صورة موضوعية
صورة موضوعية


طهران وتل أبيب.. «لغة المصالح» هل تفرض قيودًا على جموح المواجهة؟

محمد نعيم

السبت، 13 أبريل 2024 - 06:50 م

قد لا نبالغ إذا قلنا إن العالم قبل الهجوم الإسرائيلى الذى طال القنصلية الإيرانية فى دمشق فى الأول من إبريل الحالى يختلف بشكل كامل عما بعده.. فمنذ ستة أشهر أو يزيد وعواصم العالم تعيش على كابوس عنوانه (وحدة الساحات) وخروج العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة باعتباره جزءا ومرحلة من صراع طويل بين إسرائيل والفلسطينيين وسلسلة من عدوان تكرر بصفة شبه دورية لمحيطه إلى الدائرة الإقليمية ودخول أطراف أخرى فيها وحقيقة الأمر أنه كان هناك اتفاق ضمنى غير مكتوب بين تلك الأطراف على الوصول إلى حافة الهاوية والتوقف عندها ونجحت إيران فى استخدام بعض الجماعات المحسوبة عليها فى المنطقة فى إشغال إسرائيل دون الدخول كأطراف، شاهدنا الالتزام الدقيق (بقواعد الاشتباك) بين إسرائيل وحزب الله ودخول جماعة الحوثى مؤخرا طرفا فى الأزمة عبر استهداف السفن الإسرائيلية العابرة من مضيق باب المندب واستهداف بعض المناطق في إيلات شمال البحر الأحمر، كما رصدنا هجمات محدودة للجماعات الشيعية فى العراق لبعض القواعد الأمريكية هناك ورد واشنطن المحدود عليها كل ذلك وطهران فى موقف المدافع عن مواقفها بالتصريح والتلميح بأن هذه الجماعات صاحبة قرارها واستهوت اللعبة واشنطن فذهبت باتجاه تبرئة طهران من العديد من العمليات  . ولكن تل أبيب نتنياهو كان لها رأى آخر، فهى تجيد لعبة الهروب إلى الأمام وتتحرق شوقا إلى توريط واشنطن فى الصراع خاصة بعد أن زادت الضغوط الأمريكية على تل أبيب بمنع غزو رفح ووقف مؤقت للعدوان والدخول فى وقف مؤقت لإطلاق النار حتى وصلنا الى شبه فراق بينه والإدارة الأمريكية والتلويح بإجراءات وفى الأول من إبريل قرر نتنياهو الذهاب إلى خلط الأوراق عندما قرر الهجوم على مبنى ملحق بالقنصلية الإيرانية فى دمشق أسفر عن مقتل ١٧ شخصًا من بينهم العميد محمد رضا زاهدى وهو أحد قادة فيلق القدس التابعة للحرس الثورى الإيراني وسبعة ضباط كبار ونجحت تل أبيب فى تحقيق ما خططت له، تغير الموقف الأمريكي تماما وأعلن دعمه لإسرائيل ضد أى هجوم إيراني عليها واستنفرت قواتها فى المنطقة، كما فرضت على طهران إما عدم الرد فتفقد معها مصداقيتها تماما أو تلجأ الى الرد وقد يتحول بالفعل الى حرب إقليمية إذا تم استهداف أهداف داخل  إسرائيل من إيران أو تكتفى باستخدام الجماعات المحسوبة عليها فى الرد. .  الموقف جد خطير ويطرح العديد من الأسئلة والاستفسارات وكونها هل يتم استهداف المصالح الأمريكية والتداعيات المتوقعة على أمن واستقرار المنطقة، هذا الملف محاولة للإجابة عن كل  ذلك ويطرح السيناريوهات المطروحة.

رغم تبادل التهديد بفعل ورد فعل عسكرى بين إيران وإسرائيل، يحرص الجانبان على تفادى انفلات يزيد الوضع اشتعالًا، ويفرض خروجًا من دائرة الضربات الخاطفة المعروفة بـ«معارك ما بين الحروب» إلى مواجهة متعددة الجبهات، تؤثر حتمًا على مصالح المنتصر قبل المهزوم. 

وبينما تخلت إدارة جو بايدن عن خلافها مع سياسة نتانياهو فى قطاع غزة، وأعلنت دعمًا كاملًا لإسرائيل حال انزلاق إلى مواجهة مع إيران، حذرت هى الأخرى من مساسٍ بمصالحها، ولم تخف عبر مسئوليها «نقاء يدها من عمليات اغتيال قادة إيرانيين فى سوريا»، واستدعت حيادية الوسيط السويسرى فى إدارة محادثات غير مباشرة مع طهران، لتنتزع منها وعدًا بـ«محدودية عقاب إسرائيل»، بعد فشل واشنطن فى إقناع تل أبيب بمقترح إيراني، يقضى بـ«التنازل عن الثأر من إسرائيل مقابل وقف فورى لإطلاق النار فى قطاع غزة».

وفيما تواصل إسرائيل تلويحًا بتأهب آلتها العسكرية لردع الدولة الفارسية، وعززته بمناورات جوية فى قبرص، تحاكى هجومًا على إيران، تحرص الأخيرة على تفويت الفرصة على نتانياهو، والحيلولة دون جرها إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، لاسيما وهى تعلم أن صمت واشنطن على استهدافها السابق لجبهات إقليمية، لن يتكرر عند الهجوم على إسرائيل، ويشجع إدارة بايدن على فرض حزمة عقوبات جديدة عليها، تحرمها من ليونة الموقف الأمريكي، الذى أزال الجمود عن جانب من أموالها المستحقة لدى كوريا الجنوبية والعراق، لمنعها ووكلائها نسبيًا من فتح جبهة ضد إسرائيل ردًا على عدوان «السيوف الحديدية» فى قطاع غزة!

اقرأ أيضاً | «فرحة الإسكندرانية حاجة تانية»

حساسية الموقف الأمريكى وتحسبات نظيره الإيراني، لا تبتعد كثيرًا عن ناظرى تل أبيب، فبعيدًا عن مخاوفها المؤكدة من استهداف العمق الإسرائيلي، وتأكيد دوائر استخباراتية أن السؤال لم يعد: هل تندلع مواجهة بين إيران وإسرائيل؟ وإنما متى؟، يتنامى حرص إسرائيل على إحماء الموقف، وتسويق إصرارها على فتح جبهة مباشرة مع إيران، فرغم تعهد طهران أمام واشنطن بـ«محدودية عمليتها الانتقامية»، حسب صحيفة «بوليتيكو»، نقلت الصحيفة الأمريكية ذاتها عن مسئولين إسرائيليين أن «الهجوم الإيرانى الوشيك يفوق كل توقع، ومن غير المستبعد اعتماده على صواريخ باليستية ومسيَّرات انتحارية».

ربما حاولت إسرائيل بذلك تعديل تقديرات الموقف الأمريكي، الذى قلل من رد فعل إيران على استهداف قنصليتها إسرائيليًا فى دمشق، ولعل ذلك أيضًا هو ما دعا رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس يادلين إلى استفزاز طهران وإرباك واشنطن، مشيرًا عبر صحيفة «جلوبس» العبرية إلى أن «إسرائيل لن تتردد حال استهداف منشآتها الاستراتيجية فى الرد بهجوم كهرومغناطيسي، ربما يعيد إيران إلى «العصر الحجري»، ويصيب كامل منظوماتها الكهربائية والإليكترونية بالشلل التام».

دعمًا لقصد يادلين، ورغم اعتراف إسرائيل بعدم امتلاك الإيرانيين حتى الآن سلاحا نوويا، زعم الباحث الإسرائيلى المتخصص فى الملف الإيرانى راز سميت احتمالية لجوء الجانبين حال اندلاع مواجهة إلى السلاح النووي، لاسيما فى ظل غياب قنوات اتصال مباشرة فيما بينهما، يمكنها «ضمان توازن الردع النووى المتبادل»، كما كان عليه الحال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى السابق خلال «الحرب الباردة».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة