محمد جادالله
محمد جادالله


محمد جادالله يكتب: «القديس توما الأكويني».. هل المعرفة هى علة المحبة؟

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 10 مايو 2024 - 01:07 م

أحتل القيدس توما الاكويني (1225 – 1274) ThomasAquinasمكانه مرموقة على مستوى الأوساط الفلسفية، إذ مثلت فلسفته في نظر البعض ثورة كبري على التراث الأوغسطيني الذي ظل سائدا لقرون عدة. بل يختزل البعض فلسفة العصور الوسطي إلى فلسفة أوغسطين وفلسفة توما الأكويني،باعتبارهما أكثر الفلسفات التي أثرت في الفكر الحديث، بل والمعاصر، وذلك بالإضافة إلى الشروح العديدة التي قدمها لفلسفة أرسطو حيث كان يُعد من أكبر شراح أرسطو. 

كما أنه عالم لاهوت، بل كان يعتبر نفسه راهبًا ليس لديه الحق في أن يطلق العنان لنفسه، في أن تنغمس في الأنشطة الفلسفية إلا فيما يتفق باللاهوت.إلا أننا سنُسلط الضوء هنا على واحدة من أهم المشكلات التي تبناها توما الاكويني، بل وتُعد محور فلسفته كلها وهي مشكلة المعرفة.

عزيزي القارئ في بداية الأمر أكد الأكويني على مسألتين هامتين أولهما: لا مادية للنفس.ثانيهما: كون النفس جوهرًامستقلاقائمًابذاته. وماذا عن ترتيب قوى النفس؟ رتب الأكويني قوى النفس إلى ثلاثة أنواع، وهم: الضرب الأول: هو ترتيب القوى، تكون القوى العقلية متقدمة على القوي الحسية، ولذلك فهي تديرها وكذلك القوي الحسية متقدمة بهذا الترتيب على قوي النفس الغاذية.

أما الضرب الثاني: الأمر بالعكس، وذلك لأن قوى النفس الغاذية متقدمة بطريق التوليد على قوى النفس الحساسة ولذلك فهىتهيئ البدن لأفعالها، وكذلك الحال في القوى الحسية بالنسبة إلى القوىالعقلية. اما الضرب الثالث والأخير: فبعض القوى الحسية مترتبة بينها وهي البصر والسمع والشم، لأن المرئي متقدم طبعًا لاشتراكه بين الاجسام العلوية والسفلية، والصوت المسموع يحدث في الهواء المتقدم طبعًاامتزاج العناصر الذي يتبعه الشم.والسؤال الآن، وماذا عن العقل؟

أكد لنا الاكويني أن العقل الإنساني لكي ينتقل من حالة الاستعداد للتعليم والمعرفة إلى حالة تحصل العلم، أو كما يقول أرسطو «من حالة القوة إلى حالة الفعل». لابد من وجود قوى أخرى. ويقول الأكويني في خلاصته اللاهوتية: «إن العقل الفعال الوارد في كلام الفيلسوف شيء في النفس. ولتوضيح ذلك يجب أن يعتبر أنه لابد ان يكون فوق النفس العاقلة الإنسانية عقل أعلي تستمد منه النفس قوة التعقل».

أي أن القديس توما الاكويني يذهب هنا إلىأن العقل الفعال موجود داخل كل فرد، وهو خاصية من خواص العقل البشري؛ كما يقول «إن ذلك العقل يفيض على النفوس الفردية بالنور الإلهي».كما قدم لنا الاكويني نظريتان للمعرفة وهما:

(1) النظريةالتوماوية في العلاقات بين العقلالإيمان.

(2) النظرية التوماوية في الوجود. إلا أنه هناك تعارض بين هاتين النظريتينفالانقطاع تام بين نمط المعرفة بالعقل ونمط المعرفة بالوحي، فالنظرية التوماوية في المعرفة يمكن النظر إليها من زاويتين.الأولي: في أحد مظاهرها الكلية وتطال جميع كيفيات المعرفة كائنة ما كانت وتعين شروط المعرفة. أما الثانية: إنها نقدية وتعين حدود المعرفة البشرية وشروطها الخاصة. 

أضف إلى ذلك صديقي القارئ تركيز الأكويني على الأصل التجريبي للمعرفةالإنسانية وذلك من خلال وجهة نظرة، ونجده في ذلك متأثرًاإلى حد بعيد بموقف أرسطو من مشكلة المعرفة، حيث يؤكد على كون المعرفة الحسية تبدأ من العالم المحسوس، إذ تمد الحواس العقل بالمعطيات الحسية التي تكون فيما بعد الأفكار والتصورات، أو مثلما قال أرسطو: «من فقد حسًا فقد علمًا». وهنا نصل إلى تساؤلنا موضوع المقال، هل المعرفة هي علة المحبة؟

يجيبنا الأكويني في خلاصته اللاهوتية «أن المعرفة ليست علة المحبة لأن التماس شيء إنما يحدث عن محبته. وقد يلتمس أمور مجهولة كالعلوم لأنه لما كان تحصيل العلوم هو معرفتها كما قال أوغسطينوس، فمتى عرفت حصلت ولم تلتمس. فإذًا ليست المعرفة علة المحبة، كما أن المحبة شيء مجهول، أي أنه فضل محبة الشيء على معرفته يظهر انهما في حكم واحد».

ويكمل الأكويني حديثه قائلًا: «ولو كانت المعرفة علة المحبة لا متسع لوجود المحبة حيث لا معرفة، فالمحبة اذن تعلل بالمعرفة كما تعلل بالخير الذي لا تتعلق به المحبة الا إذا كان مدركا، فإن المعرفة خاصة بالعقل الذي من شأنه أن يفصل الأشياء المتصلة في الخارج ويؤلف على نحو ما بين الأشياء المختلفة بإيقاعه النسبة بينها ولذلك يشترط لكمال المعرفة أن يعرف الأنسان بالتفصيل جميع ما في المطلوب معرفته كأجزائه وقواه وخاصياته».
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة