف كان حال الذين سألوا عنها منذ أربعة عشر قرنًا؟ قال العلماء المعاصرون فى تفسيراتهم مثلاً: إن الشمس مثل حجم الأرض مليونا وربع مليون مرة، والقمر أصغر من الأرض، وعندما تأتى الأرض بين الشمس والقمر برغم حجم الشمس الهائل فإن الأرض تحجب جزءًا من القمر، هذا الجزء المحجوب بقدر تدوير القوس المحجوب من الأرض ويصبح هذا الجزء من القمر مظلمًا.

إن القمر وجوده ثابت لكن الأرض عندما توجد بينه وبين الشمس فهى التى تحجب عنه ضوء الشمس، ويكبر حجم نوره كلما تزحزحت الأرض بعيدًا عنه. وعندما تنزاح الأرض بعيدًا عنه كلية يظهر فى السماء بدراً كاملاً، ثم تعود الأرض بعد ذلك لتحجب عنه جزءًا من الشمس، ويزداد ذلك يومًا بعد يوم، فينقص ضوء الشمس المنعكس عليه تبعًا لذلك، فيقل تدريجيًا حتى تأتى الأرض بينه وبين الشمس فلا يظهر منه شيء.

ونقول نحن: إننا عندما لا نرى القمر لا فى الليل ولا فى النهار برغم أنه موجود فى مكانه، نقول: إنه مستور فى ظل الأرض، لذلك لا نراه. وهذه الظاهرة لا تحدث للشمس لأن جرم الشمس كبير جدًا.

وعندما يحدث فإن الأثر يكون قليلا، ويسمى بالكسوف. وعندما التفت العرب للكون قالوا: ما بال الهلال يصبح هكذا ثم يكبر حتى يصير بدرًا، فقال الحق عز وجل: «قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج» إنهم هم يسألون عن الأهلة ودورتها، فقطع الله عليهم خيط تفكيرهم وأعطاهم الخلاصة والنتيجة، فقال: «قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج».

إن هذا الأمر هو الذى يستطيع العقل فى ذلك الزمان أن يعرفه، أما ما وراء ذلك فانتظروا حتى يكشف الزمن عنه، وجهلكم به لا يقلل من نفعكم. لقد كانت كل إجابة لأى سؤال فى ذلك الزمان تحتوى على ما يتسع العقل لإدراكه ساعة التشريع، أما بقية الإجابة فالحق يتركها للزمن. ولا يعطينا إلا ما يفيد التشريع، مثال ذلك: كانوا قديما يقولون: الأرض كرة وأثبت لنا العلم أنها كذلك، ورأيناها بالأقمار الصناعية وانتهت القضية.

وعندما سأل العرب عن الأهلة أخبرنا الحق بأنها مواقيت، والمواقيت جمع ميقات، والميقات من الوقت، والوقت هو الزمن، ونعرف أن كل حدث من الأحداث يحتاج إلى زمن وإلى مكان. إذن فالزمان والمكان مرتبطان بالحدث فلا يوجد زمان ولا مكان إلا إذا وجد حدث.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة