صورة موضوعية
صورة موضوعية


"جهود مجمع اللغة العربية في التقريب بين الفصحى والعامية" بمؤتمر الخالدين

حاتم نعام

الثلاثاء، 30 أبريل 2024 - 06:47 م

واصل مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة الدكتور عبد الوهاب عبدالحافظ رئيس المجمع، انعقاد جلساته اليوم الثلاثاء، تحت عنوان "اللغة العربية وتحديات العصر: تصورات، واقتراحات، وحلول"؛ حيث ناقش أعضاء المؤتمر فـي جلسته المغلقة المصطلحات المقدمة من كل من لجنة الإعلام، ولجنة الهندسة، ولجنة الجغرافيا.

 

وفـي جلسته العلنية التي رأسها وأدارها الدكتور حافظ شمس الدين عضو المجمع، ألقت الدكتورة إيمان السعيد جلال أستاذة الدراسات اللغوية بكلية الألسن جامعة عين شمس، والخبيرة بالمجمع، بحثًا بعنوان "جهود مجمع اللغة العربية في التقريب بين الفصحى والعامية: حلول مقترحة لمشكل الازدواجية اللغوية"؛ حيث أوضحت أن حديث المتخصصين وغيرهم قد كثُر في مشكل الازدواجية اللغوية، ومعاناة الجمع بين مستويين (أو أكثر) للغة العربية عند جماعة لغوية واحدة، حتى أصبح حديثًا مستهلَكًا أصاب سامعيه ومتابعيه بالملل؛ إذ إنه واقع فرض نفسه منذ قرون طويلة. وإذا كنا لم نسهم في خلق هذا الواقع، فقد يكون من المهم أن نقدم - أو نحاول أن نقدم - بعض المقترحات التي تسهم في الحل، وأن ننظر في الجهود التي أسهمت في ذلك.

وبيَّنت د.إيمان أن الأمر الواقع هو وجود مستويين لغويين: فصحى وعامية؛ لكلٍ منهما وضع اجتماعي وثقافي معين؛ العامية مستوى لغوي مكتسب من الأسرة والمجتمع، ويستخدمه الإنسان العربي في حياته اليومية وكل ممارساته، ويمتد إلى واقعه التعليمي أيضًا. وهذه العامية (بمستوياتها الثلاثة) تهيمن على الحياة اليومية ولا تُكتب عادةً إلا في بعض الأعمال الأدبية والمواد الإعلامية (كالإعلانات مثلًا) ثم في وسائل التواصل الاجتماعي. أما الفصحى فهي المستوى الرسمي بحكم الدستور والهوية، وهي اللغة المستخدمة في كل السياقات الرسمية (التعليم – الإعلام – الأدب – القضاء – السياسة – البرلمان ...). وبلغة أخرى إن مجالها الحيوي هو المكاتبات الرسمية في تلك المجالات السابقة – وهي لا تستعمل عادة – في لغة الحياة اليومية.

وأضافت د.إيمان أن الواقع أن الفصحى والعامية متلازمان، والعامية ليست منبتة الصلة عن الفصحى؛ فإن جانبًا كبيرًا من محتواها يرجع إلى الفصحى، فالأمر بينهما لا يمكن أن يُعَدّ صراعًا بين ضدين، غير أن الفجوة الواسعة بين الفصحى والعامية ليست في صالح الفصحى على المدى البعيد؛ إذ إن حماة الفصحى وسدنتها يشعرون دائمًا بالخطر من أن تنتصر العامية على الفصحى، أو أن تسود في المجال الحيوي لها. وفي مقابل ذلك نجد من يتبنى فكرة التسامح (المُقَنَّن) مع العاميات حتى نرتقي بها بدلًا من الاكتفاء بالنَّعْي على ما نحن فيه.

وأوضح البحث أن لجنة الألفاظ والأساليب بمجمع اللغة العربية بالقاهرة قد وجدت في محاولة التقريب بين العامية والفصحى وتذويب الفوارق بينهما عددًا وفيرًا من الألفاظ والتعبيرات التي يمكن ردُّها إلى أصول فصيحة صوتيًّا وصرفيًّا وتركيبيًّا، وأن الاستعمال اللغوي المعاصر يستهلكها استهلاكًا ملحوظًا، وأن معجمات العربية (القديمة والمعاصرة) تخلو منها. وبذلك يسهم عمل اللجنة في الإفادة من ألفاظ العامية وعباراتها بوصفها رافدًا من روافد تطور الدلالة لبعض الألفاظ والعبارات العربية الفصيحة، فضلًا عن الاشتقاق من الجذور العربية وتوسيع دلالة ألفاظ وعبارات بما يجعلها تستوعب معاني جديدة شاعت في الاستعمال المعاصر: في الفصحى المعاصرة، وفي العامية بمستوياتها الثلاثة (المثقفين والمتنورين والأميين) بخاصة المستويين الأول والثاني منها.

ويلاحظ أن كل ما أقرته اللجنة وأكسبته المشروعية حتى لا يشعر مستعملوه في العربية الفصحى المعاصرة بالحرج، لم يرِد في المعجمات العربية قديمها وحديثها - كما قلت - وأن إدراجه في معجمات مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمعجم التاريخي يمثل سدًّا لفجوات معجمية كثيرة.

وقد هدفت هذه الدراسة إلى استقراء عمل هذه اللجنة (المجلد السادس فقط) ومحاولاتها دراسة الألفاظ والتعبيرات التي تستخدمها العامية، وفصحتها العربية الفصحى المعاصرة في مجالات الإعلام والأدب وشاعت كثيرًا في السنوات الأخيرة؛ وذلك لتسويغ تفصيحها بعد عرضها على الأصول اللغوية ومراجعة القرارات المجمعية في الاشتقاق، ومراجعة معجمات العربية قديمها وحديثها، والاستعمالات المعاصرة لها، واتخاذ القرارات لإجازتها فتصبح مكونًا مقبولًا في الفصحى المعاصرة.

وقدَّم البحث بعض نماذج من الجزء السادس التي اقترحتها اللجنة وأجازها المجمع:

البُسَطَاء، التركيز، التشبيح، تفْعيلة مثل: تأبيدة، وتحويجة، وترحيلة، التقليعة، سَقَّع، الشُّكمان، الصَّاج، ضَبَّع، العِيدية، غَمَزَ، لَخْبَطَ وخَلْبَطَ، مصادر صناعية مثل: المليونية، الإكرامية، المظلومية، المقطوعية، المصنعية، الطلبية، هَابَرَ وعَافَرَ، الوَرْدِية، الاسم الحركي، الله يُخَلِّيك، بينهما كيميا (كيمياء)، تفويض على بياض، تكملة عدد، حادثة أدمعت العيون، "الخط" في تراكيب وصفية وإضافية معاصرة مثل: دخل على الخط، سَدُّ خانة، شَدُّ الحزام، كذا على المَحَك، العودة إلى المربع صفر، قَدَّمَ نَفْسَهُ، القَص واللصق، قَلَبَ الصفحة (أو) فَتَحَ صفحة جديدة، كَسَرَ أو (كَسَّرَ) مجاديف الآخرين، النَّفَس والأنفاس في أساليب جديدة، النهارُ له عينان، وضع فلانًا أو الشيء في جيبه، يَحْرُثُ في البحر أو في الماءِ، يَدْفَع الفاتورة، ويُسَدِّد الفاتورة، يسرق الأضواء أو الكاميرا، يَضْرِبُ عُصْفُورَين بحجرٍ واحد، يَغْسِلُ يديه من كذا، يَفْتَحُ فلانٌ أو غيره بيتًا

واقترح البحث ما يلي: 

- بالإضافة إلى عمل لجنة الألفاظ والأساليب وجهودها في تفصيح الألفاظ والأساليب التي تتسم بالشيوع والالتزام بالبنية والدلالة العربية الأصيلة، وأنها تسد فجوة في المعجم العربي، وكثير منها مجازي الدلالة .. تفصح هذه الألفاظ والأساليب دون تفريط في الأصول والثوابت، فإن هذا المنجز يحتاج إلى أن يخرج إلى الاستعمال، ولا بد أن تتوفر آلية لنشره وذيوعه.

- الازدواجية أمر قديم ومتجذر في لغتنا والنظر إليه بوصفه صراعًا بين مستويين لن يحل المشكل ما لم تُطرح حلول هادئة، غير متباطئة، طويلة المدى يمكن أن تؤتي ثمارها على المدى البعيد.

- ما يمكن أن تصاغ له قوانينُ حمايةِ اللغة والقراراتُ يكون في مجال الاستعمال الرسمي ... أما الأفراد فلا سلطان على استعمالاتهم اللغوية. وما يمكن أن يغير لغتهم تدريجيًا إلى المستوى الأعلى هو الإحلال والتبديل ثم الإلحاح والتكرار للبديل الفصيح المفهوم سهل التداول ثري الدلالة حتى يثبت وينتشر؛ لأن مستعمل اللغة متمرد على القواعد، ويريد أن يكتب ما يحلو له ولا سبيل لمحاسبته.

- أكثر استعمالات العامية قابلية للرقي نجدها في عامية المثقفين وعامية المتنورين لوفرة الاستعمالات الفصيحة (أو القابلة للتفصيح) في لغتها ... فالتركيز عليها أهم.

- يمكن للمؤسسات غير الرسمية المعنية بحماية اللغة العربية أن تنهض بمحاولات هادئة ومشوقة لإحلال كلمات وتعبيرات فصيحة سهلة ومفهومة محل العاميات حتى تذوب الفوارق تدريجيًّا.

- كنا قد اقترحنا منذ سنوات في لجنة اللغة العربية في وسائل الإعلام إنشاء مرصد للغة العربية في وسائل الإعلام لدراسة المحتوى المقدم، وتزويد المؤسسات الإعلامية بصياغات أصح وأرقى، لكن الحقيقة أن ما تقوم به لجنة الألفاظ والأساليب الآن هو دراسة ما شاع في وسائل الإعلام و(تفصيحه) وإكسابه المشروعية وإجازته.

- في هذا السياق يمكن أن تقوم حملة تطوعية ترعاها مؤسسات رسمية أو أهلية لرصد الاستعمالات الحديثة في العاميات (المستويات الثلاثة) وفي الفصحى في الإعلام والتعليم (الكتب الدراسية والبرامج)، وعلى المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتسجيل الملحوظات، وتحليل المادة، وتحديد مواقع الاستبدال وإمكاناته.

- سيؤدي تقريب الفصحى والعامية أو محاولة تضييق الفجوة فيما أتصور إلى: شيء من التراجع في حالة النفور والعزوف عن الفصحى المعاصرة وتغيير صورتها المشوهة عند تضييق المسافة بين الفصحى والعامية.

- قبول الفصحى المعاصرة عند تلقيها وعدم النفور من استعمالاتها وعودتها تدريجيًا إلى مجالاتها الحيوية في التعليم والإعلام، في المحاكم والبرلمان، في المساجد وخطاب القيادات ...

واختتمت د.إيمان بحثها بقولها: الأمر يحتاج وقتًا ونفسًا طويلًا، ويحتاج إلى اقتناع الأطراف المختلفة أفرادًا ومؤسسات.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة