قوات الأمن في شوارع كاليدونيا الجديدة
قوات الأمن في شوارع كاليدونيا الجديدة


باريس في مواجهة تحد كبير.. كيف تطفئ فتيل الأزمة في كاليدونيا الجديدة؟

سامح فواز

الخميس، 16 مايو 2024 - 11:26 م

تشهد المقاطعة الفرنسية كاليدونيا الجديدة، الواقعة في جنوب المحيط الهادئ، منذ ثلاثة أيام عاصفة من الاضطرابات العنيفة التي أودت بحياة خمسة أشخاص بينهم ضابطا شرطة، إذ جاءت هذه الأعمال الدامية كرد فعل على إقرار قانون جديد للتصويت في الجزر من قبل البرلمان الفرنسي، حيث يرى السكان الأصليون "الكناك" الذين يشكلون 40% من السكان، أن هذا القانون يُهدد حقوقهم ويؤدي إلى تقليص تمثيلهم السياسي في الانتخابات المحلية، مما أدى لإشعال فتيل الغضب لدى الكناك الذين شعروا بأن حكومة باريس تحاول تغيير موازين القوى الديموغرافية في الإقليم لصالح المستوطنين الفرنسيين.

انتشار واسع للشغب والعنف في العاصمة نومبا 

في العاصمة نومبا، انتشرت أعمال الشغب والعنف بشكل واسع، حيث يواجه حوالي 1700 عنصر من قوات الشرطة ما يقرب من 5000 متظاهر غاضب، بينهم من 3000 إلى 4000 شخص في نومبا وحدها.

وقد شهدت الشوارع مشاهد مروعة من حرق السيارات والنهب وإقامة الحواجز المشتعلة، فيما حاول المتظاهرون الغاضبون اقتحام مراكز الشرطة والمباني الحكومية، ووصفت السلطات الفرنسية الأوضاع بـ"الكارثية" ما دفعها لإعلان حالة الطوارئ واتخاذ إجراءات صارمة لمنع التجمعات ومنع حرية التنقل.

تدخل أذربيجاني.. واتهامات بالتحريض على العنف

في خضم هذه الأحداث الدامية، اتهم وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان أذربيجان بالتحريض على العنف في كاليدونيا الجديدة انتقاماً من دعم فرنسا لأرمينيا في النزاعات التي اندلعت بين البلدين في 2020 و2023.

كما اتهم الوزير "مجموعة التنسيق للعمل الميداني" وهي حركة انفصالية كناكية بالتواطؤ مع باكو، مشيراً إلى أن بعض قادة الحركة الانفصالية شاركوا في مؤتمر عقد في العاصمة الأذربيجانية في يوليو 2023 تحت عنوان "مبادرة باكو" وكان الهدف منه دعم "الحركات المناهضة للاستعمار الفرنسي".

أزمة توريد السلع الأساسية وجسر جوي للإمدادات

تسببت الاشتباكات والحواجز المشتعلة التي أقامها المتظاهرون على الطرق الرئيسية والثانوية في "وضع كارثي" فيما يتعلق بتوريد السلع الغذائية والطبية للسكان، وفقاً للمفوض السامي الفرنسي لويس لو فرانك، مما دفع الحكومة الفرنسية لإرسال جسر جوي عاجل لضمان إمدادات المنتجات الأساسية وتجنب نقص حاد. كما تم نشر مئات التعزيزات الأمنية الإضافية لمساعدة قوات الأمن المحلية على السيطرة على الأوضاع.

دعوات لاستعادة الهدوء ودعم أسترالي للحوار

في الوقت الذي دعت فيه الحكومة الفرنسية إلى استعادة الهدوء كشرط لإجراء المزيد من المفاوضات مع القادة المحليين، حثت أستراليا أيضًا جميع الأطراف على العمل معًا بشكل تعاوني لتشكيل مستقبل كاليدونيا الجديدة، داعيةً إلى الهدوء واحترام العملية الانتخابية والمفاوضات الجارية. وقالت وزيرة الخارجية بيني وونج "نحترم وندعم عملية الاستفتاء والمناقشات الجارية بين جميع الأطراف، ونشجع الجميع على العمل معًا بشكل تعاوني لتشكيل مستقبل كاليدونيا الجديدة".

تحديات كبيرة أمام السلطات الفرنسية

مع تصاعد أعمال العنف واشتداد حدة الأزمة في كاليدونيا الجديدة، تواجه السلطات الفرنسية تحديات كبيرة في إدارة هذا الملف الشائك، فمن ناحية، لا يمكنها التنازل عن سيادتها على هذه المقاطعة الاستراتيجية والغنية بالموارد الطبيعية، ومن ناحية أخرى، لا يبدو أن قمع الاحتجاجات بالقوة سيكون حلاً ناجعًا على المدى الطويل.

لذلك، تسعى باريس إلى إيجاد توازن دقيق بين احتواء الأوضاع الأمنية والتصدي للعنف، وبين الاستماع لمطالب السكان الأصليين ومراعاة شعورهم بالتهميش والإقصاء، ويعتقد محللون أن الحل الأمثل قد يكمن في إجراء مفاوضات حقيقية مع القادة الكناك والتوصل إلى تسوية سياسية تراعي حقوقهم وتطلعاتهم نحو تقرير المصير.

تاريخ طويل من النزاعات والاستفتاءات

تأتي الأحداث الأخيرة في سياق تاريخ طويل من النزاعات والاستفتاءات حول مستقبل كاليدونيا الجديدة، فقد خاضت الجزر ثلاثة استفتاءات في 2018 و2020 و2021 حول الاستقلال عن فرنسا، إلا أن خيار البقاء ضمن الجمهورية الفرنسية فاز في كل مرة، لكن المعركة السياسية بين المؤيدين والمعارضين للاستقلال ما زالت مستمرة.

ويخشى الكناك أن يؤدي القانون الجديد للتصويت، الذي يسمح للمستوطنين الفرنسيين بالمشاركة في الانتخابات المحلية بعد 10 سنوات من الإقامة، إلى زيادة نفوذ المؤيدين للبقاء تحت السيطرة الفرنسية، وتقليص فرص تحقيق الاستقلال في المستقبل.

 

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة