من أعمال هنريت براون
من أعمال هنريت براون


لم يختزل الشرق في الحرملك وأسواق الجواري

«الاستشراق النسائي».. أنصف المرأة في الإسلام

آخر ساعة

الجمعة، 10 مايو 2024 - 03:39 ص

شهدت السنوات الأخيرة صدور عدد من الكتب والدراسات، أعادت إلقاء الضوء على أعمال المستشرقات من فنانات وباحثات ورحّالات جرى تهميشهن واستبعاد أعمالهن طوال قرنين، ما كشف عن نظرة مغايرة، اتسمت على الأغلب بالموضوعية تجاه العالم الإسلامي، والتفهم لأحوال نسائه، على خلاف المستشرقين الرجال الذين أظهر الكثير منهم انحيازا، وغرق بعضهم فى تصورات وخيالات إيروتيكية، فضلا عن سوء الفهم. ومع ذلك انفردوا بتشكيل رؤية الغرب عن الشرق.

◄ كتب ودراسات تكشف عن عشرات المستشرقات المستبعدات

◄ نظرتهن خلت من الهلاوس الإيروتيكية للاستشراق الذكوري

◄ بعضهن تحول إلى محاميات ضد افتراءات المستشرقين الرجال

◄ الاستشراق قام بتأنيث الشرق تمهيدا لغزوه

■ من أعمال مارسيل رونديناي

في عام 2021 صدر كتاب «المستشرقات الفرنسيات بين عامى 1861- 1956 - الاتصال الثقافى وصور الاختلاف» لمؤلفته ماري كيلي. ويعتبر أول دراسة مكتملة حول المستشرقات الفرنسيات، إذ يتناول 72 رسامة اتصلن بالشرق خلال الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، وقمن برسم لوحات من عوالمه، أغلبها ظل غائبًا مقابل شهرة أعمال الرجال، ما حجب رؤيتهن للشرق التى تبين أنها أكثر موضوعية، ومع ذلك سادت نظرة الرجال، وشكلت مجمل الاستشراق بتداعياته الاستعمارية. 

◄ رد اعتبار
كتاب «كيلي» رصد اختلاف تجارب الفنانات ورؤيتهن لمجتمعات الشرق ونسائه. كما استعرض رؤى النساء المسلمات المرسومات حول أوضاعهن الاجتماعية من واقع شهادات الفنانات، ورسائلهن ومذكراتهن، ما كشف التنميط والأحكام المسبقة التى ألحقها الاستشراق بالعالم الإسلامي، واهتمت الكاتبة بمواكبة الفنانات لروح الحداثة خلال فترة التحولات، وأثر ذلك فى طرحهن الاستشراقى من خلال رؤية واقعية تقدمية، وطبيعية. وهو ما اعتبر رد اعتبار للفنانات، ولرواياتهن المغيبة، وحقيقة أنهن من دخلن بالفعل إلى العوالم الحقيقية للنساء.

ومع ذلك فإن المجتمع والمثقفين فى باريس، لم يستسيغوا تلك الأعمال عند عرضها أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لاختلافها، وتقديمها لشرق مغاير، وخال من الهلاوس الإيروتيكية. وهو ما جعل تيم بارينجر رئيس قسم تاريخ الفن بجامعة «ييل» يرى فى الكتاب فرصة لإعادة النظر فى مجمل الأعمال الاستشراقية فى ضوء اكتشاف تلك الانحيازات الذكورية التى اختصرت الشرق فى الحرملك وأسواق الجوارى، وغيبت إسهامات المرأة فى الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

الرسامة الدنماركية البولندية «إليزابيث يريشاو بومان» واحدة من أوائل الفنانات اللاتى دخلن العالم الحقيقى لنساء الشرق عام 1869. وبدأت باسطنبول فى وقت كانت صور «الحرملك» مطلوبة فى أوروبا.

وكونها امرأة أتاح لها اتصالا وثيقا بالنساء، حيث كانت تنام فى مساكنهن، وتحاورهن. وكان للقائها بـ»نازلى فاضل» حفيدة محمد على الأثر الأكبر فى فهمها للشرق، وأظهرتا انبهارا متبادلا حول عالمى النساء بين الشرق والغرب، ما اعتبره البعض أطروحة نقيضة تقوم على الحوار والتأثير المتبادل بدلا من ثنائية «إدوارد سعيد» عن الاستشراق الذى يجعل الشرق مجرد موضوع للبحث. وبالطبع تشكل دراسة أحوال النساء أهمية كبيرة لكونهن حاملات وحاميات مقومات الهوية. 

■ من أعمال رينيه تورنيول

◄ شغف
تؤكد الدراسات الحديثة زيارة عشرات الرسامات الأوروبيات والأمريكيات، للشرق، ورسمهن لوحات من داخل عوالم النساء الحقيقية، ومنهن «صوفى دى بوتيلير» المعروفة باسم «هنرييت براون» التى تأرجح استقبال أعمالها  فى الغرب بسبب مخالفتها للتصورات السابقة. وقد بدأت بزيارة القسطنطينية عام 1860 رفقة زوجها الدبلوماسى، ومنها إلى المغرب ومصر وسوريا.

كذلك الرسامة والرحالة «رينيه تورنيل» التى رسمت عوالم شمال إفريقيا والصحراء الكبرى بين القرنين التاسع عشر والعشرين، وانتقدت رسوم المستشرقين المشهورين للنساء بأنها غير واقعية. أيضا «غانيس أندريه دو باك» التى عاشت بين القرنين التاسع عشر والعشرين، ونشأت فى الجزائر ما جعلها أكثر اتصالا بواقع الشرق ونسائه.

و«إيفون هيرزيج» التى أبدعت فى رسم روح الحياة الشرقية، واشتهرت بالأعمال المائية وتصويرها المرهف لأجواء مناطق القبائل وتلمسان. والفنانة «مارجريت ديلرومي» التى انتقلت فى عشرينيات القرن العشرين إلى «فاس» المغربية، ورسمت بشغف مشاهد الحياة، وعوالم النساء مع تفاصيل الملابس والحلى وحيوية الألوان، ولها الكثير من المخططات التى اعتمدت على توثيق اللحظات العابرة، عرضتها فى فرنسا. ومن بعدها وصلت الفنانة «أليس ريختر» ورسمت عوالم التراث والمجتمع الشرقيين. أما الفنانة «مارسيل روندلاى» فرسمت أعمالها مطلع القرن العشرين بين الجزائر وفلسطين. وقاد الشغف الأمريكية «هيلين هايد» فوصلت حتى اليابان.

■ لوحة للمستشرقة ريني تورنيول

◄ محاميات الشرق
ليس الفنانات فقط ولكن حركة واسعة للاستشراق النسائي في مجالات البحوث الاجتماعية والتاريخ ومقارنة الأديان وغيرها قد أزيحت إلى الظل، ولم ينج من التغييب منهن إلا القليلات. الإيطالية «ماريا ناللينو» ابنة المستشرق المعروف «كارلو نالينو»، كانت إحدى المولعات بثقافة الشرق والدين الإسلامى، حتى أنها اختيرت كعضوة مراسلة لمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 56، ولها العديد من المؤلفات عن المذاهب الإسلامية، وكانت تراه دينا يحث على العلم والتفكر فى الملكوت.

ومن إيطاليا أيضا اهتمت المستشرقة «لورا فيشيا فاجليرى» باللغة العربية، وأجواء التسامح والانفتاح خلال العصر الذهبى للحضارة الإسلامية، ولها كتاب بعنوان «دفاعا عن الإسلام». كذلك «ريتا دى ميليو» التى تناولت وضع المرأة المسلمة، وقارنته بوضعها السابق فى بلاد العرب، وحتى فى المجتمعات الأخرى، مؤكدة الطفرة التى حدثت لهن فى ظل الحضارة الإسلامية.

كما تحدثت عن مكانة المسيح ووالدته فى الإسلام، ولها كتاب مهم بعنوان «الإسلام ذلك المجهول فى الغرب». كذلك بذلت المستشرقتان الإيطالية «إيزابيلا كاميرا» والروسية «فاليريا كربتشينكو» جهودا كبيرة للتعريف بالأدب العربي. وحول العرب واليهود فى الشرق قدمت المستشرقة «فرجينيا فاكا» دراسات قيمة، ذكرت فيها أن اليهود لم يجدوا مجتمعا يتقبلهم بقدر المسلمين، على عكس العداء الأوروبى لهم. ووصفت ما حدث فى فلسطين بالمؤامرة العالمية والجريمة. ولها دراسات حول القرآن الكريم.

أما الإنجليزية «كارين أرمسترونج» فأعادت كتابة تاريخ الحملات الصليبية، وخلصت إلى أنها كانت نتاج شعور بالدونية أمام المسلمين سعوا من خلاله إلى إعادة تشكيل هويتهم، وإشعال جذوة مشروع لتوحدهم وتحضرهم. كما فسرت القضية الفلسطينية بأنها نتاج تنامى الشعور القومى فى أوروبا خلال القرن الثامن عشر، والعداء الأوروبى لليهود، مما أدى إلى انتقال عدوى هذا الشعور القومى إليهم، وسعيهم لتحقيقه عبر الانتقال إلى أرض تبلور الحس القومى لديهم. ولها كتاب بعنوان «محمد سيرة النبى» فندت فيه بعض ما ذكره مستشرقون آخرون مثل «برنارد لويس» و«مارتن كرامر». 

■ للفنانة إيفون هيريزيج

◄ إنصاف
«الاستشرق النسائى قصة حضارة فى عيون غربية منصفة» عنوان كتاب للباحث والكاتب الصحفى أحمد أبوزيد، صادر عن المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «إيسسكو» 2018، ويركز على تسع مستشرقات من أوروبا وأمريكا وروسيا ممن أنصفن الإسلام وحضارته عبر عشرات الكتب والدراسات. واختار ثلاثا من المدرسة الألمانية أولاهن «أنا مارى شميل» التى قضت أكثر من نصف قرن تدرس الإسلام وتصوفه وعلومه وآدابه.

وتعتبر عميدة المستشرقات الأوروبيات، ولقبها الكاتب بالسفيرة الرفيعة بين الإسلام والغرب، حيث قامت بتفنيد بعض حجج المستشرقين ممن تحاملوا على الإسلام، وسعت لتصحيح صورته فى الغرب. كما ترجمت العديد من الكتب العربية، وخصوصا فى التصوف. ومن أشهر كتبها المائة والعشرين «الإسلام دين الإنسانية».

كذلك تبرز «زيجريد هونكه» صاحبة الكتاب الشهير «شمس الإسلام تسطع على الغرب» الصادر عام 60، وترسم فيه صورة لفترة ازدهار الحضارة الإسلامية، وتقدم علومها وتحررها الفكرى والاجتماعى خلال عصرها الذهبى المنفتح. كذلك المستشرقة الألمانية «كريستيانا باولوس» التى رأت فى الإسلام مشروعا حضاريا يضيف لرصيد الإنسانية.

■ للفنانة إيفون هيريزيج

◄ رسائل من مصر
وفيما يتعلق بمصر، فعلى العكس رأت الإنجليزية «فلورانس رانتنجيل» جمال المصريات، وتحدثت عنهن بإعجاب فى كتابها «رسائل من مصر» منتصف القرن التاسع عشر أيضا. كذلك «لوسى دانى جوردون» التى عاشت بالأقصر، وكتبت عن مصر بإجلال، وربطت بين الطقوس الفرعونية والمعتقدات الشعبية. والرحالة البريطانية «مسز كارى» التى أحبت الإسكندرية، وقالت إن المصريين على مر العصور اهتموا بالآلهة أكثر من أنفسهم، منذ كانوا يبنون بيوتهم بالطين الزائل ومعابدهم بالأحجار الخالدة.

■ المستشرقة الألمانية آن ماري شميل

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة