المجني عليها
المجني عليها


مأساة طفلة| دفعت حياتها ثمنًا للثأر بين عائلتين

حبيبة جمال

الجمعة، 10 مايو 2024 - 06:15 ص

محل لبيع الدواجن مغلق بابه.. تخرج من أسفله ألسنة لهب ما يدل على أن نيران شديدة مشتعلة بداخله.. تنامى إلى الأسماع في الداخل أصوات عويل واستغاثات لطفلة يبدو أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة بطريقة بشعة ومأساوية.. وأربعة أشخاص يقفون أمام باب المحل يمنعون الاقتراب.. ونساء يستغثن بعلو الصوت لإنقاذ تلك الطفلة.. هذه الكلمات ربما هي أقرب وصف لمشهد مقتل «جهاد»، تلك الفتاة التي لم تكمل عامها ال١٦ بعد على يد ٤ متهمين من جيرانها.. لكن ماذا فعلت تلك المسكينة لتقتل بهذه الطريقة بلا شفقة أو رحمة؟!.. في السطور التالية نسرد القصة كاملة من البداية وحتى مقتل هذه الملاك.

الحكاية بدأت في قرية كحك بحري، التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة المنوفية، في بيت صغير يملؤه الطيبة والسماحة عاشت بطلة قصتنا، جهاد شعبان، طالبة في المرحلة الإعدادية، فتاة جميلة الملامح والطباع، هادئة، تلمح البراءة في عينيها بمجرد رؤيتك لها، دائما ما تساعد والدها وتقف بدلا منه في محل بيع الدواجن مصدر رزق الأسرة الوحيد، تجلس الفتاة داخل المحل وفي ذات الوقت تذاكر دروسها استعدادًا للامتحان، كانت هي أمل أسرتها، يحلمون باليوم الذي سيأتي وتكون فيه ذات شأن في المجتمع، وعروسة جميلة تزف لعريسها، لم يكن أحد يعلم أنه سيفيق من أحلامه على كابوس مفزع، وأن تلك الملاك الصغيرة ستدفع حياتها ثمنًا لذنب لم تكن طرفا فيه، لمجرد الانتقام فقط من والدها.

خلافات قديمة

الانتقام هو كلمة السر في إنهاء حياة جهاد بهذه البشاعة، ولكن كيف ذلك؟!

نعود بالزمن لعام ٢٠٢٣، عندما نشبت مشاجرة كبيرة بين عائلة «جمال الدين»، وعائلة «فضل»، التي تنتمي إليها جهاد؛ بسبب لعب الأطفال وخلافات الجيرة.. وقتها أصيب أحد الأشخاص من عائلة «فضل»، بعاهة مستديمة، وتم ضبط عدد من طرفي المشاجرة بين العائلتين وتولت النيابة التحقيق واحيلت القضية إلى محكمة الجنايات.. التى أصدرت حكمها بإدانة الجاني وقتها بالسجن لمدة ١٠ سنوات، كما أدانت متهمين آخرين بالسجن لمدة ٣ سنوات، كما صدر الحكم ببراءة متهمي العائلة الأخرى؛ من بينهم والد جهاد، براءة هذا الرجل كانت سببًا في اشتعال الغضب تجاه أفراد وأقارب عائلة المدانين أى عائلة جمال الدين، لذلك قرروا الانتقام منه، وبمجرد خروجه على الفور وصدور الحكم ببراءته، توجهوا إلى منزله وافتعلوا معه مشكلة تحولت إلى مشاجرة، لكن سرعان ما تدخل الأهالي والجيران إلى فض المشاجرة.

لكن يبدو أن الانتقام طغى على قلوبهم، وأعمى بصيرتهم؛ فأصبحوا لا يرون سوى الدم والتنكيل، فقرر أفراد عائلة «جمال الدين» الانتقام لأبنائهم الثلاثة الذين عوقبوا بأحكام رادعة؛ فعقد ٤ منهم العزم على الانتقام من عائلة «فضل»، فتربصوا بطالبة الإعدادي؛ التي تقف في محل والدها لبيع الدواجن، وعندما شاهدوها بمفردها، اقتحموا المحل، وشل أحدهم حركة الفتاة، وسكب الآخرون جركن بنزين عليها، ثم أشعلوا النيران في ملابسها، وعندما حاولت الخروج والنجاة بحياتها، منعها أحدهم، وأغلق عليها الباب وفروا هاربين، بعدما تأكدوا من موتها.

بمجرد أن اشتعلت ألسنة النيران، نساء القرية بدأن في الصراخ والاستغاثة، اجتمع أهالي القرية وحاولوا إخماد النيران، أخذوا جهاد المسكينة سريعا للمستشفى، لكن الحروق التي لحقت بجسدها كانت خطيرة فنقلت لمستشفى بالقاهرة لاستكمال العلاج، الفتاة المسكينة على فراش المرض تتوجع من الألم، وبجانبها أسرتها الذين يدعون الخالق أن تشفى وتعود لهم من جديد، لكنها إرادة الله، ماتت جهاد وصعدت روحها للسماء دون أي ذنب ترتكبه، رحلت تاركة أسرتها في عذاب وألم سيظل يلازمهم طول حياتهم.

وفي مشهد جنائزي مهيب ودع أهالي القرية جهاد لمثواها الأخير، والقرية بأكملها اتشحت بالسواد حزنا على تلك المسكينة، وأصبحوا يطالبون بالقصاص العادل لها حتى يعود حقها.

والد الضحية

بنبرة صوت يعتليها الحزن، قال والد الضحية: «حرقوا قلبي عليها، بنتي ملهاش ذنب عشان يحرقوها داخل المحل، ازاي جالهم قلب يشعلونالنار في جسد فتاة لا ناقة لها ولا جمل.. بنتي كانت صايمة في يوم الواقعة وزوجتي هي اللي بتفتح محل بيع الفراخ، وقبل الحادثة بساعة طلبت زوجتي من جهاد الوقوف في المحل لكي تدخل للمنزل وتقوم بتحضير خبز العيش وتجهيز طعام الإفطار لنا، لو كانت تعرف اللي هيحصل ماكنتش سابتها أبدا لوحدها، غدروا بيها». وأوضح الأب المكلوم؛ «منذ النطق بالحكم على 3 أفراد من عائلة المتهمين بسبب قيامهم منذ عام بمشاجرة معنا بسبب لعب الأطفال وتم إصابة أحد أفراد عائلتنا بعاهة ولجأنا للقضاء مع أننا عائلة كبيرة رفضنا الأخذ بالثأر ليكون القانون هو الفيصل بيننا وتم الحكم على 3 أفراد من عائلة المتهمين بالسجن لأحدهم 10 سنوات واثنين 3 سنوات وقبلنا حكم القضاء؛ وبعد الحكم جاءوا وكسروا المحل ومحاولتهم إحراقه وكنت في ذلك الوقت في محافظة أخرى فطلبت من زوجتي إبلاغ الشرطة وفعلت ذلك وجاء أمين شرطة وعمل معاينة للمحل وقال لزوجتي ‹متخفيش محدش هيقدر يقرب لكم».

واستكمل قائلا: «وبعد عدة أيام زوجتي قالت لي الدنيا هدأت افتح المحل عشان الزبائن، فهو مصدر رزقنا الوحيد فوافقت على فتح المحل في اليوم اللي اتغدر فيه ببنتي، كل اللي عايزه هو القصاص العادل وأنا واثق انه آت».

ضبط المتهمين

 تلقى اللواء ثروت المحلاوي، مدير أمن الفيوم، إخطارا من شرطة النجدة، بقيام ٤ أشخاص، بقرية كحك بحري، التابعة لمركز يوسف الصديق، بمحافظة الفيوم، بإضرام النيران في فتاة تدعى «جهاد شعبان عبد الرحمن» ١٥ سنة، داخل محل لبيع الدواجن بقرية كحك بحري، عن طريق سكب مادة البنزين عليها، ثم إشعال النيران فيها، ما أسفر عن إصابتها بحروق خطيرة في أنحاء متفرقة من جسدها أدى لوفاتها.

على الفور انتقلت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الفيوم، إلى مكان الواقعة، وتبين من التحريات الأولية؛ أنه أثناء قيام الفتاة بعملها داخل محل دواجن الخاص بوالدها، اشعل ٤ أشخاص النيران فيها انتقاما من أسرتها إثر خلافات سابقة بين العائلتين. نقلت الضحية إلى مستشفى الفيوم العام لتلقى العلاج اللازم، ثم تحويلها إلى مستشفى الحروق بالقاهرة، في محاولة لإسعافها، لكنها لفظت أنفاسها.

تحرر محضر بالواقعة وأخطرت الجهات المختصة التي صرحت بتسليم جثمان الفتاة لأسرتها فور الانتهاء من استخراج تصريح الدفن لدفنها في مقابر أسرتها. وتمكن رجال المباحث من إلقاء القبض على المتهمين الأربعة؛ الذين اعترفوا بارتكابهم الواقعة بغرض الانتقام من والد المجني عليها، وأمرت النيابة بحبسهم على ذمة القضية. 

اقرأ أيضا : المشدد 5 سنوات للمتهم بحرق منزل والده بمنشأة القناطر

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة