د.محمود الهوارى
د.محمود الهوارى


د.محمود الهوارى الأمين المساعد للدعوة والإعلام بالأزهر:

الإسلام يضمن الحرية الحكيمة ويصونها

عبدالهادي عباس

الثلاثاء، 09 أبريل 2024 - 03:51 م

ما زال الإسلام منذ نزول أولى آيات الوحى تكال له التهم واحدة بعد أخرى، ويحلو لبعض الناس أن يردد دون تثبت أن الإسلام معارض للعقل، أو أنه لا حرية فيه! ولكن المنصفين من الكتاب يمكنهم أن يسوقوا من الأدلة والوقائع ما يؤكد أن الإسلام يضمن بتشريعاته قدرًا كبيرًا من الحرية، بل يضمن الحرية الكاملة، ويصونها من العبث.

ويؤكد د.محمود الهوارى، الأمين المساعد للدعوة والإعلام بالأزهر الشريف، أن بعض الناس يتناولون الحرية فى إطار نظرى فلسفى فحسب، باعتبارها حقًا إنسانيًا، ولكن الكلام عن حرية الفكر فى الإسلام لا يتوقف عند التنظير والفلسفة، واستنباط ما يشير إليها من آيات القرآن وأحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنما يتأيد هذا التنظير بأمثلة حية من وقائع السيرة النبوية، التى جاءت ترجمة عملية لآيات القرآن الكريم.

حرية عاقلة

ويوضح د.الهوارى أن الإسلام قد ضمن بوحيه وتشريعه حرية الفكر، ولكنها حرية حكيمة عاقلة، وليست حرية حمقاء، فليس الكلام عن الحرية فى الإسلام كالطبل الأجوف الذى يسمع صوته ولا يرى له أثر، ولكنه واقع حقيقى، وليست الحرية فى الإسلام مساوية للتفلت والتحلل، بل ولا قريبة من ذلك. وأول ما يلفت الأنظار أن الله جل جلاله أعلن فى قرآنه أنه كرم بنى آدم، والتكريم هنا لا يقف عند حد جمال الصورة الظاهرة واعتدال القامة، وإباحة النعم على تنوعها.

وإنما ينصرف التكريم إلى هذه الحرية التى منحها الله للبشرية لتتفق مع إنسانيتهم، ولقد ارتضى رب العالمين من عباده هذه الحرية فى أعلى مطلوب، وهو الإيمان، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: «ولوْ شاء ربك لآمن من فى الْأرْض كلهمْ جميعا أفأنت تكْره الناس حتى يكونوا مؤْمنين»، وقال مبينا طريق الإنسان فى حياته: «إنا هديناه السبيلا، إما شاكرا وإما كفورا»، فالإنسان فى التصور الإسلامى صاحب اختيار وإرادة؛ إذ لو شاء الله عز وجل لطبع خلقه على الإيمان والتسليم.

واقع عملى

ويتابع د.الهوارى أن سيرة الصحابة الأكارم تنقل أنهم ورثوا هذا المنهج العملى، وحولوا الحرية إلى واقع عملى، وسلوك حياتى، ومن ذلك ما كان من مصعب بن عمير رضى الله عنه حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليعلم أهلها الإسلام، فأتاه فى بعض جولاته أسيد بن حضير يريد أن ينهاه عن تحديث الناس بالدين الجديد، فوقف متشتما، وقال له ولصاحبه: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة! وهذا تهديد واضح! فقال له مصعب: أو تجْلس فتسْمع، فإنْ رضيت أمْرا قبلْته، وإنْ كرهْته كف عنْك ما تكْره؟ قال: أنصفت.

فلم يمارس عليه ضغطا معنويا ولا إرهابا نفسيا، وإنما أباح له الحرية الكاملة فى تقرير عقيدته واختيار إيمانه فكانت هدايته. ونؤكد أنه إذا كانت قضية الإيمان- وهى أعلى مطلوب- لا تتحقق للإنسان إلا بحرية كاملة وعن قناعة واختيار، ودون قهر أو إجبار، فعن الحرية فى الإيمان تتفرع كل حرية لاحقة.

رحمة الاختلاف!

ويوضح د.الهوارى أنه من تأمل تاريخ الإسلام العلمى والحضارى أدرك أن العلماء ولمدى زمنى طويل كانوا يختلفون، ويخطئ بعضهم بعضا، ويرد بعضهم على بعض، ولم يكن هذا الحراك المثرى للحياة بين مذاهب متباينة ومختلفة، بحيث يخالف الشافعية الأحناف مثلا، أو يخالف المالكية الحنابلة، وإنما كان هذا الحراك العلمي، أو ما يسمى بالحرية الأكاديمية داخل المذهب الواحد، فترى محمد بن الحسن الشيباني، وأبو يوسف القاضي، وزفر بن الهذيل، وهم أبرز أعلام المذهب الحنفى بعد الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان، تراهم يخالفون إمام المذهب، وتحمل كتب الأحناف هذه الحرية فى مساجلات وردود بينهم دون أدنى حرج، وقل مثل هذا فى كل مذهب.

وحتى لو كان العلماء مختلفى المشارب فليس هناك ممانعة من حرية مثرية، فترى علماء السنة لا يمنعهم اعتزال الزمخشرى من الانتفاع بكتابه الكشاف، بل تجرى عليه خدمة علمية من تحشية وتخريج وغير ذلك.

ولو أن الإسلام خلا من الحرية ما وجدت هذه المذاهب المتنوعة فى كل مجالات العلوم: اعتقادا وفقها وتزكية. ولكن الواجب ونحن نتناول الحرية التى كفلها الإسلام أن نفرق بينها وبين التفلت، فإن الحرية التى تعنى عند بعض الناس أن تفعل ما تشاء فى الوقت الذى تشاء بعيدا عن أى معايير ليست حرية، بل هى فوضى يرفضها الإسلام، ولا يرتضيها عقلاء البشر. وإنما يقر الإسلام الحرية الحكيمة.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة