أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

سلام يا «زوزز»

أحمد عباس

الأحد، 05 مايو 2024 - 08:17 م

«سلام يا زوزز» أقولها فى ختام كل مكالمة وأنا على وعد بلقاء قريب كان يحدث عادة لكن صدفة، فإما ان تجمعنا مائدة عمل أو تقذف بنا الظروف فى مكان واحد تحت وطأة مشاغل ما، كلانا كان يسعى على طريقه. أنا و الـ«زوزز» رفقاء عمر واحد وسكك شبيهة أظن اننا بدأناها معا دون اتفاق وهذه يجب أن تُذكر، كان هادئًا لينًا يستكين بسرعة ويبتسم فى لحظة ويضحك بصوت أحفظ نبرته، ولما ينفعل بشدة، يتلعثم تلعثما رقيقا جدا وخجلا، فأحط عينى على عينه فجأة فيضحك وأضحك وتنتهى المسألة للأبد ثم نخبط صدورنا برحابة ونغادر.


الشاب أسمر جميل له ذقن كثيفة وحليقة دائمًا أسأله: كيف تتحمل حماقة الموسى على وجهك يوميًا؟ فيضحك بسِنٍّ باسم ويقول: لازم.. الشغل يا حبيبي، آه.. أذكر أن عينيه كانتا تنغلقان لما يضحك. أما الـ «زوزز» فهو محمد العزب، منصبه الوظيفى الأخير وصل إليه بكفاح كنت شاهدا عليه واحيانًا جزء منه كان رئيس قطاع الإعلام بالشركة المصرية للاتصالات.


كأننا كنا متواعدين على الغفران بيننا، هو يغفر لى لذوعة النقد وانا أحب طريقته فى العتاب، آاه يا عزب كنت شابًا جميلًا.. محظوظ اننى عرفتك فى حياتى، كنت طيبا يا جدع وروحك هينة، أفتقدك يا رجل ورأسى يعصينى ويسرح.. أمسكت مرات به يسترجع صوتك ويتذكر ابتسامتك ويستعيد الذكريات، يااه اثنا عشر عاما يا صديقى مضت منذ لقائنا الأول.. فلماذا ترحل الآن بكل هذه السهولة؟!


على أية حال أعرف ان الناس -كل الناس- مهمتها الأزلية هى توصيل بعضهم الى المأوى الأخير لكنى يا صديقى لو تعرف تعبت، تعبت جدا يا أخى من توصيل الأحباب والأصحاب والأهل والجيران وقائمة طويلة جدًا كلها أخذت من حشو قلبى حتى نهار وفاة أبى لما كنت واقفًا أنت فى صلاة جنازته قبل وصولى حتى، أما أن ترحل فجأة فهذه قاصمة جديدة مما لا أتحمل، ما بك يا رجل؟! ألم تكن صبورا دائما؟ ثم أجِبنى هل هكذا يغادر الأصدقاء دون ضمة وداع؟!، لن أفوتها يا زوزز ولنا عتاب طويل لما أراك لدى رب رحيم، أعرف أنها ستنتهى بابتسامة هادئة منك وعينين تغلقهما ضحكتك بكل اللين والمحبة.
والله يا «زوزز» لم أر فى حياتى مثل جنازتك، الجامع امتلأ عن آخره والناس صلت فى ساحة أمامية وباحة خلفية، صاح المؤذن للمغرب ثم أقام الصلاة فورا فلم يعد فراغ لمُصَلٍّ واحد إضافى، صلينا المغرب فى سكون وأتبعناه بالصلاة على روحك يا زوزز، أعتقدك كنت تعرف غلاوتك فى قلوب الحاضرين كلهم فلماذا سارعت بالمغادرة يا صديق، تعب هى الحياة! أعرف ذلك لكن تصير مهلكة بفراق الأحباء وأنت أغلاهم يا زوزز، الان ترحل هكذا فى صمت!، ماذا أرقك فى هذه الدنيا يا رفيق؟!
شيعك العشرات يا صاحبى من ذوى البذلات الرسمية ورابطات العنق الانيقة والمسئولين وعلية القوم ومئات المحبين من البسطاء حضروا يتسابقون على حملك على كفوف الراحة، أما أنا فكنت محشورا بينهم أراقب الذين سميتهم أصدقاء فى الدنيا كيف آلت أمورهم بعد رحيلك، تعرف؟، كنت محقًا ومحظوظًا انت، كانوا واقفين ذلك اليوم منذ الصباح حولك ولم يغادر أحد، أحدهم يا زوزز لم يفارق أبناءك لحظة والله إننى أحببته جدا لهذا، لا تقلق يا جدع أخبرته بعد الجنازة أنك أوصيتنى به خيرا، أقله بألا أنتقده فى البداية وأمنحه فرصة للعمل أولا.


أما أنا فقبلت رأسك واستودعتك الذى لا تضيع ودائعه واحتسبتك عند رب حليم كريم.. السلام الى روحك المُحبة البشوشة، وسلام آخر لزوجك ولأمك الصابرة وأبنائك المُحبين، والصبر الى أرواحنا الهشة، ولك منى سلام قولا من رب رحيم.

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة