محسن سرحان
محسن سرحان


كنوز| الشك القاتل

عاطف النمر

الأربعاء، 01 مايو 2024 - 05:39 م

بقلم: محسن سرحان

أحبها إلى درجة العبادة، أحبها أكثر مما يحب العشرين ألفاً من الجنيهات التى تحشر اسمه بين أسماء السعداء فى البنوك، كانت أكثر حسناً من ملكات الجمال والقوام السمهرى الفاتن، وجه صبوح جذاب، شعرها يزداد سواده بظلمة الليل حول وجهها القمرى، دمها خفيف يحيط هذا الجمال بهالة من السحر والروعة.

أما هو فكان قصيراً، مسرفاً فى البدانة، ليس فى قسمات وجهه نظام، تقدم إليها متردداً وهى تخلع ملابس التمثيل فى غرفتها بالمسرح، عرض عليها وهو يتهته أن يمنحها اسمه وثروته، ولم تلاحظ هى دلائل الدمامة البادية عليه، بل لقد رأت فيه ما لم تره فى شوقى.. ذلك الشاب الذى يمضى يومه فى تدريبٍ شاق على السباحة للفوز بإحدى البطولات، رأت فيه صورة للجمال الحديث الذى لا يعترف بمقاييس الوسامة ويهتم بأرقام الرصيد وحساب الأملاك. 

«فتنة».. كانت تبحث عن عريس يملك الثروة والجمال معاً، ولكن إذا لم يكن الحظ سخياً ليمنحها ذلك العريس، فهى لا تريد أن تتحدى الزمن الذى اقتطع من شبابها سنواتٍ قضتها تائهة فى البحث تارة عن المجد وأخرى عن ذلك العريس، وعبد الصبور يصح أن يكون ذلك الزوج الذى تحلم به كل فتاة تبحث عن السعادة، ولهذا أغمضت عينيها عن قبحه وفتحتهما على ثروته، وأصبح عبد الصبور خطيباً لـ «فتنة»، وبدآ يُعدان العدة ليوم عقد القران، ولم يبخل عليها بغالى الثياب ونادر المجوهرات، ولم تبخل عليه بنزهة فى الجزيرة ومرافقته بالمطاعم الفاخرة ودور السينما بالقدر الذى تسمح به مشاغلها التى تحتم عليها زيارة الخياطة أو بعض الأقارب والصديقات، وحدث أن رآها عبد الصبور ذات يوم تتأبط ذراع شاب، ملأت الغيرة قلبه، وقالت له «فتنة»: إنه ابن خالتها رشدی، ورآها يوماً فى السينما مع شابٍ آخر، فعادت الغيرة تنهش أفكاره، وقالت له: إنه أخاها بالرضاعة حمدی !

ورآها مرة أخرى فى سيارة إلى جانب شاب آخر، واندفعت الدماء إلى رأسه، وصمم على ألا يستمع إلى عذر تبديه، فقد بدا له غريباً أن يكون كل أقاربها من الشبان، ولكن عبد الصبور كان يخشى أن يضعف حين يواجهها بغضبه، كان يحس بهاتفٍ يوبخه ويؤنبه على التسرع فى اتهام خطيبته دون دليلٍ ملموس.. فماذا يفعل؟

اهتدى إلى حل يراقبها به ويرصد حركاتها حتى يعرف الحقيقة ويقطع الشك باليقين، لكن عمله لم يكن يسمح له بهذه المراقبة شخصياً، فكلف أحد أصدقائه بالمهمة، وجلـس ينتظره بفارغ الصبر، وما أن رآه مقدماً حتى نهض وصاح يسأله: «هيه.. عملت إيه؟»!

قال الصديق وهو يطأطئ رأسه آسفاً: 

«راقبتها أول ما نزلت من البيت، لقيتها قابلت شاباً على ناصية الشارع كان قاعد فى عربية، فركبت تاكسى ولما العربية مشيت، مشيت وراها، وبعدين نزلوا من العربية وقعدوا على سور الجزيرة، وسمعتها بتقول له: «يا سلام.. قد إيه أنا سعيدة، وحط الشاب ذراعه على كتفها وقعدوا يبصوا لبعض ويتنهدوا»!.

تساءل عبد الصبور: «یا تری ما عرفتش كانت بتقول له إنها سعيدة ليه؟»، قال صديقه: «هو كل اللى همك كانت بتقول له سعيدة ليه؟.. بتخونك يا عبد الصبور»! صاح عبد الصبور وهو يجز على أسنانه: «يا رب.. لحد إمتى الشك حايفضل مجننى»!!

«الكواكب» - 16 مارس 1954

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة