خالد محمود
خالد محمود


خالد محمود يكتب ..«مليحة» أنشودة أرض ووطن وبشر

أخبار النجوم

السبت، 06 أبريل 2024 - 11:09 ص

يعزف‭ ‬مسلسل‭ ‬“مليحة”‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬يهمس‭ ‬بذاكرتنا‭ ‬أنشودة‭ ‬أرض‭ ‬ووطن‭ ‬وبشر،‭ ‬نعم،‭ ‬تلك‭ ‬الذاكرة‭ ‬لم‭ ‬تنس‭ ‬لحظة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحق‭ ‬شعبها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬تم‭ ‬إغتصابها‭ ‬عنوة،‭ ‬لكن‭ ‬مشاهده‭ ‬وأحداثه‭ ‬التي‭ ‬تروى‭ ‬أمامنا،‭ ‬تستدعي‭ ‬التاريخ‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬لتؤكد‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الراهن‭ ‬له‭ ‬جذور‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتفهمها‭ ‬ونستوعبها‭ ‬ونعي‭ ‬دروسها،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬حقائق‭ ‬راسخة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬طمسها‭ .‬

الرؤية‭ ‬الفنية‭ ‬الجيدة‭ ‬أصابت‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬بإيقاعها‭ ‬المناسب،‭ ‬ولجأ‭ ‬المخرج‭ ‬عمرو‭ ‬عرفة‭ ‬والمؤلفة‭ ‬رشا‭ ‬الجزار‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬تمزج‭ ‬التوثيق‭ ‬والدراما،‭ ‬لتصل‭ ‬صورة‭ ‬قصتهما‭ ‬بشفافية‭ ‬وصدق‭ ‬إلى‭ ‬المشاهد‭ ‬الذي‭ ‬توحد‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬وأبطاله‭ .‬

فحالات‭ ‬الإستهلال‭ ‬المميزة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حلقة‭ ‬كانت‭ ‬حوار‭ ‬بسيط‭ ‬بين‭ ‬الحفيد‭ ‬والجد‭ (‬صوت‭ ‬سامي‭ ‬مغاوري‭)‬،‭ ‬الأول‭ ‬يسأل‭ ‬والثاني‭ ‬يجيب،‭ ‬والصورة‭ ‬في‭ ‬الخلفية‭ ‬تنطق‭ ‬وتوثق‭ ‬أصل‭ ‬الحكاية‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬في‭ ‬ربط‭ ‬بين‭ ‬ماض‭ ‬وحاضر،‭ ‬وهو‭ ‬شيء‭ ‬مهم،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يطغى‭ ‬الخيال‭ ‬على‭ ‬الواقع،‭ ‬ولا‭ ‬الزيف‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ .‬

تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬التمهيدية‭ ‬هي‭ ‬الخيط‭ ‬الحقيقي‭ ‬التي‭ ‬يحرك‭ ‬مجريات‭ ‬ومصير‭ ‬شخصيات‭ ‬العمل‭ ‬دراميا،‭ ‬و”الحدوتة”‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬نتابع‭ ‬أحداثها،‭ ‬وتؤكد‭ ‬قيمة‭ ‬ونهج‭ ‬وموقف‭ ‬مصر‭ ‬وجنودها‭ ‬البواسل‭ ‬وشعبها‭ ‬تجاه‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬إرهاب‭ ‬المغتصب،‭ ‬ورفض‭ ‬فكرة‭ ‬تهجير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬فضحها‭ ‬وكشفها‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬الأحداث‭ .‬

في‭ ‬بداية‭ ‬الحكاية‭ ‬سأل‭ ‬الطفل‭ ‬جده‭ ‬السؤال‭ ‬الشائك الدائم‭ ‬“ليش‭ ‬إسرائيل‭ ‬تقتل‭ ‬الفلسطينيين‭.. ‬ليش‭ ‬الأطفال‭ ‬تموت‭.. ‬ليش‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬سلام؟”،‭ ‬وأجاب‭ ‬الجد‭: ‬“كانوا‭ ‬عايشين‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬إلى‭ ‬إن‭ ‬صار‭ ‬اللي‭ ‬صار،‭ ‬قبل‭ ‬100‭ ‬سنة،‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬أرض‭ ‬سلام،‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭ ‬جنب‭ ‬أخوه‭ ‬المسيحي‭ ‬جار‭ ‬اليهودي،‭ ‬يزرعوا‭ ‬ويصنعون‭ ‬ويتاجرون‭ ‬مع‭ ‬بعض،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬كره،‭ ‬الكره‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬التاني‭ ‬عند‭ ‬الغرب،‭ ‬معظم‭ ‬الأوروبيين‭ ‬كرهوا‭ ‬اليهود،‭ ‬واضطادوهم،‭ ‬وصعد‭ ‬الصحفي‭ ‬هرتزل‭ ‬ليفكر‭ ‬كيف‭ ‬تحب‭ ‬أوروبا‭ ‬اليهود،‭ ‬ورأى‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬لهم،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1897‭ ‬عملوا‭ ‬أول‭ ‬مؤتمر‭ ‬لتحويل‭ ‬دولة‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وأعينهم‭ ‬على‭ ‬القدس‭ ‬عاصمة‭ ‬لدولتهم،‭ ‬وساعدهم‭ ‬الغرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجدها‭ ‬فرصة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬مؤامراتهم،‭ ‬وأقنعهم‭ ‬هرتزل‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬ستكون‭ ‬جدار‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬أوروبا،‭ ‬وبدأوا‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬مخططهم،‭ ‬حاولو‭ ‬شراء‭ ‬الأرض‭ ‬بالنفوذ‭ ‬والمال‭ ‬وبالمؤامرة،‭ ‬ولم‭ ‬ينجحوا،‭ ‬وعندما‭ ‬قامت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬أخذوا‭ ‬الأراضي‭ ‬بالدم،‭ ‬حيث‭ ‬وجد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطاني‭.. ‬وعام‭ ‬1917،‭ ‬وعد‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى،‭ ‬بلفور،‭ ‬بإقامة‭ ‬وطن‭ ‬لليهود،‭ ‬وعام‭ ‬1921‭ ‬نهبوا‭ ‬الأراضي‭ ‬بالفعل،‭ ‬وبدأت‭ ‬هجرة‭ ‬اليهود‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬لتنفيذ‭ ‬وعد‭ ‬بلفور،‭ ‬وبدأت‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬1936‭ ‬إلى‭ ‬1939،‭ ‬وواجهتها‭ ‬بريطانيا‭ ‬بالقوة‭ ‬وقتلوا‭ ‬5‭ ‬آلاف‭ ‬فلسطيني”‭.‬

وسأل‭ ‬الطفل‭ ‬مجددا‭: ‬“وأين‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬يا‭ ‬جدي؟”،‭ ‬وجاء‭ ‬الرد‭: ‬“العرب‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬نضال،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬حكايته،‭ ‬مصر‭ ‬مثلا‭ ‬كانت‭ ‬مهمومة بالاستقلال‭ ‬من‭ ‬الاستعمار”‭.‬

ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬الإستهلالي‭ ‬كان‭ ‬مهم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ندخل‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الدراما،‭ ‬وسياق‭ ‬المسلسل‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬وقته،‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الغربية،‭ ‬لتبدأ‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬السلوم‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا،‭ ‬حيث‭ ‬تسكن الفتاة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مليحة‭ (‬سيرين‭ ‬خاس‭)‬،‭ ‬وأسرتها،‭ ‬بعد‭ ‬النزوح‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭ ‬عقب‭ ‬الانتفاضة الثانية‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬ليبيا‭ ‬المدمرة،‭ ‬تضطر‭ ‬للعودة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مصر،‭ ‬وخلال‭ ‬الرحلة‭ ‬تواجه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭.‬

على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الدراما،‭ ‬وفي‭ ‬قلب‭ ‬القاهرة،‭ ‬حيث‭ ‬أسرة‭ ‬المقدم أدهم‭ (‬محمد‭ ‬دياب‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬ميرفت‭ ‬أمين،‭ ‬أمير‭ ‬المصري،‭ ‬حنان‭ ‬سليمان‭ ‬وأشرف‭ ‬زكي،‭ ‬حيث‭ ‬تعيش‭ ‬الأسرة‭ ‬حياة‭ ‬بسيطة،‮ ‬

وعندما‭ ‬ينقل‭ ‬الضابط‭ ‬أدهم‭ ‬إلى‭ ‬العريش،‭ ‬يواجه‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬محاولة‭ ‬تفجير‭ ‬الأتوبيس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقل‭ ‬أسرة‭ ‬“مليحة”‭ ‬وآخرين‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والمصريين،‭ ‬وينقذهم،‭ ‬ليتشابك‭ ‬الطرفين‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬واحدة‭ .‬

تتذكر‭ ‬مليحة‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية‭ ‬عام‭ ‬2000،‮ ‬وهي‭ ‬صغيرة،‭ ‬وكيف‭ ‬تمسكت‭ ‬الطفلة‭ ‬بعروستها‭ ‬وهي‭ ‬تهرب‭ ‬مع‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬الوحشية‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا،‭ ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬أجمل‭ ‬المشاهد‭ ‬تقول‭ ‬لجدتها‭ ‬“لازم‭ ‬نرجع‭ ‬فلسطين‭.. ‬إحنا‭ ‬فلسطينيين”،‭ ‬وتبكي‭ ‬الجدة‭ ‬وسط‭ ‬“أهة”‭ ‬كبيرة‭ .‬

ظهرت‭ ‬الشخصيات‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬طبيعية‭ ‬وحقيقية،‭ ‬جسد‭ ‬دياب‭ ‬دور‭ ‬الضابط‭ ‬المصري‭ ‬المتفاعل‭ ‬مع‭ ‬واجباته‭ ‬دون‭ ‬مبالغة،‭ ‬وكان‭ ‬أقرب‭ ‬لشخصية‭ ‬البطل‭ ‬الشعبي،‭ ‬كذلك‭ ‬سيرين‭ ‬خاس‭ ‬التي‭ ‬جسدت‭ ‬شخصية‭ ‬“مليحة”،‭ ‬وهنا‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬ذكاء‭ ‬المخرج‭ ‬في‭ ‬الإستعانة‭ ‬بوجوه‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬مصرية‭ ‬لإضفاء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الواقعية‭ ‬على‭ ‬الأحداث،‭ ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سيرين‭ ‬هناك‭ ‬الممثل‭ ‬الأردني‭ ‬مروان‭ ‬عايش،‭ ‬الذي‭ ‬يلعب‭ ‬شخصية‭ ‬“عمار”‭ ‬والممثلة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الأردنية‭ ‬ديانا‭ ‬رحمة‭ ‬التي‭ ‬تلعب‭ ‬شخصية‭ ‬“ألطاف”‭.‬

كجمهور‭ ‬سعداء‭ ‬بأن‭ ‬نرى‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬وهو‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬تلعبه‭ ‬القوى‭ ‬الناعمة‭ ‬المصرية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الدراما،‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬أضافت‭ ‬لها الموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬لخالد‭ ‬حماد‭ ‬بعداً‭ ‬من‭ ‬الشجن،‭ ‬وكذلك‭ ‬ملامح‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬الديكور‭ ‬الموفق‭ ‬لفوزي‭ ‬العوامري،‭ ‬وكاميرا‭ ‬مدير‭ ‬التصوير‭ ‬شريف‭ ‬النمر‭ ‬الذي‭ ‬جعلنا‭ ‬نعيش‭ ‬بكامل‭ ‬هواجسنا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحدث،‮ ‬ونكون‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬القضية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬التفجير،‭ ‬ومشهد‭ ‬التهجير،‭ ‬مع‭ ‬أغنية‭ ‬“راجعين‭ ‬يا‭ ‬فلسطين”‭ .‬

الشيء‭ ‬المهم،‭ ‬هو‭ ‬تفاعل‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬عبر‭ ‬المسلسل،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬الفكرة‭ ‬ستكون‭ ‬على‭ ‬تماس‭ ‬حقيقي‭ ‬مع‭ ‬سير‭ ‬الأحداث،‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬صداها‭ ‬وتوابعها‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة